٢٥‏/٠٢‏/٢٠١٢ 0 comments

شخصيات وأفلام من عصر السينما

نعم كان هناك "عصر السينما". كان هذا "عصرنا" نشأنا فيه وعشناه، وشهدنا كيف كان، وأين ذهب. وآمل أن تتكفل صفحات هذا الكتاب بالإجابة على التساؤلات الخاصة بعصر السينما: معناه ومغزاه وملامحه، كيف كان، واين انتهى، ولماذا.
كان العصر الذى أقصده، فى الماضى، فى الخمسينيات والستينيات وقسط كبير من سبعينيات القرن الماضى، لكنه شحب وتضاءل فى الثماينيات، وانتهى عمليا فى التسعينات، بعد أن أصبحت الدنيا غير الدنيا، والناس غير الناس، والسينما غير السينما.
كان عصر السينماعندما كانت الأسر، من الطبقة الوسطى، تصطحب أبناءها وتذهب إلى دار السينما عصر يوم الخميس والجمعة، دون أى حرج، بل كانت رحلة الذهاب إلى السينما طقسا من الطقوس البديعة التى تستعد لها الأسرة فى مصر مثلا، بإعداد الملابس التى سترتيدها ربة الأسرة وبناتها وأبناؤها، وربما تعد الأم أيضا بعض المأكولات الخفيفة التى يمكن تناولها خلال فترة الاستراحة بين الفيلمين، فقد كانت دور العرض، خصوصا فى الأحياء وعواصم المحافظات، تعرض فيلمين، على طريقة "العرض المستمر"، أي ينتهى الفيلم الثانى فيبدأ مرة أخرى، عرض الفيلم الأول،وهكذا.
وكانت مشاهدة الأفلام فى دور العرض السينمائى، هى المتعة الأولى لدى اسر الطبقة الوسطى والطبقات الشعبية، إلى جانب الاستمتاع للحفل الشهر الذى كان يبث إذاعيا، للسيدة أم كلثوم. وكان هذا الحفل يحظى فى كثير من الأحيان، بحضور الرئيس جمال عبد الناصر ومجموعة من صحبه.
كنا نعيش "عصر السينما" عندما كانت السينما إحدى الركائز الثقافية فى المجتمع، بل والأسس الاقتصادية للدولة أيضا. وكان الفيلم وسيلة وغاية فى الوقت نفسه، كان وسيلة لتوصيل فكرة ما، أو موعظة، أو حكمة أخلاقية من وراء القصة التى يرويها, وكان هدفا فى كونه وسيلة للتعبير الفنى، لبيان قدرة الممثلين على التشخيص ومنافسة ممثلى المسرح، بل وكان الكثير من الممثلين ينتقلون ما بين المسرح والسينما، ويرتفعون بالتالى بفن الأداء التمثيلى كثيرا.
كان عصر السينما عندما كانت هناك قامات فى التمثيل تتألق على الشاشة الفضية مثل حسين رياض، وعبد الوارث عسر، وسراج منير، وزكى رستم، وسليمان النجيب، ومحمود المليجى، ونجيب الريحانى، وزكى طليمات، ومحمود مرسى، وأمينة رزق، وفاتن حمامة، وشكرى سرحان، ومريم فخر الدين، وفريد شوقى، ومحسن سرحان، ويحيى شاهين، ومحمد توفيق، وسعيد ابو بكر، وعدلى كساب، وتحية كاريوكا، وشادية، وعمر الشريف، وغيرهم كثيرون .. كثيرون.
