٣٠‏/١٢‏/٢٠١٢ 0 comments

عبد اللطيف ابو رجيلة .. امبراطور الأتوبيس


ده اول فيلم اصوره فى حياتى، لما رجعت اشوفه لقيت كمية أخطاء تودى فى داهية، بس لسه مبسوط انى عملت الفيلم ده، كفاية أنها كانت اول مرة اقول فيها اكشن J ، وفاكر انه كان عاجبنى بعد ما خلصت. لما رجعت شوفت الفيلم افتكرت ذكريات حلوة مستخبية وراء الكادرات. عذرا على كم الأخطاء _الساذجة_ اللى فى الشريط :)
شكرا لكل الناس اللى ساعدتنى فى الفيلم ده، وأولهم والدى الغالى مصطفى بيومى
أداءة تمثيلى: تامر على، مى عدلى
تصوير: سامح البيبانى
فنى صوت: أحمد بشير، محمود ابراهيم
فنى إضاءة: محمود بشير، محمد صلاح
مساعد مخرج أول: محمد كمال
مساعد مخرج ثانى: مؤمن حيدة
سيناريو وإخراج: أحمد بيومى
١٧‏/١٢‏/٢٠١٢ 1 comments

قهوة


١٤‏/١٢‏/٢٠١٢ 0 comments

محبوس يا طير الحق

أحمد بيومى - أفلامجى
رحل عمار الشريعى، لم يحتمل قلبه ما كان، وما صار، رفض اللحن الشاذ الذى بات مكتوبا ومفروضا على الجميع. تُرى ما كان المشهد الأخير الذى رآه، أو بالأحرى، رسمه فى خياله، هل اسمتع إلى ناقوس الحرب الأهلية فقرر الفرار، أم رأى أشباح الماضى السحيق المتخلف تزحف على القاهرة التى عرفها، وعشقها، وغنى لها؛ فأرتعش قلبه الضعيف الذى لم يعرف سوى الحب. هل توقفت حبيبته – القاهرة – عن تحريضها له بالصمود والمقاومة وحتمية التفاؤل، ألم يخبرنا عنها قائلا: "حبيبتى بتعلمنى أحب الحياة"، ألم يهمس فى قلوبنا معاتبا وصارخا بحب مدينته ومؤكدا: "هنا القاهرة الساخرة القادرة الصابرة المنذرة الثائرة الظافرة"، "هنا القرش والرش و القش و السمسرة"؛ رحل عمار وبقى فنه وإبداعه الحالد، الذى سيدرك الجميع _فيما بعد_ مدى اختلافه النوعى والكيفى، وسيعود الجميع سعيا وراء شخصية فريدة على المستوى الإنسانى والفنى وبحثا عن كل لحن قدمه وكل جملة موسيقية صاغها لتلتحم بجينات المصريين، يرثها جيل بعد جيل.
قبل سنوات بعيدة، صاغ الشريعى كلمات "الحدود" لفرقة الأصدقاء، الأغنية المصاحبة لملايين المصرين المغترببين، "وأحنا فايتين علي الحدود .. مستمرين فى الصعود .. أختفى النيل الجميل من تحتنا، والمدن، والريف.. وأول عمرنا"؛ هل اختفى النيل يا عمار أم لازال حاضرا. الشريعى علمنا جميعا كيفية عشق هذا الوطن، وترابه، ومقاومة أعداءه، والصمود مهما طال الزمن ومهما جار الظلم.
رحل عمار، قبل أن يرى مدينة الإنتاج الإعلامى، التى زارها مئات المرات ليمتع الملايين، تحت الحصار والتهديد. غاب الشريعى، بعد إدراكه أن العبث وصل مداه، والمعركة تحتاج لمن يملك قلبا مستعدا لتقلى المزيد والمزيد من الصدمات والصفعات. سافر، ولسان حاله _وحالنا_ محبوس يا طير الحق .. قفصك حزين ولعين .. قضبانه لا بتنطق .. ولا تفهم المساجين.
                             نُشر فى أخبار النجوم 13-12-2012
١٠‏/١٢‏/٢٠١٢ 0 comments

