٣٠‏/١٢‏/٢٠١٢ 0 comments

عبد اللطيف ابو رجيلة .. امبراطور الأتوبيس


ده اول فيلم اصوره فى حياتى، لما رجعت اشوفه لقيت كمية أخطاء تودى فى داهية، بس لسه مبسوط انى عملت الفيلم ده، كفاية أنها كانت اول مرة اقول فيها اكشن J ، وفاكر انه كان عاجبنى بعد ما خلصت. لما رجعت شوفت الفيلم افتكرت ذكريات حلوة مستخبية وراء الكادرات. عذرا على كم الأخطاء _الساذجة_ اللى فى الشريط :)
شكرا لكل الناس اللى ساعدتنى فى الفيلم ده، وأولهم والدى الغالى مصطفى بيومى
أداءة تمثيلى: تامر على، مى عدلى
تصوير: سامح البيبانى
فنى صوت: أحمد بشير، محمود ابراهيم
فنى إضاءة: محمود بشير، محمد صلاح
مساعد مخرج أول: محمد كمال
مساعد مخرج ثانى: مؤمن حيدة
سيناريو وإخراج: أحمد بيومى
١٧‏/١٢‏/٢٠١٢ 1 comments

قهوة


١٤‏/١٢‏/٢٠١٢ 0 comments

محبوس يا طير الحق

أحمد بيومى - أفلامجى
رحل عمار الشريعى، لم يحتمل قلبه ما كان، وما صار، رفض اللحن الشاذ الذى بات مكتوبا ومفروضا على الجميع. تُرى ما كان المشهد الأخير الذى رآه، أو بالأحرى، رسمه فى خياله، هل اسمتع إلى ناقوس الحرب الأهلية فقرر الفرار، أم رأى أشباح الماضى السحيق المتخلف تزحف على القاهرة التى عرفها، وعشقها، وغنى لها؛ فأرتعش قلبه الضعيف الذى لم يعرف سوى الحب. هل توقفت حبيبته – القاهرة – عن تحريضها له بالصمود والمقاومة وحتمية التفاؤل، ألم يخبرنا عنها قائلا: "حبيبتى بتعلمنى أحب الحياة"، ألم يهمس فى قلوبنا معاتبا وصارخا بحب مدينته ومؤكدا: "هنا القاهرة الساخرة القادرة الصابرة المنذرة الثائرة الظافرة"، "هنا القرش والرش و القش و السمسرة"؛ رحل عمار وبقى فنه وإبداعه الحالد، الذى سيدرك الجميع _فيما بعد_ مدى اختلافه النوعى والكيفى، وسيعود الجميع سعيا وراء شخصية فريدة على المستوى الإنسانى والفنى وبحثا عن كل لحن قدمه وكل جملة موسيقية صاغها لتلتحم بجينات المصريين، يرثها جيل بعد جيل.
قبل سنوات بعيدة، صاغ الشريعى كلمات "الحدود" لفرقة الأصدقاء، الأغنية المصاحبة لملايين المصرين المغترببين، "وأحنا فايتين علي الحدود .. مستمرين فى الصعود .. أختفى النيل الجميل من تحتنا، والمدن، والريف.. وأول عمرنا"؛ هل اختفى النيل يا عمار أم لازال حاضرا. الشريعى علمنا جميعا كيفية عشق هذا الوطن، وترابه، ومقاومة أعداءه، والصمود مهما طال الزمن ومهما جار الظلم.
رحل عمار، قبل أن يرى مدينة الإنتاج الإعلامى، التى زارها مئات المرات ليمتع الملايين، تحت الحصار والتهديد. غاب الشريعى، بعد إدراكه أن العبث وصل مداه، والمعركة تحتاج لمن يملك قلبا مستعدا لتقلى المزيد والمزيد من الصدمات والصفعات. سافر، ولسان حاله _وحالنا_ محبوس يا طير الحق .. قفصك حزين ولعين .. قضبانه لا بتنطق .. ولا تفهم المساجين.
                             نُشر فى أخبار النجوم 13-12-2012
١٠‏/١٢‏/٢٠١٢ 0 comments