كان تعامل المخرج  وباقى العناصر الفنية مع الفيلم، اي أثناء عملية التصوير نفسها، تعامل الهواة المحبين، الذين يسعون إلى التجويد والإجادة، ينشدون استخدام كل مفردات السينما كفن وصناعة، لتجسيد العالم كما يرونه: رومانسيا بسيطا، أو واقعيا معقدا. وفى الحالتين كان الجمهور يقبل على الفيلم، يدعمه بالقروش التى كان يشترى بها تذاكر دخول السينما، وكان هناك اهتمام بعدم التنازل على مستوى الصنعة، بل بالتطلع إلى مجاراة المستوى الإحترافى للفيلم الأمريكى عندما كانت هوليوود تعيش عصرها الذهبى. وكانت محاكاة الفيلم الأمريكى فى "عصر السينما" أمرا أساسيا، ولكن هذه المحاكاة لم تكن تتمثل فى نقل القصة أو اقتباس السيناريو وتمصيره، بل فى مجاراة أسلوب الإضاءة، واستخدام الظلال والديكورات، والتلاعب بالأبيض والأسود، وكان السينمائيون يكتشفون "نجوما" يمكنهم تقيدمهم كنماذج دراميا عربية توازى نجوما آخرين اشتهروا فى السينما الأمريكية.
كانت هند رستم مثلا نموزجا عربيا لمارلين مونرو. وقد ظهرت معها فى نفس الفترة. وكان فريد شوقى معادلا عربيا لأنطونى كوين، فى حين كانت مريم فخر الدين المقابل العربى لكاترين هيبورن، وكان محسن سرحان مقابلا لهمفرى بوجارت .. وهكذا.
فى عصر السينما كانت دار العرض السينمائى هى اساس السينما كلها وجوهر سحرها. فلم تكن شاشة التلفزيون قد اصبحت ضاغية مسيطرة كما هى الآن. ولم يكن الفيديو قد ظهر أو أنتشر كما حدث فيما بعد، ولم نكن قد عرفنا بعد الاسطوانات المدمجة (دى فى دى) ومشاهدة الأفلام عن طريق الصناديق الصغيرة الموضوعة فوق المكاتب والطاولات، أى عبر أجهزة الكومبيوتر وفضاء الأنترنت.
كان الفيلم فى نظر الجميع، هو المصور على شرائط مقاس 35 مم، وليس المصور بكاميرا ديجيتال أو عن طريق تقنية الفيديو الرقمية المتقدمة كما حدث حاليا. ويعتبر شريط الفيلم "السيلولويد" الركن الأساسى فى تاريخ السينما وفى عصر السينما، وكنا نتهافت للحصول على بضعة كادرات من هذا الشريط ونحن أطفال لنرى الصور على حائط أبيض فى شرفة نتحلق فيها ليلا، أو تحت سرير فى الظلام.
كان الديكور السينمائى جانبا أساسيا من جوانب صنع الفيلم، وهو جانب يُحسب حسابه، له خبراؤه، والمختصون فى تصميمه وبنائه وتنسيق المناظر فى داخله ايضا، قبل أن تصبح البيوت والشوارع والمحلات التجارية أماكن أرخص، مع تقدم الابتكارات فى تقنيات الفيلم الخام وتقدم درجة حساسيته للضوء، والتقدم فى استخدام تقنية التسجيل المباشر للصوت.
كانت السينما فى العالم قد أصبحت فنا وصناعة وتجارة، وكان هناك حديث طويل ممتد حول أن من يسيطر على الأذرع الثلاثة للسينما، أى الإنتاج والتوزيع والعرض، يسيطر تماما على تلك الصناعة ويستطيع توجيهها. ولذلك اتجهت حكومات الدول الاشتراكية إلى احتكار العمليات الثلاث، لكنها فشلت فى احتكار الأفكار، أو توجيهها، فقد كانت طاقة التمرد لدى الفنان اقوى من أى قيود. ولعل أبرز دليل على ذلك، ما أنجزه المخرج الروسى الكبير أندريه تاركوفسكى، الذى منع فيلمه البديع "أندريه روبلييف" فى الاتحاد السوفيتى عام 1966م، وعندما اشتدت عليه وطأة النظام، هجر بلاده وعمل فى إيطاليا والسويد إلى حين وفاته حيث أخرج فيلمين من التحف الكبرى فى تاريخ السينما هما "حنين" و"القربان".