ثرثرة فوق النيل


مصطفى بيومى
في الخامس عشر من نوفمبر سنة 971، كان العرض الأول لفيلم " ثرثرة فوق النيل" الذي أخرجه حسين كمال عن رواية بالاسم نفسه لنجيب محفوظ. نخبة من كبار النجوم شاركوا في البطولة الجماعية للفيلم الجرئ الشجاع، الذي يقدم شهادة بالغة الأهمية عن الواقع المصري قرب نهاية الستينيات: عماد حمدي، ماجدة الخطيب، أحمد رمزي، سهير رمزي، عادل أدهم، مرفت أمين، صلاح نظمي، نعمت مختار، أحمد توفيق، أحمد الجزيري.
النص الروائي يتنبأ بهزيمة يونيو 1967 قبل وقوعها، أما الفيلم فيعبر عن واقع ما بعد الهزيمة، ومن هنا لم يلتزم كاتب السيناريو ممدوح الليثي بتفاصيل الرؤية الروائية. جانب من الاختلاف بين النصين الأدبي والسينمائي يعود إلى تباين لغة التعبير بين الأدب والسينما، أما الجانب الآخر فمردود إلى ما يراوده محفوظ لا يتطابق مع طموح الليثي وحدود وعيه، لكن المشترك بينهما هو السعي إلى تقديم شهادة موجعة لاذعة، عن نظام يرفع الشعارات الاشتراكية التي لا تنعكس آثارها العملية على الإيقاع اليومي للحياة، وعن مجتمع يخوض جيشه حربا مصيرية على الجبهة، في ظل قطيعة مع سلوك قطاعات واسعة من أبناء المجتمع، تشعر بأنها زائدة ولا ضرورة لها، وتتجه إلى إدمان المخدرات والثرثرة العبثية بحثا عن خلاص فردي وهمي.
يقدم الفيلم شلة من الأصدقاء الذين يلتقون كل ليلة في عوامكة نيلية، حيث الحشيش والخمر والجنس والإسراف في الضحك والتهريج بلا ضابط أو رابط. مجموعة مختارة من العناصر التي ينبغي أن تكون فاعلة وإيجابية في بناء نهضة المجتمع المصري: الممثل السينمائي رجب القاضي "احمد رمزي" الأديب والكاتب القصصي خالد عزوز "صلاح نظمي"، المحامي الكبير مصطفى راشد "أحمد توفيق" فضلا عن الموظف الصغير الذي لا يفيق من المخدر أنيس زكي"عماد حمدي".
حول هؤلاء تظهر نساء ضائعات مستهترات لا التزام عندهن بالقيم الأخلاقية والقواعد الاجتماعية المتعارف عليها: سنية كامل .. الزوجة الخائنة التي تجد في خيانة الزوج ما يبرر سلوكها "نعمت مختار" ليلى زيدان .. الموظفة المترجمة التي تتحمل مسئولية أسرة ضخمة بمرتب محدود فتلجأ إلى التجارة بجسدها "سهير رمزي"، سناء الرشيدي.. الطالبة الجامعية الشابة التي تحلم بالتمثيل والنجومية والثروة الطائلة وسكنى القصوى "مرفت أمين".
رجال ونساء يرفعون رايات الضياع والسلبية في العبث غير المحدود، أما حارس العوامة عم عبده "أحمد الجزيري" فرجل بسيط لا يملك إلا أن يطيع السادة وينفذ أوامرهم، ومع ادراكه. وهو المتدين المحافظ على الصلاة .. أن مناخ عمله موبوء حافل بالرذائل والمعاصي، فإنه يقنع بالفرجة والدعاء السلبي الذي ينم عن الضعف والاستسلام، أكثر من تجسيده للإيمان والورع: "استغفر الله العظيم .. سامحني يا رب"!
الشخصيات التي يقدمها الفيلم، من الرجال والنساء على حد سواء، تكشف عن انهيار المجتمع وتغلغل الفساد، وصولاً إلى استشراء السلبية التي أدت إلى هزيمة 1967، ولم تنته بوقوعها. سينما تافهة تخاصم الواقع وتعازل كل ما هو مبتذل سوقي ركيك، وهو ما يتجلى بوضوح في مشهد أغنية "الطشت قالي"، صحفيون ونقاد يحولون مهنة الكلمة الحرة الشريفة إلى تجارة شخصية رائجة لا احترام فيها لمبدأ أو عقيدة، أدباء انعزاليون يديرون ظهورهم وعقولهم لنبض الواقع ويتعالون على معطياته، محامون بارعون يتلاعبون بالقانون ويجعلون من الباطل حقًا كأنهم الحواة، موظفون تطحنهم آلة البيروقراطية وتكرس شعورهم بالغربة والاغتراب واللامبالاة، نساء لا سلاح لهن إلا استثمار الجسد بحثًا عن المال والمتعة والصعود الاجتماعي.
في أجازة عيد الهجرة، يقوم أفراد شلة العوامة بنزهة تنتهي بقتل فلاحة بريئة شابة، لا ذنب لها إلا وجودها في طريق هؤلاء الصفوة من العابثين المستهترين، الذين تنطلق بهم السيارة في سرعة جنونية. هروبهم من مسرح الجريمة، دون تفكير في القاء نظرة على الضحية ومحاولة انقاذها، بمثابة الامتداد لحالة الهروب الدائم التي يعيشونها ويقنعون بها.
تستمر حياتهم بلا تغيير كأن شيئا لم يحدث، بل ان الشعور بالذنب لا يجد له متسعا في ضمائرهم الميتة. يتجسد ذلك بوضوح فيما يقوله الأديب خالد عزوز: "ناس كتير بيموتوا أونطة"!، وما تقوله الجامعية الضائعة سناء الرشيدي "كانت هاتموت من الجوع وخليناها شهيدة"!.
صحوة مفاجئة متأخرة تنتاب الموظف المدني انيس زكي، فإذا به يتمرد على رفاقه ويغادر العوامة بعد معركة مع رجب القاضي، معلنا عن نيته في الاعتراف بجريمة قتل الفلاحة. بعد ذهابه إلى الصحفية الجادة سمارة، يبادر الحارس الشعبي الطيب، عم عبده "أحمد الجيزاوي" إلى فك سلاسل العوامة، لتواجه ومن فيها أشباح الضياع والغرق.
يصرخ عماد حمدي: "الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا"، وينتهي الفيلم بشعاره الذي يتجاوز العوامة وأفرادها إلى جمهور المشاهدين، كأنه يقدم لهم خلاصة الرؤية: "لازم نفوق .. لازم نفوق"!
النجاة للجادين والتائبين والبسطاء، الصحفية سمارة بهجت والموظف أنيس زكي والحارس عم عبده، والضياع والهلاك نهاية حتمية لمن لا يملكون ذرة من الانتماء والإخلاص. هل تعبر النهاية عن قراءة صحيحة لتفاعلات الواقع، أم عن حلم بعيد المنال؟!