ثرثرة فوق النيل


مصطفى بيومى
في الخامس عشر من نوفمبر سنة 971، كان العرض الأول لفيلم " ثرثرة فوق النيل" الذي أخرجه حسين كمال عن رواية بالاسم نفسه لنجيب محفوظ. نخبة من كبار النجوم شاركوا في البطولة الجماعية للفيلم الجرئ الشجاع، الذي يقدم شهادة بالغة الأهمية عن الواقع المصري قرب نهاية الستينيات: عماد حمدي، ماجدة الخطيب، أحمد رمزي، سهير رمزي، عادل أدهم، مرفت أمين، صلاح نظمي، نعمت مختار، أحمد توفيق، أحمد الجزيري.
النص الروائي يتنبأ بهزيمة يونيو 1967 قبل وقوعها، أما الفيلم فيعبر عن واقع ما بعد الهزيمة، ومن هنا لم يلتزم كاتب السيناريو ممدوح الليثي بتفاصيل الرؤية الروائية. جانب من الاختلاف بين النصين الأدبي والسينمائي يعود إلى تباين لغة التعبير بين الأدب والسينما، أما الجانب الآخر فمردود إلى ما يراوده محفوظ لا يتطابق مع طموح الليثي وحدود وعيه، لكن المشترك بينهما هو السعي إلى تقديم شهادة موجعة لاذعة، عن نظام يرفع الشعارات الاشتراكية التي لا تنعكس آثارها العملية على الإيقاع اليومي للحياة، وعن مجتمع يخوض جيشه حربا مصيرية على الجبهة، في ظل قطيعة مع سلوك قطاعات واسعة من أبناء المجتمع، تشعر بأنها زائدة ولا ضرورة لها، وتتجه إلى إدمان المخدرات والثرثرة العبثية بحثا عن خلاص فردي وهمي.
يقدم الفيلم شلة من الأصدقاء الذين يلتقون كل ليلة في عوامكة نيلية، حيث الحشيش والخمر والجنس والإسراف في الضحك والتهريج بلا ضابط أو رابط. مجموعة مختارة من العناصر التي ينبغي أن تكون فاعلة وإيجابية في بناء نهضة المجتمع المصري: الممثل السينمائي رجب القاضي "احمد رمزي" الأديب والكاتب القصصي خالد عزوز "صلاح نظمي"، المحامي الكبير مصطفى راشد "أحمد توفيق" فضلا عن الموظف الصغير الذي لا يفيق من المخدر أنيس زكي"عماد حمدي".
حول هؤلاء تظهر نساء ضائعات مستهترات لا التزام عندهن بالقيم الأخلاقية والقواعد الاجتماعية المتعارف عليها: سنية كامل .. الزوجة الخائنة التي تجد في خيانة الزوج ما يبرر سلوكها "نعمت مختار" ليلى زيدان .. الموظفة المترجمة التي تتحمل مسئولية أسرة ضخمة بمرتب محدود فتلجأ إلى التجارة بجسدها "سهير رمزي"، سناء الرشيدي.. الطالبة الجامعية الشابة التي تحلم بالتمثيل والنجومية والثروة الطائلة وسكنى القصوى "مرفت أمين".
رجال ونساء يرفعون رايات الضياع والسلبية في العبث غير المحدود، أما حارس العوامة عم عبده "أحمد الجزيري" فرجل بسيط لا يملك إلا أن يطيع السادة وينفذ أوامرهم، ومع ادراكه. وهو المتدين المحافظ على الصلاة .. أن مناخ عمله موبوء حافل بالرذائل والمعاصي، فإنه يقنع بالفرجة والدعاء السلبي الذي ينم عن الضعف والاستسلام، أكثر من تجسيده للإيمان والورع: "استغفر الله العظيم .. سامحني يا رب"!