وفى مصر خلال الستينيات، شهدت السينما تطورات درامية، بعد أن اتجهت أنظار الدولة أيضا إلى ضرورة دعم الصناعة، وتشجيع إنتاج الأفلام التى لا يستطيع المال الخاص تمويلها، وهى فترة ظهر فيها الكثير من الأفلام الجيدة دون شك، لكن هذه السياسة أصبحت مثار جدل ربما حتى وقتنا هذا، فلم تكن دون مجازفات ومخاطر بل ومنزلقات. فلم يكن ممكنا أن تتيح الدولة حرية النقد فى مراحل وصفت بأنها "مصيرية"، وعرفت مواجهات عسكرية مسلحة مع إسرائيل، وهو ما استدعى أن يكون هامش حرية التعبير محدودا للغاية.
لكن الجدل والصراع كانا يدفعان العجلة إلى الأمام. وكانت التجارب السينمائية الجديدة تسعى إلى أن تصبح جزءا من التيار السينمائى الإنسانى عموما، أي أن تكون مصر فى مجال السينما جزءا من العالم، لا تنكفئ على نفسها مستندة إلى فكرة الريادة التاريخية وحدها، بل تلتحق بالعالم، سواء على مستوى السينما أو الثقافة عموما. فمصر شاركت فى مهرجان كان مثلا، من البداية، أي فى عام 1946م وامتدت مشاركتها طويلا قبل أن تتوقف.
كانت مصر، فى الخمسينيات والستينيات، تسعى إلى استكمال مشروعها "الحداثى"، وأن تنتقل لتصبح مجتمعا صناعيا إلى جانب المجتمع الزراعى الذى كان قد انتقل نت نظام رى الحياض إلى الرى الدائم، وفى هذا الإطار "الحداثى" الذى يلتحق بالعصر، ويستخدم مفردات العصر، كانت السينما كفن وصناعة، تمر بفترة ازدهار كبير قبل أن تصاب بنكسة بسبب ممارسات البعض الذين كانوا يعملون فى الحقيقة، لحساب الموزع الخارجى، ويسعون لتلبية متطلباته، حتى لو كان معنى هذا تخريب السينما المصرية من الداخل. وسنجد بين طيات هذا الكتاب مثالا واضحا على ذلك النوع من التخريب.
وعندما اشتدت وطأة الأزمة السياسية فى أعقاب هزيمة 1967م اصطبغ عصر السينما ببعض المتغيرات التى حملت الكثير من الآمال والطموحات، لمنها سرعان ما أجهضت.
فى قلب السينما، جاءت أيضا تجربة نوادى السينما، التى تعلمنا فيها كيف نتذوق الأفلام ونحللها ونناقشها ونستمتع بها. ودرات محاولات وقتذاك لجعل النقد السينمائى جزءا أصيلا من ثقافتنا، مثله مثل النقد الأدبى والمسرحى والتشكيلى، أي أنه نوع أدبى فى الكتابة، يمكننا أن نأخذه على محمل الجد، وليس مجرد مادة مكتوبة لإلهاء وتسلية القراء فى الصفحات الأخيرة من الصحف. اعتبر هذا الأمر، أي رسوخ النقد السينمائى كشكل أدبى جديد، أمرا مفروغا منه حتى نهاية السبعينيات. فماذا حدث الآن بعد أن غادرنا "عصر السينما"، وأين نحن من العالم سينمائيا، وما الذى آل إليه مصير الفيلم الفنى الطموح أمام الآلة الضخمة التى تضخ الأفلام الاستهلاكية السريعة؟
"قوقوا لي ماذا تشاهدون من أفلام، أقول لكم من انتم". يصلح هذا التساؤل بالتأكيد، للتفرقة بين عصر السينما، وعصر ما بعد عصر السينما.