0 comments

العزيمة

مصطفى بيومى
في السادس من نوفمبر سنة 1939، كان العرض الأول لفيلم "العزيمة"، درة أعمال رائد السينما الواقعية المصرية كمال سليم، وتكمن أهمية الفيلم الشهير في أنه يستمد أحداثه من تفاصيل الحياة اليومية، ويقدم العاديين من الناس أبناء الحارة الشعبية.
محمد، حسين صدقي، متخرج في مدرسة التجارة العليا، وأبوه الأسطى حنفي، عمر وصفي، حلاق بسيط. بعد التخرج، يتفق الشاب الطموح مع نزيه باشا، زكي رستم، على مشاركة ابنه المدلل عدلي، أنور وجدي، في مشروع شركة تجارية، يقتحمان من خلالها ساحة العمل الحر، لكن سفر الباشا إلى الخارج يعرقل المشروع؛ فقد أنفق الابن المستهتر رأس  المال على مائدة القمار!.
يعمل محمد موظفًا حكوميًّا، ويتعرض لاتهام ظالم يفضي به إلى الطرد، ويضطر إلى قبول عمل متواضع يخفيه عن زوجته، فاطمة رشدي، وبعد معرفتها تصر على الطلاق، وتقترب من مشروع زواج جديد مع المعلم العتر الجزار، عبدالعزيز خليل، العدو اللدود لمحمد.
يتغير المسار مرة أخرى، وتستقيم الأمور على الصعيدين العملي والعائلي. تتضح براءة محمد، لكنه يرفض العودة إلى الوظيفة، مؤثرًا التفرغ للمشروع القديم بعد توبة صديقه والتزامه بالجدية، أما الزوجة فتعود إلى بيتها الذي هجرته، وتنجو من شرك المعلم الشرير.
يناقش الفيلم عديدًا من القضايا المهمة، ويمكن التوقف أمام ثلاثة محاور جديرة بالتأمل والتحليل.
يتعلق المحور الأول بالصراع القديم– الجديد بين الوظيفة الحكومية والعمل الحر؛ فالمجتمع المصري في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، يبدو متشبثًا بالوظائف "الميري" ودولة الأفندية، متحفظًا على المغامرة غير المأمونة في مجال المشروعات الخاصة.
يشير المحور الثاني إلى طبيعة وسمات الطبقة الرأسمالية المصرية، التي اُتهم أفرادها جميعًا فيما بعد بالفساد والانحلال والانحراف، فالفيلم يقدم رؤية موضوعية متوازنة، ويكشف عن حقيقة أن هؤلاء الرأسماليين ليسوا ملة واحدة، ففيهم الصالح والطالح، والشاب الفاسد المستهتر نفسه يعود إلى الصواب ويتعظ بأخطائه.
ويبقى المحور الثالث الذي يتجسد في نهاية الفيلم، حيث الانتصار الصريح الواضح للمشروع الخاص وما يمثله من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني؛ ومن ثم فإنه جدير بالتشجيع والاحترام، وهو ما يعني –ضمنًا– أن الوظيفة الحكومية ليست الاختيار الوحيد.
يقدم كمال سليم تجربة طازجة تبدو معاصرة على الدوام، لكن القراءة الأيديولوجية التي سادت في الستينيات من القرن السابق، أفسدت ما يهدف إليه المخرج الرائد، فهو ليس اشتراكيًّا كما يقول اليساريون من نقاد السينما، بل إنه ينحاز إلى الرأسمالية، ويرى فيها أداة فعالة لتقدم المجتمع.
لكي يكون الفيلم إيجابيًّا ومتفاعلاً مع الواقع ومعطياته، لا يتحتم أن يكون اشتراكي التوجه حنجوري الصوت، فالهدف الأسمى في انتمائه الإنساني، بلا ضجيج أو ابتذال.
0 comments

