١٢‏/٠٧‏/٢٠١٢

العذراء والأقباط وأنا


أحمد بيومى - أفلامجى
قبل سنوات بعيدة، أخبرتنى جدتى الصعيدية _آخر الأساطير الباقية_ أن السيدة العذراء مريم تظهر من حين لآخر لتحل مشاكل المساكين والضعفاء، وتظهر كهالة من النور الصافى. تذكرت المشهد الذى جرى قبل نحو عشرين عاما، وأنا أتابع اللقطات الأولى من فيلم "العذراء والأقباط وأنا" لمخرجه المصرى الأصل فرنسى الثقافة نمير عبد المسيح، والذى عرض فى أكثر من مهرجان كان آخرهم مهرجان الأسماعلية فى دورته الأخيرة وفاز بجائزته.
يناقش الفيلم (أسطورة – حقيقة) ظهور السيدة العذراء فى مصر، ويستهل بشريط فيديو احضرته إحدى أقاربه يظهر تجلى العذراء فى أسيوط عام 1968، يشاهد نمير الشريط ولا يرى العذراء، بينما تقسم والدته، الجالسة بجواره، أنها رأتها بوضوح. يذهب للكنيسة ليسأل الكاهن فيخبره: "ربما زاوية الرؤية أو الإضاءة .. ولا تنسى إرادة الله"، لا يقبل نمير بتلك الإجابة فيقرر المجئ للقاهرة والبحث عن الأسباب التى تدعو المصريون للإعتقاد بتجلى السيدة البتول. وعندما يخبره أحدهم أن فيلمه الذى يسعى لتصويره سخيف ولن يصل إلى إجابة قاطعة، يجيب أن عمله لا يسعى للإجابة عن حقيقة التجلى من عدمه، بل لماذا يؤمن الجميع بالظهور.
الفيلم يحمل فكرة بكر، لم تكتشف من قبل على الرغم من ثراءها المدهش. واستطاع نمير التلميح بذكاء عن مشاكل نعيشها يوميا فى إطار فنى خالص. فنصطدم فى بداية الفيلم بجملة مثل "رسميا: الحكومة تقول أن الأقباط 6%، والأقباط يؤكدون أنهم 20%. على الأرض الأقباط لا يحبون المسلمين، والمسلمون لا يحبون الأقباط، والجميع يكره اليهود"، جملة سريعة لكنها إحدى مفاتيح قراءة الفيلم. ويصر الفيلم على استخدام كلمة الأقباط،على الرغم أن لفظة القبطى تعنى المصرى، سواء مسلم أم مسيحى.
وفى إطار هذا البحث نذهب إلى أرشيف جريدة "وطنى"، ومن بين وثائقه بيان بابا الأقباط، الذى يؤكد صحة الظهور، وأنه جاء احتجاجا على احتلال اليهود للقدس بعد هزيمة 1967، كما يصور مجموعة من الصور الفوتوغرافية من أرشيف شخصى، ويتحاور مع بعض ممن عاصروا الحدث، الذين يرون أنها كانت "لعبة" من الحكومة للتغطية على الهزيمة من اسرائيل، وفى النصف الثانى من الفيلم يواصل المخرج البحث فى أسيوط، ويلتقى لأول مرة مع عائلته، وكان قد عاش معهم فترة من طفولته عندما جاءت به أمه إليهم بعد ولادته فى فرنسا.
وكان لهذا الجزء أن يكون بالغ الروعة كونه أعاد إلينا مشاهد الفلاحين والآراضى الزراعية والنيل والجلباب، لولا التطويل الزائد فى القرية الذى كان من الأفضل اختصاره. التصوير فى القرية الصعيدية الفقيرة، جعل الفلاحين يتحدثون بصدق وحرية عن حياتهم ومشاكلهم، ومدى الألم والحياة القاسية التى دفعت أحدهم للقول أنه أصبح يكره الزراعة، ويندم على العمل بها.
العمل شديد التميز لم يحاول الوصول إلى إجابة شافية، بل اكتشف فى رحلته الأساطير التى تعيش بيننا، ومدى تدين المصريين عموما، فلا نجد "زبيبة" الصلاة أو الصلبان الموشومة على الإيدى وصورة العذراء على الأذرع سوى فى مصر، كذلك السبحة أو الصليب المعلق داخل السيارة، والنتيجة التى تحمل بالضرورة إشارة دينية، ومن قبل ومن بعد خوف الجميع من مواجهة الكاميرا، والرعب من ممارسة فعل البوح.
                                    نُشر فى أخبار النجوم 12-7-2012

0 comments:

إرسال تعليق

 
;