١٨‏/٠٤‏/٢٠١٢ 2 comments

صاخب للغاية وقريب بشكل لا يعقل

أحمد بيومى - أفلامجى
تمر علينا _احيانا_ أفلاما غاية فى الأهمية مرور الكرام، "صاخب للغاية وقريب بشكل لا يعقل" للمخرج ستيفن دالدرى، صاحب أفلام "القارئ" و"الساعات"،  واحدا من تلك الأعمال. الفيلم ربما يبدو بسيطا للوهلة الأولى حيث يدور حول صبى فى التاسعة من عمره، يفقد والده أثناء هجمات الحادى عشر من سبتمبر، ولطبيعته الباحثة المغامرة عندما يجد مفتاحا داخل قنينة يحاول البحث عن القفل المناسب حتى لو كلفه ذلك زيارة مئات المنازل فى مدينة نيويورك.
يصدمك العمل منذ البدء، حديث داخل عقل الصبى حول مستقبل الموت وتاريخ الحياة: "هناك اشخاص أحياء الآن أكثر ممن ماتوا طوال التاريخ، لكن أعداد الأموات تتزايد، يوما لن نجد مكانا لدفن المزيد .. ماذا عن ناطحات سحاب للأموات تبنى لأسفل؟". فلسفة قادمة من أعماق طفل، هل لازال للطفولة مكانا على الأرض؟، فلسفة تمهيدية لفيلم ملئ بالرسائل الجديرة بالتوقف والتأمل.
يقتحم الطفل غرفة والده بعد قرابة العام، لم يجرؤ على العبور منذ رحيله، يجد بالمصدافة مفتاحا قديما، علمه والده أنه فى حال وجود مفتاح لأبد ان يوجد قفل، وإن كان على المظروف اسما لابد من وجود شخصا، لا تتوقف ابدا عن البحث. يأخذ الطفل بنصيحة والده الراحل - الباقى، يضع مخططا كاملا لمدينة نيويورك ليبحث عن شخص يدعى "بلاك" ربما يملك قفلا مناسبا للمفتاح الذى يحمله. يعتمد الفيلم عن معلومة علمية تقول أنه فى حال أفول نجم الشمس وضياع وهجها إلى الأبد سيلزمنا نحن سكان الأرض ثمانى دقائق للشعور بالتأثر، طوال الدقائق الثمانية سنظل نتمتع بالدفء، يحاول الطفل الأحتفاظ بوالده إلى الأبد، إن لم يتوقف عن البحث، سيظل برفقتة فى اللعبة الأستكشافية، كما كان يخطط دائما.  
يبدأ أوسكار رحلته، يقابل مئات الأشخاص ولكل روايته، بعضهم لا يتحدث الأنجليزية، ومنهم من يختبئ من المجهول، أو مجموعة من السود يتحدثون مع الله، والرجل المخنث، والسيدة التى لم تسمع صوتا منذ 24 عاما، تؤام يرسمان سويا ويتعركان، فنانة تنقش نفس الشخص طوال الوقت، الحارس الذى كان معلما سابقا فى روسيا قبل أن يكتشف ان عقله يحتضر، جامع العملات النقدية الذى لا يجد قوت يومه، ومن يحب دوما الجلوس خلف القضبان. يحرص على ألتقاط صورا للجميع بالكاميرا التى تعود لجده، الذى يظهر بعد مصرع ابنه ويصاحب أوسكار فى رحلاته دون أن ينطق بكلمة واحدة، يلزم الصمت التام ويعبر عن أفكار بالورقة والقلم، ويمرر رسائله. يبوح أوسكار بدوره عن سره الدفين، الرسائل الست التى بعثها أبيها على المجيب الآلى.
الناس ليسوا أرقاما بل اشبه بالحروف، والحروف تتحول إلى قصص، والروايات خلقت لتروى، وأن كل يوم جديد هو بمثابة معجزة، تماما كمعجزة المفتاح المعلق فى رقبته فى حال ما وجد القفل. "صاخب للغاية وقريب بشكل لا يعقل"، عمل متكامل أكثر ما يميزه طريق السرد التى تنقلنا بين الأزمنة بسلاسة، إلى جانب الأداء المتميز لتوم هانكس وساندرا بولوك والصبى العبقرى توماس هورن. الفيلم رسالة تدفعنا نحو عدم التوقف عن البحث فى التفاصيل، وأن الأنسان هو المخلوق الوحيد على كوكب الأرض الذى يستطيع أن يبكى بمصاحبة الدموع.   
                                              نُشر فى أخبار النجوم 19-4-2012
١٤‏/٠٤‏/٢٠١٢ 3 comments