كلمة شرف

مصطفى بيومى
في السابع والعشرين من مايو سنة 1972، كان العرض الأول لفيلم "كلمة شرف"، الذي أخرجه حسام الدين مصطفى، عن قصة لفاروق صبري، الذي اشترك مع فريد شوقي في كتابة السيناريو والحوار، أما البطولة التمثيلية فقد تقاسمها عدد من أبرز نجوم السينما المصرية: فريد شوقي، أحمد مظهر، هند رستم، نور الشريف، نيللي، فضلاً عن "ضيف الشرف" رشدي أباظة.
تدور أحداث الفيلم حول السجين سالم، فريد شوقي، الذي حُوكم وأُدين بجريمة لم يرتكبها، فقد تورط شقيق زوجته كامل، نور الشريف، في علاقة عاطفية مع إحدى الفتيات، نيللي، أسفرت عن تكوين جنين غير مرغوب في بقائه، ويسعى الشهم سالم إلى تقديم العون والمساعدة باللجوء إلى طبيب لإجراء عملية إجهاض، فتموت الفتاة.
توقن زوجة السجين البريء، هند رستم، أن زوجها هو المسئول عن الجريمة، ولا تغفر له خيانته، أما شقيقها الجاني فقد تخلى عن زوج شقيقته وآثر الصمت، مجسدًا لكل ما تعنيه كلمة النذالة من معنى.
يشتد المرض بالزوجة، وتتكرر محاولات سالم للهروب من السجن للاطمئنان عليها وتأكيد براءته، وفي مواجهة هذه المحاولات يُنقل السجين المشاغب إلى سجن يديره مأمور منضبط، يقترب من نهاية خدمته، ويتميز بالصرامة التي لا تخفي مشاعره الإنسانية. يعقد سالم اتفاقًا مع مدير السجن، أحمد مظهر، يتضمن السماح له بالخروج لزيارة الزوجة المريضة، مع الالتزام بـ"كلمة شرف" أن يعود ولا يهرب، ولكي تكتمل الإثارة وتُحبس أنفاس المشاهدين، فإن مدير مصلحة السجون، رشدي أباظة، يقوم بزيارة مفاجئة للسجن، ويطلب مقابلة السجين الشهير، وتكون المفاجأة في عودته إلى الزنزانة، التزامًا بالعهد الذي قطعه على نفسه.
لا يخلو الفيلم من مآخذ وانتقادات شتى، فهو محمل بالميراث السلبي التقليدي للسينما المصرية في كثير من جوانبه، حيث المبالغة التي لا يسهل قبولها، ووفرة المصادفات القديرة الزاعقة، والإسراف غير المبرر في المثالية والشهامة الساذجة من ناحية، والشر الخالص الخبيث من ناحية أخرى، لكن الأهمية الحقيقة لـ"كلمة شرف"، بعيدًا عن الإطار الفني، تتمثل في النجاح الجماهيري المدوي الذي حققه، ويصل النجاح إلى ذروة غير مسبوقة باستجابة وزارة الداخلية إلى الرسالة التي يقدمها الفيلم، فتعيد النظر في القواعد المعمول بها، وتسمح للسجناء بالخروج المؤقت وفق قواعد ومعايير محددة، عندما تحل مناسبات بعينها تستدعي وجودهم خارج الأسوار، مثل وفاة الأقارب أو زواجهم أو اشتداد المرض عليهم، وغير ذلك من الحالات الاستثنائية الجديرة بالمراعاة.
ليس من مهام السينما أن تسن القوانين والتشريعات، لكن التنبيه الواعي إلى ما يدور في الواقع من أبرز مهامها، وقمة النجاح أن يسفر هذا التنبيه عن التفات صانعي القرار إلى ما تشير إليه، وتحول النصيحة الفنية إلى قرار.
0 comments