الشخصيات التي يقدمها الفيلم، من الرجال والنساء على حد سواء، تكشف عن انهيار المجتمع وتغلغل الفساد، وصولاً إلى استشراء السلبية التي أدت إلى هزيمة 1967، ولم تنته بوقوعها. سينما تافهة تخاصم الواقع وتعازل كل ما هو مبتذل سوقي ركيك، وهو ما يتجلى بوضوح في مشهد أغنية "الطشت قالي"، صحفيون ونقاد يحولون مهنة الكلمة الحرة الشريفة إلى تجارة شخصية رائجة لا احترام فيها لمبدأ أو عقيدة، أدباء انعزاليون يديرون ظهورهم وعقولهم لنبض الواقع ويتعالون على معطياته، محامون بارعون يتلاعبون بالقانون ويجعلون من الباطل حقًا كأنهم الحواة، موظفون تطحنهم آلة البيروقراطية وتكرس شعورهم بالغربة والاغتراب واللامبالاة، نساء لا سلاح لهن إلا استثمار الجسد بحثًا عن المال والمتعة والصعود الاجتماعي.
في أجازة عيد الهجرة، يقوم أفراد شلة العوامة بنزهة تنتهي بقتل فلاحة بريئة شابة، لا ذنب لها إلا وجودها في طريق هؤلاء الصفوة من العابثين المستهترين، الذين تنطلق بهم السيارة في سرعة جنونية. هروبهم من مسرح الجريمة، دون تفكير في القاء نظرة على الضحية ومحاولة انقاذها، بمثابة الامتداد لحالة الهروب الدائم التي يعيشونها ويقنعون بها.
تستمر حياتهم بلا تغيير كأن شيئا لم يحدث، بل ان الشعور بالذنب لا يجد له متسعا في ضمائرهم الميتة. يتجسد ذلك بوضوح فيما يقوله الأديب خالد عزوز: "ناس كتير بيموتوا أونطة"!، وما تقوله الجامعية الضائعة سناء الرشيدي "كانت هاتموت من الجوع وخليناها شهيدة"!.
صحوة مفاجئة متأخرة تنتاب الموظف المدني انيس زكي، فإذا به يتمرد على رفاقه ويغادر العوامة بعد معركة مع رجب القاضي، معلنا عن نيته في الاعتراف بجريمة قتل الفلاحة. بعد ذهابه إلى الصحفية الجادة سمارة، يبادر الحارس الشعبي الطيب، عم عبده "أحمد الجيزاوي" إلى فك سلاسل العوامة، لتواجه ومن فيها أشباح الضياع والغرق.
يصرخ عماد حمدي: "الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا"، وينتهي الفيلم بشعاره الذي يتجاوز العوامة وأفرادها إلى جمهور المشاهدين، كأنه يقدم لهم خلاصة الرؤية: "لازم نفوق .. لازم نفوق"!
النجاة للجادين والتائبين والبسطاء، الصحفية سمارة بهجت والموظف أنيس زكي والحارس عم عبده، والضياع والهلاك نهاية حتمية لمن لا يملكون ذرة من الانتماء والإخلاص. هل تعبر النهاية عن قراءة صحيحة لتفاعلات الواقع، أم عن حلم بعيد المنال؟!

