أحمد بيومى
بعد تغير توجهات الدولة، أى بعد رحيل جمال عبد الناصر، وخروج ثروت عكاشة من وزارة الثقافة، وقيام السادات بانقلابه الشهير فى مايو 1971، الذى صفى بمقتضاه مجموعة عبد الناصر فى السلطة، وانفرد بالحكم، سرعان ما قام بحل مؤسسة السينما تحت شعار "هل يمكن أن تجلس الدولة لتبيع تذاكر السينما؟"، تماما كما اخبرنا الناقد الكبير أمير العمرى فى كتابه الرفيع "شخصيات وأفلام من عصر السينما".
اتجهت الدولة بعد ذلك إلى تجارب الإنتاج المشتركة بين جماعة السينما الجديدة والمؤسسة، وكانت البداية مع فيلم "أغنية على الممر" المأخوذ عن مسرحية على سالم ومن إخراج على عبد الخالق، وحقق الفيلم نجاحا مقبولا فى ذلك الوقت لكن بطبيعة الحال لا يضاهى أفلام مثل "ابى فوق الشجرة" الذى كان يعرض فى نفس التوقيت. الفيلم اتسق فى حينه، مع توجهات النظام وهى التأكيد على ضرورة الصمود ورفض الهزيمة، والتأكيد أن جنود الجيش هم أبناء الشعب بمختلف طباقاته ما بين الفلاحين والعمال والأسر الصغيرة والمتوسطة، وأن صمود هؤلاء جميعا يعنى _بالضرورة_ صمود الوطن وانتصاره وتحقيق النصر.
دارت القصة حول خمسة جنود محتجزون في ممر بالصحراء بعد أن يستشهد جميع زملائهم أثناء حرب 67 وينقطعون عن العالم بعد أن يتلف جهاز اللاسلكي. الشاويش محمد ـ أكبرهم سنا، فلاح يترك أرضه ليزرعها أولاده وشارك من قبل في حرب 56. حمدي الفنان الذي يحلم بالارتقاء بالأغنية بعيدا عن الابتذال، وشوقي الذي ينشد المثالية، ومسعد العامل البسيط الذي يحلم بالاستقرار مع زوجته، أما منير فقد ارتضى بلعب دور الشخصية الانتهازية.
خلال الفيلم، المقبول على المستوى السياسى والمتوسط على المستوى الفنى، بسبب عدم تنوع المشاهد والإعتماد على مكان واحد، نرى جميعا طرفى المعركة، مصر واسرائيل. الحرب واضحة المعالم والقواعد ويقبل كلا الطرفين بنتائجها.
أما ما يحدث داخل ممرات سيناء الآن لم يطرق خيال مبدع حتى اللحظة، دماء اخواتنا التى تهدر من قبل الثورة ومن بعدها على أيادى مجهولين ملثمين إرهابيين، ذهبت كلها هدرا، والدماء التى سوف تسفك سواء فى سيناء أو خارج سيناء، لن نجد من ندينه ونقتص منه. دائرة مفرغة ندور فيها، دائرة ربما لا مفر منها سوى بطوفان شعبى يعيد لمصر هيبتها وقدرتها على السيطرة على اراضيها ومحاكمة المسئولين جنائيا وسياسيا على دم شهدائنا، والقررات العنتيرية التى تصدر دون أدنى دراسة أو دراية أو خبرة التى تفتح الحدود على مصراعيها أمام كل من يريد العبث بمقدرات هذا الوطن، وتقطع الكهرباء والمياة عن بيوتنا لتمد بها منازل الآخرين لتسديد ديون قديمة وفواتير آن ميعادها. وتبقى كلمات أغنية فيلم "أغنية على الممر" للشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى حاضرة صامدة فى وجه الإرهاب داخل مصر وخارجه.
أبكى .. أنزف .. أموت .. وتعيشى يا ضحكة مصر، وتعيش يا نيل يا طيب .. وتعيش يا نسيم العصر، وتعيش ياقمر المغرب .. وتعيش ياشجر التوت، أبكى .. أنزف .. أموت .. وتعيشى يا ضحكة مصر، وتلاميذ المدارس والنورج اللى دارس، والعسكرى اللي دايس ع الصعب عشان النصر، يا مراكب يا صوارى يا شوارع يا حوارى، يا مزارع يا صوامع يا مصانع يا مطابع، يا مينا يا كباري يا منادر يا بنادر يا منازل يا بيوت، أبكى .. أنزف .. أموت .. وتعيشى يا ضحكة مصر.
نُشر فى أخبار النجوم 9-8-2012
0 comments:
إرسال تعليق