ولعل من الصحيح القول إن صفحات هذا الكتاب تعتبر، على نحو ما، رحلة إلى الماضى، إلى عصر لم عد قائما، لكنها رحلة تقصد فهم الحاضر على ضوء الماضى، ومعرفة اين نضع أقدامنا حاليا، وهل من الممكن أن نستعيد النهضة، ونعود لكى نعيش الحلم من جديد، حلم السينما داخل دار السينما، وهل سيأتى وقت تعود فيه الأسرة المصرية والعربية، إلى دار السينما للاستمتاع، ثم يغادر أفرادها دار العرض وهو يتناقشون فى الفيلم الذى شاهدوه لتوهم، مدلولاته الاجتماعية، ومستواه الفنى، دون تشنج أو منادة بالمنع، والتحريم، والعقاب، كما أصبح الوضع الآن، دون حتى الذهاب لمشاهدة الأفلام؟    
هذا الأمل يظل قائما، شريطة أن تعتدل بوصلة المجتمع كله وتبدأ فى الاتجاه نحو خلق وترسيخ ثقافة أخرى جديدة، ثقافة بالمعنى الشامل لكلمة ثقافة، تواجه الثقافة الغيبية السائدة المتخلفة التى انتشرت كالوباء فى المجتمع طيلة السنوات الثلاثين الماضية، كما تواجه الثقافة الرسمية التى تميل إلى المهادنة مع التخلف، إن لم يكن التنافس معه أيضا.
بدون هذا سيظل "عصر السينما" عالما سحريا من الماضى. أحاول أن أروى منه بعض ما أعرفه فى هذا الكتاب الذى أرجو أن تصل رسالته دون حاجة منى إلى شرحها أو تبسيطها، فهى كامنة بين السطور.
ولكن ينبغى أن أشير إلى أن الكتاب يتضمن الكثير من رؤيتى الشخصية لبعض الأحداث والشخصيات التى اقتربت منها والتى لعبت دورا مهما من وجهة نظرى فى تشكيل عصر السينما كما عشته أنا على الأقل، كما أنها أحداث وشخصيات لا غنى عن التوقف أمامها فى سياق وصف أجواء العصر الذى أتناوله، مع محاولة تقديم صورة لذلك الارتباط الحتمى فى رأيى، بين السياسى والثقافى والسينمائى، والربط بين ما كان يقع من أحداث سياسية بارزة، وانعكاستها على السينما وعلى العلاقة بين الدولة والسينما، وبين المتفرج الصغير، الذى كنته فى تلك الفترة من عصر السينما، وبين أفكار كبيرة كانت تأتينا عبر الكثير من الأفلام التى عشنا معها، واصبح بوسعنا أخيرا، أن نستعيدها ونعيد اكتشافها ومشاهدتها بعد أن اصبحت متوفرة لحسن الحظ فى الأسواق العالمية.
أخيرا، أرجو أن يكون التعريف بهذه الأفلام هنا، دافعا للشباب من محبى الفن السينمائى، للعودة إليها، والحصول عليها فى نسخ من الأسطوانات المدمجة "دى فى دى" ومشاهدتها والاستمتاع بها أيضا فى ضوء ما ورد فى هذا الكتاب من معلومات عن ظروف ظهورها على خريطة السينما المصرية أو العالمية.
والله الموفق.
مقدمة كتاب "شخصيات وأفلام من عصر السينما" للناقد أمير العمرى
0 comments

ركلام

لم أملك بعد الإنتهاء من مشاهدة تجربة على رجب السينمائية الأخيرة، شديدة الأختلاف والتميز ركلام، سوى البحث فى مكتبتى عن لوحات الفنان الأمريكى إدوارد هوبر الذى عاش فى بدايات القرن الماضى فى مدينة نيويورك ويعتبر من أعظم فنانى العالم تعبيرا عن الوحدة والعزلة. ربما تكون الأماكن والشخصيات التي يصورها هوبر في لوحاته مألوفة، لأنها موجودة بالفعل في مكان ما داخل ذاكرتك، وهو لا يفعل أكثر من أنه يدفع بها مرة أخرى إلى منطقة الشعور وعتبات الوعي. قطار آخر الليل، مكتب في ناطحة سحاب، أشكال الظلام المخيم على المدينة، غرف الفنادق. هذه كلها أجزاء من عالم ادوارد هوبر الغامض. ولوحات هوبر لا تدعوك للدخول إليها، فهي مليئة بالظلال الداكنة والأماكن المظلمة وببقع من الضوء الساطع وأحيانا المزعج. ويصح أن يقال إنها ليست لوحات مضيافة أو ودودة. إنها تدفعك إلى الوراء، ترد نظراتك وتطلب منك أن تتفحص مشاعرك وأنت تحاول فهم ما تراه أمامك.  