0 comments

العزيمة

مصطفى بيومى
في السادس من نوفمبر سنة 1939، كان العرض الأول لفيلم "العزيمة"، درة أعمال رائد السينما الواقعية المصرية كمال سليم، وتكمن أهمية الفيلم الشهير في أنه يستمد أحداثه من تفاصيل الحياة اليومية، ويقدم العاديين من الناس أبناء الحارة الشعبية.
محمد، حسين صدقي، متخرج في مدرسة التجارة العليا، وأبوه الأسطى حنفي، عمر وصفي، حلاق بسيط. بعد التخرج، يتفق الشاب الطموح مع نزيه باشا، زكي رستم، على مشاركة ابنه المدلل عدلي، أنور وجدي، في مشروع شركة تجارية، يقتحمان من خلالها ساحة العمل الحر، لكن سفر الباشا إلى الخارج يعرقل المشروع؛ فقد أنفق الابن المستهتر رأس  المال على مائدة القمار!.
يعمل محمد موظفًا حكوميًّا، ويتعرض لاتهام ظالم يفضي به إلى الطرد، ويضطر إلى قبول عمل متواضع يخفيه عن زوجته، فاطمة رشدي، وبعد معرفتها تصر على الطلاق، وتقترب من مشروع زواج جديد مع المعلم العتر الجزار، عبدالعزيز خليل، العدو اللدود لمحمد.
يتغير المسار مرة أخرى، وتستقيم الأمور على الصعيدين العملي والعائلي. تتضح براءة محمد، لكنه يرفض العودة إلى الوظيفة، مؤثرًا التفرغ للمشروع القديم بعد توبة صديقه والتزامه بالجدية، أما الزوجة فتعود إلى بيتها الذي هجرته، وتنجو من شرك المعلم الشرير.
يناقش الفيلم عديدًا من القضايا المهمة، ويمكن التوقف أمام ثلاثة محاور جديرة بالتأمل والتحليل.
يتعلق المحور الأول بالصراع القديم– الجديد بين الوظيفة الحكومية والعمل الحر؛ فالمجتمع المصري في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، يبدو متشبثًا بالوظائف "الميري" ودولة الأفندية، متحفظًا على المغامرة غير المأمونة في مجال المشروعات الخاصة.
يشير المحور الثاني إلى طبيعة وسمات الطبقة الرأسمالية المصرية، التي اُتهم أفرادها جميعًا فيما بعد بالفساد والانحلال والانحراف، فالفيلم يقدم رؤية موضوعية متوازنة، ويكشف عن حقيقة أن هؤلاء الرأسماليين ليسوا ملة واحدة، ففيهم الصالح والطالح، والشاب الفاسد المستهتر نفسه يعود إلى الصواب ويتعظ بأخطائه.
ويبقى المحور الثالث الذي يتجسد في نهاية الفيلم، حيث الانتصار الصريح الواضح للمشروع الخاص وما يمثله من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني؛ ومن ثم فإنه جدير بالتشجيع والاحترام، وهو ما يعني –ضمنًا– أن الوظيفة الحكومية ليست الاختيار الوحيد.
يقدم كمال سليم تجربة طازجة تبدو معاصرة على الدوام، لكن القراءة الأيديولوجية التي سادت في الستينيات من القرن السابق، أفسدت ما يهدف إليه المخرج الرائد، فهو ليس اشتراكيًّا كما يقول اليساريون من نقاد السينما، بل إنه ينحاز إلى الرأسمالية، ويرى فيها أداة فعالة لتقدم المجتمع.
لكي يكون الفيلم إيجابيًّا ومتفاعلاً مع الواقع ومعطياته، لا يتحتم أن يكون اشتراكي التوجه حنجوري الصوت، فالهدف الأسمى في انتمائه الإنساني، بلا ضجيج أو ابتذال.
0 comments