أفواه وأرنب

مصطفى بيومى
ربما يوحي عنوان الفيلم: "أفواه وأرانب" بتصديه لمناقشة قضية خطيرة، هي الانفجار السكاني، الذي يخلق كثيرًا من "الأفواه" التي تعاني الجوع، نتيجة السلوك الإنجابي المشابه لسلوك "الأرانب" في كثرة النسل، ويؤدي هذا التزايد في معدلات المواليد إلى التهام كل زيادة في الإنتاج، فيزداد الفقر والجوع!
نعمت، الفنانة فاتن حمامة، تعيش مع أختها، رجاء حسين، وزوج أختها السكير، فريد شوقي، حياة فقيرة بائسة، لا تعرف الاستقرار والأمان، ومعهم تعيش كومة من الأطفال العراة المرضى المهملين الضائعين. هل تنبع مأساة الأسرة من كثرة عدد الأولاد، أم من إدمان الخمر، أم من السببين معًا؟!
يقول الفيلم إن الفقر الذي تعيشه الأسرة مسئولية الأسرة نفسها! من ناحية لأن الإنجاب بلا حساب، ومن ناحية أخرى لأنهم لا يعملون ولا يعرفون الحرص في الإنفاق، ويتورط رب الأسرة في إدمان الخمر التي تلتهم –بلا رحمة- إيرادهم القليل المحدود.
يحفل الواقع المصري بكثير من الأسر التي يقدمها الفيلم، وهي أسر محدودة النسبة وتستحق التشهير والإدانة، لكن اختيار النموذج الاستثنائي والاعتماد عليه وحده يقود إلى نتيجة مغلوطة، وهي أن الفقر في القرية المصرية مسئولية الفقراء وحدهم، وأن التكاسل عن العمل، وليس غياب فرص العمل وانتشار البطالة، هو المسئول عن التدهور والإفقار. ويأبى الفيلم إلا أن يؤكد هذه الرسالة باختياره لأسرة تعيش في القرية ولا تعمل في الزراعة، وتعاني الفقر ولا تستثمر أولادها كعمال زراعيين. ويزداد التأكيد وضوحًا عندما تدفع الأحداث بنعمت إلى الهروب، فرارًا من زيجة مفروضة عليها، لتبدأ رحلتها مع الصعود الاجتماعي السريع، من عاملة زراعية أجيرة تعمل في جمع محاصيل الفاكهة، إلى زوجة للمالك الكبير محمود بك، و"مستشارة" اقتصادية بارعة له!
بالعمل، كقيمة مطلقة لا علاقة لها بالسياق الاجتماعي، يستطيع الفقراء أن يرتقوا! ربما يحتاج هذا الارتقاء إلى مصادفات كثيرة غير منطقية، لكن الصعود سهل وميسور كما يقول الفيلم.
أخطر ما في "أفواه وأرانب" أنه يرسخ مجموعة من القيم والأفكار التي تناقض واقع الحياة التي يريد التعبير عنها، وأهم هذه القيم يتمثل في:
أولاً: اختيار الأسرة الفقيرة، منذ البدء، لا يخلو من التحيز المقصود الذي يرغب في إدانة الفقراء، والأسرة المختارة تبدو جزيرة مغلقة، فلا نرى واقع الفقراء الآخرين الذين لا يسكرون ولا يسرفون ولا يتكاسلون عن العمل.
ثانيًا: الإعلاء من شأن الحلول الفردية غير المنطقية، كما يتمثل في قصة نجاح وصعود نعمت. بالإرادة القوية وحدها تشق طريقها في سهولة عجيبة، والمصادفات السعيدة تتدخل وتتكفل بتحطيم كل العقبات التي تعترضها.
ثالثًا: العمال الزراعيون الكثيرون، الذين يعملون في خدمة محمود بك ومزارعه الواسعة، راضون كل الرضا، وسعداء لا يعكر صفو حياتهم شيء. معاناتهم لا تنبع من الفقر واستغلال الأغنياء، بقدر ما يتسبب فيها ناظر الزراعة المتسلط، الفنان حسن مصطفى، وهي معاناة ذات طابع كوميدي! لا يحد من هذا التسلط غير الإنساني إلا المالك الكبير الطيب، وتدخل نعمت النشيطة الشجاعة، التي تدافع ببسالة عن حقوق زملائها!
رابعًا: صورة المالك الكبير محمود بك، الفنان محمود ياسين، وردية بالغة العذوبة، فهو رجل وسيم أنيق ذو مشاعر رقيقة وحس رومانسي. يقدمه الفيلم مالكًا زراعيًّا ذا نفوذ واسع في العاصمة، وهو مشغول دائمًا ومرهق في العمل الذي لا نعرف حقيقته على وجه التحديد! وكأنما يريد صانعو الفيلم دغدغة مشاعر المتلقين عندما يصبون غضبهم على خطيبته المتعالية المتغطرسة، إيناس الدغيدي، ومثل هذه الكراهية المنفرة مفيدة أيضًا لتفسير تحول قلب البك النبيل، وهو تحول غير منطقي، إلى نعمت المتواضعة الرقيقة!
يقول الفيلم إن زواج أغنياء الريف من فقيراته، وربما العكس أيضًا، هو العلاج الوحيد لمشكلة الفقر، وهي مشكلة صنعها الفقراء بتكاسلهم وسلبيتهم!
الأهمية الحقيقية للفيلم تكمن في تبنيه لاتجاه يتوافق مع مرحلة الانفتاح، التي عُرض في ذروتها، وهي مرحلة تبشر بحلول سحرية وهمية لمشاكل عميقة معقدة، يفسدها التناول السطحي التجاري.
0 comments