هذا هو الحال مع فيلم "ركلام"، تجد نفسك منذ اللحظة الأولى أمام عالم آخر، تراه يوميا فى الشوارع لكن ربما تغض الطرف أو تحاول النظر إلى الجهة الأخرى. ومع المشاهد الأولى التى ترى فيها بطلة الفيلم "شادية" غادة عبد الرازق تضع مساحيق للتجميل وكأنها تضع قناعا فوق الوجه الحقيقى، يحيلك المشهد _منذ البدء_ إلى التناقض الذى نعيشه جميعا، وقدر الإزدواجية الذى أصبحنا متشبعين به. وتبدأ الحكاية _ بالأحرى الكابوس_ فى فلك عدد من البنات من فئات إجتماعية مختلفة ودوافع متعددة أهمها محاولة نيل حياة كريمة. وبإستخدام "الفلاش باك" والذى يعتبر من اصعب أنواع السرد السينمائى، نكتشف شخصيات حية من لحم ودم تعانى الظلم والقهر. وينتقل على رجب بمهارة من شخصية إلى أخرى، يكشف ويعرى مجتمع ينخر السوس فى أوصاله. ويضاف لعلى رجب تكوينه لبعض الكادرات البصرية التى تصلح بمفردها كلوحات للتأمل والتفكر، وإستخدامه الرائع لخطوط السكة الحديد وكأنه شخصياته أدركت أن القضبان لا تسير فى دوائر وأن ومن يركبها لا يمكن أن يعود. ويحسب للفيلم جراءته فى التعامل مع الإذواجية الدينية، حيث نجد اللحية والسبحة يخفيان وراءهما كراهية ورغبة حيوانية. 
غادة عبد الرازق بطلة الفيلم، لم تعد فى حاجة إلى إثبات موهبتها التمثيلية، فهى ممثلة قادرة على إضافة تفاصيل حية للشخصية التى تقدمها، إلى جانب قدرتها على الإنتقاء والأختيار ورغبتها فى رسم لطريق لعالمها السينمائى ربما لا يستطيع غيرها تقديمه. ويحسب لها إفساح الطريق لعدد من الوجوه الشابة لإحتلال أدوار كبرى بجوارها وإصرارها الدائم على العمل أمام الكاميرا فى وقت يشغل الكثرون أنفسهم بكاميرات برامج التوك شو.   
                                               نُشر فى أخبار النجوم 23-2-2012
١٨‏/٠٢‏/٢٠١٢ 0 comments

غزوة عين شمس

قبل أسابيع، وفى نفس المساحة، وجهت رسالة إلى فضيلة نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور عقب زيارته المباركة لمكتب الإرشاد التابع لجماعة الإخوان المسلمين، جاء فيها بعض آراء ومواقف الجماعة _التى كانت محظورة وتستعد للحكم_ على مدار عشرات السنوات السابقة. على سبيل التذكرة، البيان الذى أصدرته عقب ثورة 52 وجاء فيه بالنص: "أن تعمل الحكومة على تحريم ما حرم الله، وإلغاء مظاهر الحياة التى تخالف ذلك مثل القمار والخمر ودور اللهو والمراقص والأفلام والمجلات المثيرة"، إلى جانب دعوة المرشد الأسبق حسن الهضيبى بـ "غلق دور السينما والمسرح"، وختمت رسالتى قائلا "فأشهد لنا يا قلم أننا لم ننم". وجاءتنى تعليقات كثيرة فى وقتها، ويعنينى فى المقام الأول التعليقات السلبية، ودارت جميعا فى فلك أن تلك الآراء كانت فى الماضى السحيق، وإننا _الإخوان_ نحترم الفن المحترم وما جرى بالأمس صعب أن يحدث فى الغد.