كلمة شرف

مصطفى بيومى
في السابع والعشرين من مايو سنة 1972، كان العرض الأول لفيلم "كلمة شرف"، الذي أخرجه حسام الدين مصطفى، عن قصة لفاروق صبري، الذي اشترك مع فريد شوقي في كتابة السيناريو والحوار، أما البطولة التمثيلية فقد تقاسمها عدد من أبرز نجوم السينما المصرية: فريد شوقي، أحمد مظهر، هند رستم، نور الشريف، نيللي، فضلاً عن "ضيف الشرف" رشدي أباظة.
تدور أحداث الفيلم حول السجين سالم، فريد شوقي، الذي حُوكم وأُدين بجريمة لم يرتكبها، فقد تورط شقيق زوجته كامل، نور الشريف، في علاقة عاطفية مع إحدى الفتيات، نيللي، أسفرت عن تكوين جنين غير مرغوب في بقائه، ويسعى الشهم سالم إلى تقديم العون والمساعدة باللجوء إلى طبيب لإجراء عملية إجهاض، فتموت الفتاة.
توقن زوجة السجين البريء، هند رستم، أن زوجها هو المسئول عن الجريمة، ولا تغفر له خيانته، أما شقيقها الجاني فقد تخلى عن زوج شقيقته وآثر الصمت، مجسدًا لكل ما تعنيه كلمة النذالة من معنى.
يشتد المرض بالزوجة، وتتكرر محاولات سالم للهروب من السجن للاطمئنان عليها وتأكيد براءته، وفي مواجهة هذه المحاولات يُنقل السجين المشاغب إلى سجن يديره مأمور منضبط، يقترب من نهاية خدمته، ويتميز بالصرامة التي لا تخفي مشاعره الإنسانية. يعقد سالم اتفاقًا مع مدير السجن، أحمد مظهر، يتضمن السماح له بالخروج لزيارة الزوجة المريضة، مع الالتزام بـ"كلمة شرف" أن يعود ولا يهرب، ولكي تكتمل الإثارة وتُحبس أنفاس المشاهدين، فإن مدير مصلحة السجون، رشدي أباظة، يقوم بزيارة مفاجئة للسجن، ويطلب مقابلة السجين الشهير، وتكون المفاجأة في عودته إلى الزنزانة، التزامًا بالعهد الذي قطعه على نفسه.
لا يخلو الفيلم من مآخذ وانتقادات شتى، فهو محمل بالميراث السلبي التقليدي للسينما المصرية في كثير من جوانبه، حيث المبالغة التي لا يسهل قبولها، ووفرة المصادفات القديرة الزاعقة، والإسراف غير المبرر في المثالية والشهامة الساذجة من ناحية، والشر الخالص الخبيث من ناحية أخرى، لكن الأهمية الحقيقة لـ"كلمة شرف"، بعيدًا عن الإطار الفني، تتمثل في النجاح الجماهيري المدوي الذي حققه، ويصل النجاح إلى ذروة غير مسبوقة باستجابة وزارة الداخلية إلى الرسالة التي يقدمها الفيلم، فتعيد النظر في القواعد المعمول بها، وتسمح للسجناء بالخروج المؤقت وفق قواعد ومعايير محددة، عندما تحل مناسبات بعينها تستدعي وجودهم خارج الأسوار، مثل وفاة الأقارب أو زواجهم أو اشتداد المرض عليهم، وغير ذلك من الحالات الاستثنائية الجديرة بالمراعاة.
ليس من مهام السينما أن تسن القوانين والتشريعات، لكن التنبيه الواعي إلى ما يدور في الواقع من أبرز مهامها، وقمة النجاح أن يسفر هذا التنبيه عن التفات صانعي القرار إلى ما تشير إليه، وتحول النصيحة الفنية إلى قرار.
0 comments