خرج ولم يعد .. صراع القرية والمدينة

مصطفى بيومى
عطية، الفنان يحيى الفخراني، موظف صغير يعيش في القاهرة، ولا يفكر في مغادرتها على الرغم مما يعانيه فيها من إرهاق مادي ونفسي.
تبدأ أحداث الفيلم باستعراض دال لأخطر ما في العاصمة المزدحمة من هموم ومشاكل: المسكن القديم الآيل للسقوط، الزحام والضجيج، الوظيفة الروتينية غير المشبعة؛ حيث «حلم» الوصول إلى درجة المدير العام هو الطموح الأكبر، المعاناة الاقتصادية التي تعرقل زواج عطية من خطيبته وتهدد استقراره.
العلاج الوحيد الذي يفكر فيه الموظف الصغير البائس هو بيع الأفدنة القليلة التي يملكها في قريته، ولإتمام عملية البيع ينتقل الفيلم ببطله إلى القرية، التي تبدو جنة موعودة قياسًا بما في القاهرة من عذاب.
في الفيلم عالمان متناقضان لا مشترك بينهما إلا الفنان الكبير يحيى الفخراني، فهو الوحيد الذي يتحرك بين القرية والعاصمة، ويقدم بانتقاله شهادة حية عن الفوارق الهائلة بينهما.
في القرية، يتعامل عطية مع الإقطاعي القديم الطيب، فريد شوقي، الذي يعيش في عفوية لا تعقيد فيها، كما يقترب من أسرته المليئة بالحيوية والطزاجة والبساطة، حتى فيما تحمل من أسماء. الحياة في القرية، إذا تغاضينا عن المشاكل الصغيرة مثل الخوف المرضي من الفئران، كأنها قصيدة شعر في عذوبتها وبساطتها ورومانسيتها، والاختيار النهائي لعطية هو الاستقرار فيها، وإدارة الظهر للعاصمة المزعجة القاسية، التي أعلنت موته «رسميًّا» بعد انهيار بيته القديم المتهالك.
هل يتحقق الخلاص بمثل هذه الرؤية التي تدعو إلى الهجرة العكسية؟ وماذا يفعل المهاجرون من المدينة إلى القرية وفي أي نشاط يعملون؟ كان الفيلم حريصًا على أن يكون عطية من هواة الدراسات الزراعية، ففي هذه الهواية ما يبرر استقراره في القرية عاملاً لا عاطلاً، أما الذين يتخصصون في مجالات لا تناسبها إلا المدينة، فكيف يعملون؟
يقدم المخرج الكبير محمد خان، والكاتب الموهوب عاصم توفيق، هجائية قاسية لمدينة الثمانينيات المتوحشة، ويبايعان سكينة القرية ووداعتها، لكن هذه «اليوتوبيا» أقرب إلى الشعر الجميل الحالم غير القابل للتجسيد.
في ظل الصفاء الذي يبشر به الفيلم في حماس، لا يبدو مستغربًا أن تخلو القرية من المشاكل والمنغصات، وأن يختفي الفقراء وينتفي الصراع، وأن يظهر المالك الإقطاعي القديم وأسرته كنماذج مضيئة في بساطتهم وتآلفهم ومشاعر الحب والمودة التي تجمعهم. لا عمل لهم في الفيلم إلا التهام الطعام بكميات هائلة، أو الاستعداد لالتهامه، ولا تفكير في المستقبل، حيث تُؤجل مواجهة المشاكل لتستمر ممارسة الحياة بلا منغصات.
قد يكون الاختلاف قائمًا مع الرؤية التي يقدمها الفيلم، لكن الإقرار ضروري بأن المعالجة السينمائية تتسم بالعذوبة والرقة المنعشة، فلا يملك المشاهد إلا أن يندمج ويتواصل ويحلق بخياله مع ذلك العالم الجميل الذي يخلو من الهجوم، وتسيطر عليه البساطة والعفوية، ويتحول الاندماج مع الطبيعة إلى طموح نبيل لا يعرفه إلا من يحرمهم جفاف المدينة من نسمة صافية خالية من العكارة والتجهم.
يشهد الفيلم مباراة تمثيلية رفيعة المستوى بين العمالقة: فريد شوقي، ويحيى الفخراني، وعايدة عبدالعزيز، وتوفيق الدقن، وتجد ليلى علوي من يوظف جمالها في إطار مختلف عما تعودته، فإذا بها كالفاكهة الطازجة التي تبث في عيون وقلوب مشاهديها نشوة الحياة.
عُرض الفيلم في الثامن من أبريل سنة 1985، وأخرجه محمد خان، ويحظى بعد أكثر من ربع قرن باهتمام المشاهدين في البيوت؛ ذلك أنهم يجدون فيه مزيجًا من كآبة الواقع وأحلام الخلاص.