وللأسف، لم يخيب الله ظنى، وبعد أسابيع قليلة نتابع تفاصيل "تصدى" بعض الطلبة التابعين لجماعة الإخوان لأسرة عمل مسلسل "ذات" ونجاح الطلبة فى "طرد" فريق التصوير من خارج حرم الجامعة بحجة أن بعض الممثلين يرتدون ملابس قصيرة لا تليق بحرمة المكان المقدس. وبطبيعة الحال لم يخلو الأمر من الحوار، فحاولت المخرجة كاملة أبو ذكرى إقناع طلبة الجماعة أن رواية "ذات" لكاتب يدعى صنع الله ابراهيم، والمشهد الذى كانوا بصدد تصويره يدور حول الحركة الطلابية فى بداية السبعينات عندما اعتصم طلاب الكلية عام 1972، ثم خرجوا من الجامعات إلى ميدان التحرير اعتراضا على عدم الحرب على إسرائيل.
ولأننى من المؤمنين أن الشيطان يكمن فى التفاصيل، حاولت البحث عن بعض المعلومات كان من بينها أن طلبة الجماعة أجروا اتصالا هاتفيا بمكتب الإرشاد وتحركوا بناء على التعليمات المصحوبة، وأن وكيل كلية الهندسة شريف حماد أخبر طاقم التصوير بالنص "لازم توقفوا التصوير .. لأنهم بعتوا يجيبوا ناس" وطالبهم بالإنصراف الفورى "حقنا للدماء". تلك التفاصيل تؤكد أن فريق العمل لم يكن يتعامل مع طلاب جامعيين بل جماعة للأمر بالمعروف، جماعة أقدمت على هذا الفعل بعد ايام معدودة من جلوسهم على مقاعد مجلس الشعب وإضافة مزيد من اليأس وخيبة الأمل إلى المواطن الذى انتخبهم لعلهم ينقذون. 
ولأننا نعيش فترة "فرز"، ستجد من ينصف تلك التصرفات ويدافع عنها، وفى حالة فشلهم يعلنون أنهم لا يعلمون، وأن من أقدم على هذه التصرفات ليسوا من اعضاء الجماعة، تمام كما حدث يوم "تصدى" شباب الإخوان لمتظاهرين أمام مجلس الشعب و"طردهم" من الشارع. وفى عصر "الفرز" لن نتعجب عندما نجد بعض أهل الفن أنفسهم يحاول ركوب الموجة الجديدة عله يحجز مكانا فى النظام الجديد، ويطالب بوضع القيود وفرض الحصار وتشريع القوانين وسن السيوف  فى مواجة الفن .. وفى مواجه الفكر. رحم الله جلال عامر الذى قال: حاولوا أن تطفئوا حرائق الجهل ثم تضيئوا أنوار العلم… هذا هو الداء والدواء.
                                                     نشر فى أخبار النجوم 16-2-2012
٠٦‏/٠٢‏/٢٠١٢ 0 comments

ملعون ابوها الحمامة أم غصن زتون

الصخر .. لو ينفجر
النبع..إيه ذنبه؟!
سباق في ساحة..
مابين انسان وبين قلبه..
مادام لموت..
احمل السيف اللي بتحبه ..
واذا اندفعت اندفع واذا انوجعت تسد ..
طول عمر وطنك بيحلم تبدي حربه ..
وجّي يا بلد الحرايق..واصرخي بجنون
واحرقيها مدن وكروم وناس وسجون ..