الكاميرا الديجيتال


(تدوينة قديمة محفورة فى قلب الوجدان) 
(لم أحاول تعديل اللغة بما يتناسب بالتعديل الذى طرأ على شخصى)
لا أدرى كيف أتذكر هذا الموقف حتى الآن وكأنه حدث بالأمس فقط. قبل عيد ميلادى السادس أو السابع أو الثامن _لا أدري_ سألنى والدى عن الهدية التى أرغب بها. لم أتردد، قلت بحسم كاميرا. وبعد أيام أتانى بالكاميرا التى لازالت أحتفظ بها حتى الآن. فى ذلك الوقت لم يكن هناك ما يعرف بالكاميرا الديجيتال، لكنى فى عقلي كنت أرغب بكاميرا بها ميزات الكاميرا الديجيتال، فلا احتاج إلى فيلم جديد كل عشر دقائق أو الذهاب إلى كوداك لتحميض الفيلم ال 36 صورة، بالمناسبة لم أنجح أبدا في تحميض 36 صورة، دائما يوجد صور محترقة ولا اعرف السبب حتى الآن.
فى المرحلة الإعدادية، وبفضل التكنولوجيا الجديدة أمتلكنا كاميرا فيديو من نوعية باناسونيك بشرائط mini cam، وكنت معروف فى الوسط العائلى بأسم يوسف شاهين. وكنت المصور المعتمد لكل الأحداث التى تمر بالعائلة. أعياد ميلاد، خطوبة، زواج، لقطات تذكارية فى الكريسماس إلى جانب خروف العيد بالطبع.
وفى إحدى المرات، ذهبت إلى بلدتنا الريفية التى ينحدر منها والدى، والذى يذهب إلى هناك في المناسبات فقط، كنت لازالت فى المرحلة الثانوية، لحضور فرح ابن عم والدى خالد _رحمه الله_. لا أستطيع نسيان هذا اليوم. البلدة الريفية البسيطة بدا لهم الشاب الصغير بملابسة الغريبة _لم اكن ارتدى جلبابا مثلهم بطبيعة الحال_ والكاميرا التى يحملها على كتفه والشنطة المعلقة على الكتف الآخر وشنطة أخرى صغيرة أضع بها عدد لا بأس به من الشرائط والبطاريات الإحتياطية، بدا لهم هذا الشخص وكأنه مخرج أفلام كاوبوى جاء ليكتشف أسرار قريتهم. أحد الأطفال الصغار أقترب منى بحذر وسألنى " انت جاى من القناة السابعة؟ " وهى قناة محلية فى مدينة المنيا. فى ذلك اليوم سألنى بعض ابناء أعمامى كبار السن _ملحوظة هم ليسوا بالضرورة ابناء أعمامى فكل البلدة تعتبر ابناء أعمامى_ عن الإحتياجات التى أطلبها من أجل التصوير، ولم أكن أدرى ماذا اريد. سكت قليلا وأجبت بلهجة المعتاد على الأمر كثيرا "عايز أشوف مكان الفرح عشان اعاين". ذهبنا إلى المكان الذى يجرى تجهيزه على قدم وساق من أجل الفرح، وعندما شاهدنى العمال، أو بالأحرى شاهدوا الكاميرا التى أحملها وكل الشنط الأخرى_ ابتسموا فورا دون داعى وتابعوا العمل فى همة وحماس زائد. وبعد أن أخذت بعض اللقطات طلبت من أحد ابناء عمومتى تصوير المشهد من منزل عالى، ففتحت لى الأبواب لصنع ما اريد.
اليوم أصبحت الكاميرا _الديجيتال_ من أهم ممتلكاتى على الإطلاق. في يدى أينما ذهبت. وتطور الأمر قليلا، وربما كثيرا. فلم أعد فقط أسعى وراء الصورة، بل وراء المشهد كاملا، وبفضل برامج المونتاج الذى أجلس أمامه بالساعات، أستطيع صنع شيئا يعجبنى في النهاية، وبعدها لا اطيق أن اشاهده مرة أخرى.
لا أعلم تحديدا لماذا أحب الكاميرا وأقدسها إلى هذا الحد. ربما الخوف هو الدافع. الخوف من ضياع الأصدقاء، فأسعى دائما إلى إلتقاط صور لجميع أصدقائى، ليس بالضرورة أن أكون بينهم، وليس بالضرورة ايضا أن يكونوا فى وضعية الأبتسام والتلويح للكاميرا، أفضلهم بطبيعتهم. فربما فى حالة ضياعهم منى أو ضياعى منهم أجد فى الصور ملاذا وعونا.
احتفظ بمئات الصور للمنازل التى أحبها. المنزل الذي نشأت به في المنيا، منزل جدى وجدتى وخالتى. كل الأركان والخبايا والمنظر الذي يطل عليه والشبابيك والأبواب وكل التفاصيل الدقيقة. النادى الذى لعبت فيه كرة السلة، شوارع القاهرة فى الخامسة صباحا وكوبرى قصر النيل فى الوقت نفسه.
فى الفيلم الأمريكى one hour photo يقول البطل الذي يعمل بمحل لتحميض الصور، والذي هو بدوره مصورا "لا يوجد شخص يلتقط صورة لشئ لا يرغب فى تذكره مجددا"، وبإتباع هذا المنهج، دوما سترى كاميرات فى الأفراح وأعياد الميلاد وحفلات التخرج لكن أبدا لن تجد كاميرا واحدة فى مأتم. لكنى أعتقد أنه فى حالة توفى شخص ما عزيز على سأقوم بتصوير المأتم، ولما لا. على الأقل سيذكرنى به. فليس بالضروة أن يكون واقف بينهم أو يلوح للكاميرا بيده مبتسما.
2 comments