أفواه وأرنب

مصطفى بيومى
ربما يوحي عنوان الفيلم: "أفواه وأرانب" بتصديه لمناقشة قضية خطيرة، هي الانفجار السكاني، الذي يخلق كثيرًا من "الأفواه" التي تعاني الجوع، نتيجة السلوك الإنجابي المشابه لسلوك "الأرانب" في كثرة النسل، ويؤدي هذا التزايد في معدلات المواليد إلى التهام كل زيادة في الإنتاج، فيزداد الفقر والجوع!
نعمت، الفنانة فاتن حمامة، تعيش مع أختها، رجاء حسين، وزوج أختها السكير، فريد شوقي، حياة فقيرة بائسة، لا تعرف الاستقرار والأمان، ومعهم تعيش كومة من الأطفال العراة المرضى المهملين الضائعين. هل تنبع مأساة الأسرة من كثرة عدد الأولاد، أم من إدمان الخمر، أم من السببين معًا؟!
يقول الفيلم إن الفقر الذي تعيشه الأسرة مسئولية الأسرة نفسها! من ناحية لأن الإنجاب بلا حساب، ومن ناحية أخرى لأنهم لا يعملون ولا يعرفون الحرص في الإنفاق، ويتورط رب الأسرة في إدمان الخمر التي تلتهم –بلا رحمة- إيرادهم القليل المحدود.
يحفل الواقع المصري بكثير من الأسر التي يقدمها الفيلم، وهي أسر محدودة النسبة وتستحق التشهير والإدانة، لكن اختيار النموذج الاستثنائي والاعتماد عليه وحده يقود إلى نتيجة مغلوطة، وهي أن الفقر في القرية المصرية مسئولية الفقراء وحدهم، وأن التكاسل عن العمل، وليس غياب فرص العمل وانتشار البطالة، هو المسئول عن التدهور والإفقار. ويأبى الفيلم إلا أن يؤكد هذه الرسالة باختياره لأسرة تعيش في القرية ولا تعمل في الزراعة، وتعاني الفقر ولا تستثمر أولادها كعمال زراعيين. ويزداد التأكيد وضوحًا عندما تدفع الأحداث بنعمت إلى الهروب، فرارًا من زيجة مفروضة عليها، لتبدأ رحلتها مع الصعود الاجتماعي السريع، من عاملة زراعية أجيرة تعمل في جمع محاصيل الفاكهة، إلى زوجة للمالك الكبير محمود بك، و"مستشارة" اقتصادية بارعة له!
بالعمل، كقيمة مطلقة لا علاقة لها بالسياق الاجتماعي، يستطيع الفقراء أن يرتقوا! ربما يحتاج هذا الارتقاء إلى مصادفات كثيرة غير منطقية، لكن الصعود سهل وميسور كما يقول الفيلم.
أخطر ما في "أفواه وأرانب" أنه يرسخ مجموعة من القيم والأفكار التي تناقض واقع الحياة التي يريد التعبير عنها، وأهم هذه القيم يتمثل في:
أولاً: اختيار الأسرة الفقيرة، منذ البدء، لا يخلو من التحيز المقصود الذي يرغب في إدانة الفقراء، والأسرة المختارة تبدو جزيرة مغلقة، فلا نرى واقع الفقراء الآخرين الذين لا يسكرون ولا يسرفون ولا يتكاسلون عن العمل.
ثانيًا: الإعلاء من شأن الحلول الفردية غير المنطقية، كما يتمثل في قصة نجاح وصعود نعمت. بالإرادة القوية وحدها تشق طريقها في سهولة عجيبة، والمصادفات السعيدة تتدخل وتتكفل بتحطيم كل العقبات التي تعترضها.
ثالثًا: العمال الزراعيون الكثيرون، الذين يعملون في خدمة محمود بك ومزارعه الواسعة، راضون كل الرضا، وسعداء لا يعكر صفو حياتهم شيء. معاناتهم لا تنبع من الفقر واستغلال الأغنياء، بقدر ما يتسبب فيها ناظر الزراعة المتسلط، الفنان حسن مصطفى، وهي معاناة ذات طابع كوميدي! لا يحد من هذا التسلط غير الإنساني إلا المالك الكبير الطيب، وتدخل نعمت النشيطة الشجاعة، التي تدافع ببسالة عن حقوق زملائها!
رابعًا: صورة المالك الكبير محمود بك، الفنان محمود ياسين، وردية بالغة العذوبة، فهو رجل وسيم أنيق ذو مشاعر رقيقة وحس رومانسي. يقدمه الفيلم مالكًا زراعيًّا ذا نفوذ واسع في العاصمة، وهو مشغول دائمًا ومرهق في العمل الذي لا نعرف حقيقته على وجه التحديد! وكأنما يريد صانعو الفيلم دغدغة مشاعر المتلقين عندما يصبون غضبهم على خطيبته المتعالية المتغطرسة، إيناس الدغيدي، ومثل هذه الكراهية المنفرة مفيدة أيضًا لتفسير تحول قلب البك النبيل، وهو تحول غير منطقي، إلى نعمت المتواضعة الرقيقة!
يقول الفيلم إن زواج أغنياء الريف من فقيراته، وربما العكس أيضًا، هو العلاج الوحيد لمشكلة الفقر، وهي مشكلة صنعها الفقراء بتكاسلهم وسلبيتهم!
الأهمية الحقيقية للفيلم تكمن في تبنيه لاتجاه يتوافق مع مرحلة الانفتاح، التي عُرض في ذروتها، وهي مرحلة تبشر بحلول سحرية وهمية لمشاكل عميقة معقدة، يفسدها التناول السطحي التجاري.
0 comments