ملعون ابوها الحمامة ام غصن زتون ..
معمولة لاجل الضحايا يصدقو الجلاد ..
يا ايد يا متكتفة..
يا ظهر ياما انجلد..
يا طفل..
مين ورثك الاحتمال والجلد؟
يا طفل بهموم رجال..
يا بنت..قبل الولد..
يا أرض تطرح حصى ..
يا قلوب بتطرح عند ..
مين اللي قال الكلاب تسكن عرين الاسد؟!
طلع..مش مهم السلاح ..
طلع ..
يغني عنه الحجر ..
طلع..مش عويص الكفاح ..
ما دام فيه ارادة وبشر ..
طلع..مش بعيد الصباح ..
ومستني ..خلف الشجر ..
ومنين أجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه ..
اذا كنت باجي أقوله..
نص عقلي يتوه ..
فمنين هجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه؟
الكلام مش مستجيب ..
والصمت عار.. والمسافة بعيدة..
بين الفعل والقول البليد ..
لكن نحاول..
لا القصيدة هتجري ع الاسفلت ..
ولا ترمي حجر..
ولا فوق اكتافها راح تحمل شهيد..
ولا هتبعد خطر..ولا هتقرب بعيد..
الكلام آخر المطاف هو الكلام ..
والدم..دم ..
القصيدة..توصف الدم الزكي..
ما تشيلش نقطة..
توصف الأم اللي ماتت امها قدام عنيها ..
بس وصف..
وصف جيد..وصف خايب ..
وصف صادق..وصف كاذب ..
في النهاية كله وصف ..
كل شعر الوصف..
مايسويش في سوق الحق صرخة ..
الكلام عن كل دا شئ من التطاول ..
انما..لازم نحاول
والقصيدة مشكلتها في التناول ..
مشكلتها في البداية والنهاية ..
مضامينها وشكلها وعديد من المسائل ..
القصيدة قصيدة بس الفعل فعل ..
هل نكف عن المحاولة؟..
أو نحاول؟ ..
لو سكتنا..يقولو:ضاعو ..
لو وقفنا..يقولو:باعو ..
واذا قلنا..
يقولو فين الكلمة من رمي الحجر؟ ..
صرخة قتيل؟ ..
ثورة الاطفال..
تخلي الشعر لو كان عبقري..
وزنه قليل! ..
يا رفاقة..
شعرنا ماهوش بخيل ..
اعذرو الشعرا اذا خرسو انهارده ..
واعذرو الكلمة اذا احتارت ودارت ..
انهارده الغنوة للافعال ..
واعذرو العواجيز اذا صمتو انهارده ..
واستكانو للرقاد في الصمت مدة ..
النهارده الصرخة للأطفال
الكلام..ما يشيلش جثة ..
الكلام..مافيهش دم ..
الكلام..مفيهوش هجوم ولا تراجع ..
الكلام..مالوش لجان
الكلام..ماهوش محاصر بالمدافع ..
لا دكاكينه بتقفل..
ولا تتسمم غيطانه..
ولا قاطعين عنه نوره أو مياهه..
ولا ممنوع من العمل..
ولا مشلول بالحصار الاقتصادي..
ولا بالغاز المسيل للدموع ..
ولا بيعاني عطش ويعاني جوع..
زي اصغر طفل في الوطن المقاتل..
نسكتوا ولا نحاول؟
لأ.. نحاول..
حبيبتي..كل ما بنسى،تفكرني الحاجات بيكي..
ائنك تدمعك عيني..كأني مش هغنيكي..
دمايا متستهلش تكون كُحلة ليلة لعنيكي..
وأنا الدرويش.. أنا السابح بمسبحتي..
ومبخرتي.. وتوبي الخيش..
أغنيلك..
وأموّلك مواويلك..
ماتسمعنيش.. ولا تشوفينيش..
ومش لازم..ما دام عايشة..
ما دمت بعيش..
وياما بيكي عقلي اتجن..
وانتي الأن.. انتي الظن..