سينما بلون الدم


أحمد بيومى - أفلامجى
فى زمن من الأزمنة، حين كان للثقافة والفنون حيزا من الأهتمام وقدرا من التقديم والأحترام، قرأنا وتعلمنا دروسا سينمائية وإنسانية. عندما لم يكن مستغربا أن تشهد تدشين مجلة سينمائية متخصصة تحمل اسم "الغاضبين" لتهدم كل مسلمات السينما التقليدية القديمة وتدعو وتبشر بسينما جديدة. وكان من الطبيعى أن يهتم هذا الإصدار بالقضايا السينمائية الحقيقية، بعيدا عن أخبار أهل الفن وتتبع حياتهم الخاصة ومناقشة أعمالهم بشكل سطحى يغلب عليه الجهل، فتجد على صفحات هذه المجلة البيان الشهير الذى وقع عليه 26 سينمائيا من شباب السينما الألمانية ويعلن بدء حركة جديدة فى السينما الألمانية، وعُرف بأسم "بيان أوبرهاوزن"، على أسم المدينة الشهيرة التى صدر البيان خلال أنعقاد المهرجان الدولى للسينما التسجيلية والقصيرة، وربما هو أهم وأقدم مهرجان متخصص. وجاء فى البيان، الذى لم يختلف كثيرا عن مطالب "السينما الجديدة" فى مصر فى ذلك الوقت: "نحن هنا نجاهر بالتمسك بحقنا ودورنا فى خلق سينما جديدة .. هذه السينما تحتاج إلى حريات جديدة .. حرية من عبودية السينما التقليدية .. حرية من سيطرة "الشباك" والربح .. حرية من كل وصاية".
وفى عدد لاحق من مجلة "الغاضبين" نُشر بيان حركة السينما الجديدة فى أمريكا، الشاطئ الشرقى، الذى أعلنوا فيه ثورتهم على سينما الشاطئ الغربى "هوليوود" التى اتسمت، فى نظر القائمين بحركة السينما الجديدة، ببيع الأحلام والأوهام وتفريغ الواقع من حقيقته المره، جاء فى بيانهم الشهير: "نحن لا نريد أفلاما وردية .. بل نريدها حمراء مثل الدم".
وفى السياق، عام 1972 كان العرض الأول لفيلم "زائر الفجر" الذى عرض بنادى القاهرة السينمائى فى عرض خاص، وخارج قاعة العرض كانت الحركة الطلابية فى قمة المواجهة مع نظام السادات. وتناول العمل _رفيع المستوى_ محنة الهزيمة من خلال التحقيق فى مقتل صحفية شابة متمردة، كانت تحاول أن تفهم لماذا حدث ما حدث، ومن المسؤل عن تدهور البنية التحتية، وكيف أصبح الأمن هو المسئول عن حياة المصريين، وتهديد وترويع وقتل كل من يسعى للخروج من الحظيرة أو يسعى للتغريد خارج السرب. وحاول فى الفيلم وكيل النيابة الشريف _عزت العلايلي_ بكل جهد الوصول إلى الحقيقة وراء مقتل الصحفية، رافضا الضغوط التى تمارس عليه لغلق القضية. "زائر الفجر" صرخ مناديا بالتغيير مطالبا بمحاسبة الجميع، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، عن هزيمة سيناء وغياب الديموقراطية وزيادة القمع و إعتماد سياسة المنع. ورأينا شكرى سرحان يلعب دور المناضل الوطنى الذى يعيد إحياء خلية ثورية مع رفاق الماضى لإستئناف حركة النضال.
سيناريو العمل الرائع الذى كتبه د. رفيق الصبان وأخرجه الراحل محمود شكرى، كان رسالة شديدة اللهجة، حين انتهى بصدور أوامر عليا بنقل وكيل النيابة وغلق القضية والإفراج عن المتهمين. هل النظام دائما أقوى من الأفراد؟. وأدى منع عرض الفيلم إلى إصابة مخرجه بالأكتئاب وبعدها بمرض حاد ليرحل عن عالمنا قبل أن يشهد التصريح بعرض فيلمه حتى مع ما طاله مقص الرقيب.
خارج السياق، "قولوا لى ماذا تشاهدون من افلام؟ أقول لكم من أنتم". نحن نشاهد سينما وردية وسينما رمادية فى حين أن علينا مشاهدة سينما حمراء بنفس لون الدم.  
  