خرج ولم يعد .. صراع القرية والمدينة

مصطفى بيومى
عطية، الفنان يحيى الفخراني، موظف صغير يعيش في القاهرة، ولا يفكر في مغادرتها على الرغم مما يعانيه فيها من إرهاق مادي ونفسي.
تبدأ أحداث الفيلم باستعراض دال لأخطر ما في العاصمة المزدحمة من هموم ومشاكل: المسكن القديم الآيل للسقوط، الزحام والضجيج، الوظيفة الروتينية غير المشبعة؛ حيث «حلم» الوصول إلى درجة المدير العام هو الطموح الأكبر، المعاناة الاقتصادية التي تعرقل زواج عطية من خطيبته وتهدد استقراره.
العلاج الوحيد الذي يفكر فيه الموظف الصغير البائس هو بيع الأفدنة القليلة التي يملكها في قريته، ولإتمام عملية البيع ينتقل الفيلم ببطله إلى القرية، التي تبدو جنة موعودة قياسًا بما في القاهرة من عذاب.
في الفيلم عالمان متناقضان لا مشترك بينهما إلا الفنان الكبير يحيى الفخراني، فهو الوحيد الذي يتحرك بين القرية والعاصمة، ويقدم بانتقاله شهادة حية عن الفوارق الهائلة بينهما.
في القرية، يتعامل عطية مع الإقطاعي القديم الطيب، فريد شوقي، الذي يعيش في عفوية لا تعقيد فيها، كما يقترب من أسرته المليئة بالحيوية والطزاجة والبساطة، حتى فيما تحمل من أسماء. الحياة في القرية، إذا تغاضينا عن المشاكل الصغيرة مثل الخوف المرضي من الفئران، كأنها قصيدة شعر في عذوبتها وبساطتها ورومانسيتها، والاختيار النهائي لعطية هو الاستقرار فيها، وإدارة الظهر للعاصمة المزعجة القاسية، التي أعلنت موته «رسميًّا» بعد انهيار بيته القديم المتهالك.
هل يتحقق الخلاص بمثل هذه الرؤية التي تدعو إلى الهجرة العكسية؟ وماذا يفعل المهاجرون من المدينة إلى القرية وفي أي نشاط يعملون؟ كان الفيلم حريصًا على أن يكون عطية من هواة الدراسات الزراعية، ففي هذه الهواية ما يبرر استقراره في القرية عاملاً لا عاطلاً، أما الذين يتخصصون في مجالات لا تناسبها إلا المدينة، فكيف يعملون؟
يقدم المخرج الكبير محمد خان، والكاتب الموهوب عاصم توفيق، هجائية قاسية لمدينة الثمانينيات المتوحشة، ويبايعان سكينة القرية ووداعتها، لكن هذه «اليوتوبيا» أقرب إلى الشعر الجميل الحالم غير القابل للتجسيد.
في ظل الصفاء الذي يبشر به الفيلم في حماس، لا يبدو مستغربًا أن تخلو القرية من المشاكل والمنغصات، وأن يختفي الفقراء وينتفي الصراع، وأن يظهر المالك الإقطاعي القديم وأسرته كنماذج مضيئة في بساطتهم وتآلفهم ومشاعر الحب والمودة التي تجمعهم. لا عمل لهم في الفيلم إلا التهام الطعام بكميات هائلة، أو الاستعداد لالتهامه، ولا تفكير في المستقبل، حيث تُؤجل مواجهة المشاكل لتستمر ممارسة الحياة بلا منغصات.
قد يكون الاختلاف قائمًا مع الرؤية التي يقدمها الفيلم، لكن الإقرار ضروري بأن المعالجة السينمائية تتسم بالعذوبة والرقة المنعشة، فلا يملك المشاهد إلا أن يندمج ويتواصل ويحلق بخياله مع ذلك العالم الجميل الذي يخلو من الهجوم، وتسيطر عليه البساطة والعفوية، ويتحول الاندماج مع الطبيعة إلى طموح نبيل لا يعرفه إلا من يحرمهم جفاف المدينة من نسمة صافية خالية من العكارة والتجهم.
يشهد الفيلم مباراة تمثيلية رفيعة المستوى بين العمالقة: فريد شوقي، ويحيى الفخراني، وعايدة عبدالعزيز، وتوفيق الدقن، وتجد ليلى علوي من يوظف جمالها في إطار مختلف عما تعودته، فإذا بها كالفاكهة الطازجة التي تبث في عيون وقلوب مشاهديها نشوة الحياة.
عُرض الفيلم في الثامن من أبريل سنة 1985، وأخرجه محمد خان، ويحظى بعد أكثر من ربع قرن باهتمام المشاهدين في البيوت؛ ذلك أنهم يجدون فيه مزيجًا من كآبة الواقع وأحلام الخلاص.

 
;