وانتي قلمي لحظة فن..
يا غنيوتي.. أنا أحزن أغانيكي..
وانتي الحلم.. آه من الحلم..
لا نسيني ولا نسيكي.. يبيعوا اللون..
يغشوا الدم.. يهدوا الكون..
يشيلو الكيف في عب الكم..
أنا أنفاسك الخضرا..
وأنا الجرح اللي في جبينك..
أنا الخنجر في شريانك..
وأنا اللقمة في إيد طفلك..
أنا قبرك وأكفانك..
وأنا الشمعاية في حفلك..
أنا الجاهل لكن باقرأ..
وبافهم غاية النظرة..
أنا دارك وانا أهلك..
وانا وردك وانا نسلك ..
انا رغيفك وفرّانه ..
وحطب النار..
وزيتونك وزتّانة..
أنا القاطف وانا العصار..
واسلامك وقرآنه..
وقلبي..منشد الأذكار..
أنا العابد.. أنا الزاهد..
أنا اللي يحب..
مايلومنيش ..
انا العاشق..
أنا الدرويش..
صلاة الثورة ماتفوتنيش..
ودم شهيد يوضاني بماء تاني..
بماء من نبع نوراني..
في قلبي مفيش..
في أسراري ولا حكايتي..
إلا انتي.. يا خيط النور..
يا كوة في سور..
يا نور منظور..
يا خير محظور..
أنا الأيد اللي منعاني..
أنا الآسر وأنا المأسور..
أنا الغايب..
أنا الدايب صبابة..
والجناح مكسور..
وأنا التايب عن الماء الحرام والعيش..
أنا الدرويش..
أبو الدراويش..
جناحات قلبي من غير ريش..
أنا الماشي وانتي الفكر..
أنا المجنون في قلب الذكر..
ومحتكر المحبة البكر ..
سكنتي ازاي كدا في عيشي؟
ونخششتي في نخاشيشي؟ ..
كأنك فيا مولودة..
وموجودة ..
ومفقود حب مفقودة ..
وأغانيكي أنا هيا ..
على صدري غيطان زعتر و"مرامية" ..
مرامية على صدري ..
ويوم ما أموت تحشيها وترميها على قبري ..
أنا المنقوش في كفينك..
يا موشومة على صدري ..
يا كبشة عطر ريحاني..
يا صوت دمي اذا يسري ..
ولا يفصلنا يوم فاصل..
ودا الحاصل..
فماتلومينيش..
دا انا الدرويش..
أنا المقتول..
أنا المهبول..
أنا اللي بدروش الدراويش..
بفرق جرحي على الثوار..
وأكفّن ميتي بنوار..
وفي صفوفك تل
اقيني افرق عيش..
ما تحرقشي عبايتي النار ولا اللحية..
ومن حارة الى حارة..
ومن شارع الى شارع..
ومن ناحية الى ناحية..
يقابلني العدو برصاص..
أقوم نافضه من الجبة الرصاص وارميه..
كأنه قش..
قلوب الأوليا..
نيتها لا تتغش..
أنا الدرويش..
ما ينقصنيش فدا واخلاص..
والرجعة ماتنفعنيش..
صورتها تطل من الطاقة..
عيونها السودا عشاقة..
ومشتاقة..
وانا الدرويش بنزف دم..
وسع لي الطريق يا عم..
وماشي بجرحي مش مهتم..
يا عرسي..يا انتفا موتي..
حبيبتي ساكنة في صوتي..
وماسك ايدها في السكة..
تسابق خطوتي ضحكة..
ولون الدم في صدري ما سكتنيش..
وخلاني أعيش وأعيش..
أعيش درويش يا درويشة..
يا درويشة وأموت درويش..
أعيش درويش..
وأمشي أدروش الدراويش..
واغني..ادروش الدراويش..
وأموت بادروش الدراويش..
حبيبتي تعيش..
حبيبتي تعيش..
حبيبتي تعيش..
 
;