٣١‏/٠٨‏/٢٠١٢ 0 comments

حفرة الإرهاب


أحمد بيومى
لا يمكن بحال من الأحوال فك شفرات الجزء الأخير من ثلاثية كريستوفر نولن "صحوة فارس الظلام" بمعزل عن الجزءين السابقين. الفيلم يبدأ بتصوير عملية إرهابية تهدف إلى خطف عالم روسى يقودها الشرير الجديد "بين" صاحب القناع الذى يخفى وجهه ويحيلك إلى عضلاته المفتولة. وبعد نجاح العملية الهوليوودية، يجبرك "بين" على مقارنته بشرير الجزء الثانى الجوكر الذى لعب بطولته هيث ليدجر ونال عنها الأوسكار بعد وفاته، المقارنة ظالمة بكل تأكيد فشخصية الجوكر الذى يهدف إلى تفعيل أجندته الإجرامية الإرهابية الخاصة _الفوضى_ وكشف الجوهر الإنسانى على حقيقته بكل ما حملته الشخصية من عمق يميل إلى الفلسفة مرورا بالجنون، تجد نفسك تعامل شرير الجزء الجديد بقدر كبير من الشفقة وخيبة الأمل. الحديث عن فيلم "صحوة فارس الظلام" يلزم مساحة أكبر كثيرا من هذه التى أملكها، وبالتالى أحاول التركيز فى السطور القادمة على الخلفية التى رسمها الفيلم لشخصية الشرير الإرهابى "بين".
نولان لم يشر فى عمله إلى المنطقة العربية _المسلمة_ بأى شكل من الأشكال، وعلى ذلك حين نرى السجن العميق الذى أتى منه "بين" وهو على شكل حفرة واسعة، بها حبل يساعد من يسعى ويحلم إلى الهروب من هذا الجحيم الأبدى، خارج هذه الحفرة نراها محاطة بمدينة ذات طابع معمارى شرقى بالضرورة. ومن تابع الجزء الأول من الثلاثية يدرك أن شخصية رأس الغول عربية، وكان جزءا من منظمة عالمية هدفها الحفاظ على تقدم الحضارة عن طريق تدمير المدن التى يأكلها الفساد، وبالطبع انتصر الخير فى الجزء الأول، كما ينتصر دائما.
في "صحوة فارس الظلام"، نتابع قصةُ رأس الغول عن طريق قصة بين نفسه وسجن الحفرة، السجن الذي خرج منه "بين" إلى العالم. "الحفرة" التى تقع في الشرق الأوسط الكبير كما قررت إدارة بوش، له الطبيعة ذاتها التي يمكن أن توجد في أفغانستان أو أى بلد مع طراز معماري إسلامي. سجن  الحفرة سجن لا أمل في الخروج منه، ولا نعرف كيفية الدخول إليه إلا في حالة رأس الغول.
من حفرة الجحيم - حرفيا - التي تقع في الشرق الأوسط الكبير يخرج الإرهابيون، يخرج رأس الغول ونسله، ويهجمون على أمريكا. الهجوم الإرهابى على أمريكا يرفع رايات آيديولوجية، ويهجم "بين" على أمريكا لسبب وحيد: أراد رأس الغول تدمير أمريكا وفشل، وكل ما يجب فعله هو إتمام مهمته.
"بين" يميل إلى الأساطير العربية فى مخيلة التاريخ الأوروبى، الذي ورثته أمريكا بالضرورة. العربي وحش عاطفي و"بين"وحش عاطفي أيضا. فهو ليس أكثر من حارس للأميرة، يحبها وتحبه، ويفتديها بحياته، وتحنو عليه في لحظات موته. كأنها قصةُ الجميلة والوحش، مع لمسة مأساوية.
كذلك، يكتسي الأمر طابِع قصص ألف ليلة وليلة - في المخيلة الغربية - من القصة الغريبة التي تفسر حياة طفل رأس الغول في سجن الحفرة، ودخول رأس الغول نفسه في سجن الحفرة. إذ أنه كان مرتزقا عند زعيم محلي. وعشق ابنته، وتزوجها سرا، فألقي في سجن الحُفرة، إلى أن افتدته زوجته وقررت إخراجه. القصة غير منطقية، وتتنافى مع بناء الشخصيات وخلفياتهم الثقافية، لكن العرب وحوش عاطفيون في مخيلة الأمريكان، وفي أرضهم البربرية يمكن أن تحدث هذه القصص التي لا تصدق. ألم تقل ديزني في فيلم "علاء الدين" 1992: "قدمت من أرض بعيدة .. حيث تطوف قوافل الجمال .. حيث يقطعون أذنك .. إذا لم يعجبهم وجهك .. إنه مكان بربري، لكنه وطني!"...
٢٣‏/٠٨‏/٢٠١٢ 0 comments

ابراهيم البطوط والشتا اللى فات


أحمد بيومى
قبل ثلاث سنوات، حين كنت مسئولا عن نادى سينما "نون" التابع للمركز الدولى للتنمية الثقافية، كنت حريصا على دعوة المخرج شديد الإختلاف إبراهيم البطوط. لم يكن بيننا معرفة مسبقة، وعلى ذلك رحب ولبى النداء. كان من المفترض وقتها أن نعرض فيلمه الأخير "عين شمس" لكن خلافات مع الشركة الموزعة حالت دون ذلك، واقترح عرض فيلمه القصير "26 ثانية فى باكستان"، وهو عمل تسجيلى رصد معاناة باكستان بعد زلزال مروع استمر لمدة 26 ثانية، ومن بعده لم تعد الحياة كما كانت. أذكر وقتها الكلمات القصيرة التى قدمته بها، قلت: "من المعروف أن قضاء يوما فى الحرب تماما كقضاء حياة كاملة، وابراهيم البطوط رجلا قضى نصف حياته وسط الحروب، تخيلوا معى كم يبلغ من العمر الآن". كان من المدهش أن يعود إلينا إنسان من وسط الحروب وأهوالها وهو لايزال قادرا على الحب، حب الآخرين وعشق الحياة, ولاتزال عيونه قادرة على رؤية الأشياء جميلة كما كانت، أو كما يتمنى أن تكون.
 "إبراهيم البطوط " قضى ثمانية عشرة عاما بين الحروب وخطوط النار, بين حقول الموت والمقابر الجماعية. اعترف البطوط فى الندوة التى اعقبت عرض الفيلم أن عقله أصبح مليئاً بصور الحرب وبالذكريات المؤلمة, لكنه يرفض أن يتخلى عن الأمل. هل يمكن الأستمرار دون أمل أو نافذة ضوء؟. وحين شاهدت فيلمه الروائى الأول "إيثاكى" لم يدهشنى إهدائه العمل إلى من ذهبوا إلى الحرب ولم يعودوا.
"إيثاكي" الرحلة الطويلة للفارس اليوناني "أوليسيوس" التي كان يجب أن تنتهي في أيام لكنها دامت سنين طويلة قبل أن يعود إلى وطنه وزوجته بعد إنتهاء حرب طروادة. و"إيثاكي " قصيدة الشاعر اليوناني "كونستانتين كافافي" الذي سكن في مدينة الإسكندرية وقال فيها :
"عندما تتهيأ للرحيل إلى إيثاكي تمن أن يكون الطريق طويلا. حافلاً بالمغامرات عامرا بالمعرفة. لا تخشي بوزايدون إله البحر الهائج, لن تجد أبدا أيا من هؤلاء في طريقك إن بقى فكرك ساميا, إن مست عاطفة نبيلة روحك وجسدك". وإيثاكي الثالثة هى رحلة المخرج "إبراهيم البطوط " وتجربته الذاتية والتي استوحى منها فكرة فيلمه. ثم مجموعة أخرى من الإيثاكات لشخصيات حقيقية تعرف عليها المؤلف وآخرى ربطت بينه وبينها صداقة.
رحلة جديدة ينتظرها البطوط، يبحر إلى شواطئ فينسيا ليعرض فيلمه الأخير "الشتا اللى فات"، الذى أنجزه فى صمت دون ضجيج وسط كم المهاترات التى نعيشها يوميا فى الشوارع وعلى ساحات الفضائيات. يوما بعد يوم يثبت ابراهيم البطوط أنه فنان يقدس عمله ويرى أن الكاميرا هى الخلاص. ننتظر جميعا رؤية فيلم البطوط الجديد الذى من المؤكد أنه سيكون إضافة هامة إلى رصيده السينمائى والإنسانى.
                             نُشر فى أخبار النجوم 23-8-2012
١٥‏/٠٨‏/٢٠١٢ 0 comments