                                    نُشر فى أخبار النجوم 12-4-2012
                                        فأشهد لنا يا قلم .. أننا لم ننم 
٠٥‏/٠٤‏/٢٠١٢ 0 comments

سقوط هتلر .. ما يقع إلا الشاطر

أحمد بيومى - أفلامجى
حنين جارف دفعنى لإعادة مشاهدة الفيلم الألمانى "السقوط" الذى تدور أحداثه فى مثل هذه الأيام قبل 67 عاما، "السقوط" الذى أخرجه أوليفر هيرشبيجل عام 2004، ورشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبى ونال العديد من الجوائز الرفيعة، ويروى من خلاله الأيام الأخيرة فى حياة الزعيم الألمانى النازى الديكتاتور هتلر الذى يعتبر من أهم الشخصيات التى غيرت مجريات العالم والتاريخ، الذى ربما يعيد إنتاج نفسه بأشكال مختلفة طوال الوقت، ووحده الفن الجيد هو القادر على إعادة تقديم وتقييم الأفكار والرسائل مع تغير الظروف وتبدل الأحوال.
شخصية هتلر التى قدمها الممثل الإستثنائى برونو جانز، هى نمط كل حاكم متغطرس أصابه الغرور والتكبر وجنون العظمة، فقط لأن حزبه نجح فى حصد أصوات أغلبية الشارع. يتجاوز الفيلم تفاصيل وصول هتلر لكرسى الحكم بعد أن استطاع حشد تأييد الشارع الألمانى بخطابه الحماسى الداعى إلى القومية، ويهمس بين السطور إلى أسباب العنف الذى يتمتع به الديكتاتور المستند دائما إلى الديموقراطية التى قذفت به إلى سدة الحكم، يقول هتلر وشعبه يتعرض للموت والفناء: "اذا كان شعبى لا يستطيع تحمل هذه المحنة .. لن أذرف عليهم دمعة واحدة. أنهم يلقون ما يستحقونه .. جلبوا هذا المصير لأنفسهم"، وفى سياق متصل نجد وزير دعايته السياسية جوزيف جوبلز يقول: "الناس منحونا تفويضا والآن يدفعون ثمنه". وعندما سئلت السيدة جوبلز، لماذا تريد قتل أطفالها الخمسة في لحظة الهزيمة؟ قالت بكل حماس وقناعة: لا أتحمل أن يعيش أولادي في عالم انهزمت فيه أفكارنا! وفعلا وضعت السم في فم أطفالها واحدا تلو الآخر فى مشهد شديد القسوة، ثم انتحرت هي وزوجها، وتتالت الانتحارات بعدها بين صفوف العسكر النازي المنهزم بكل جرأة وقسوة. وربما تجد نفسك متلبسا بفعل الإعجاب نظرا للشجاعة الأدبية المتمثلة فى الأنتحار، وكون السياسى فى بلادنا من المستحيل حتى أن يفكر فى الأستقالة مهما وصل به الجنون وارتكب من مغامرات.
يمرر المخرج هيرشبيجل رسائله، وكأن كرسى الحكم يأتى غالبا مصحوبا بالغباء السياسى وإنعدام البصيرة الأخلاقية والرهان الدائم على صنع مجد شخصى زائف، وأن حياة 50 مليون إنسان ماتوا من جراء الحرب العالمية الثانية مجرد أرقام على أوراق يحرقها الحاكم مع تركه _مجبورا_ كرسى الحكم. السمع والطاعة ملمح آخر اعتمد عليه الفيلم، ومن يختلف لن يجد أمامه سوى الموت الفورى. حتى وإن حاول البعض التذمر أو الأعتراض يذكره الآخر بالقسم والولاء والطاعة العمياء بعيدا عن تحكيم العقل والمنطق والضمير.
"السقوط" متعة سينمائية ورسالة تاريخية عن سقوط طاغية وحزب فاشى شيطانى عنصرى ينطبق عليه مقولات شعبية مصرية صميمة مثل "الشيطان شاطر" و"ما يقع إلا الشاطر".
 
;