من يعرف رامى الجابرى؟


أحمد بيومى
أدهشنى كثيرا إقدام مخرج شاب على صناعة فيلم قصير ليخوض به منافسات مسابقة دولية على موقع اليوتيوب، ويختار له موضوع عقوق الأبناء. فيلم "هذا الزمان" الذى اخرجه الشاب الطموح رامى الجابرى استطاع أن يحجز لنفسه مكانا وسط الأفلام العشرة القادمة من أركان الأرض إلى مهرجان فينسيا السينمائى الدولى العريق، ويحصل الفائز النهائى على 500 ألف دولار لصناعة فيلم مبتكر يلعب فيه المخرج الكبير ريدلى سكوت دور المنتج المنفذ.
"هذا الزمان" يدور حول سيدة عجوز يتركها أبنها فى أحد الشوارع مع وعد بالحضور بعد ساعات لإصطحابها لمنزله. تمر الساعات ولا يأتى الأبن، يجلس شاب "عبد الله" بجانبها بعد أن لاحظ جلوسها أمام منزله، يمسك بالورقة التى دسها الأبن فى يد والدته ليتصل به، يجد كلمات الورقة ترجو من قارئها تسليم هذه السيدة إلى أقرب دار للمسنين.
رسالة شديدة الوضوح والقسوة، مليئة بالتفاصيل التى تصيب القلب والعقل فى آن. صورة الحفيد التى تتوق الجدة لرؤيته، حرصها على إحضار قلادة ذهبية لزوجة أبنها، نظرتها الخجولة إلى شاب يبتلع علبة كشرى أثناء الأنتظار، زجاجة المياة التى يقدمها عبد الله للجدة والتى تبتلعها بالكامل، وفى النهاية دموعها المخنوقة عندما تصلها الرسالة الأخيرة من الأبن الجاحد.  
رامى الجابرى مخرج شاب مميز، اهتمامه بالتفاصيل البصرية يدعو للإعجاب والتفاؤل بجيل جديد من المخرجين القادرين على الصمود. قدرته على التحكم بأداء الممثلين والحصول على أفضل ما يمكن يحسب له، واختياره للفنانة عواطف حلمى فى دور الجدة كان أكثر من رائع. يملك رامى إحساسا مرهفا بالموسيقى واستطاع توظيفها بالفيلم بالقدر المناسب لإيصال رسالته. الفكرة التى اختارها عن عقوق الأبناء، فكرة شديدة الإنسانية وبذلك يضمن إنصات العالم فى حال عرض فيلمه فى أي مهرجان دولى كما ينتظر الفيلم الآن. كما يلزم التنويه أن الفيلم من إنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهو أمر جيد وعلينا جميعنا مناشدة مثل هذه المراكز إلى دعم المزيد والمزيد من الأفكار الشابة الطازجة لطرح أفكار الجميع ومساعدة المواهب فى الوقوف على العتبة الأولى من عتبات التعبير عن إبداعهم.
كتبت منذ شهور مقالا بعنوان "سينما الشارع"، دعوت فيه الجميع إلى الأهتمام بالفن المسقل بشكل عام، وبالسينما المستقلة تحديدا. لازلت شديد الإيمان بسينما الشارع، تلك السينما النقية القادمة من جيل لا يتوقف عن البحث والتنقيب والتجديد، ومناقشة القضية بالقدر الأقصى من المصارحة والمواجهة، وكسر كل الأصنام المحرم الأقتراب منها، وحدها هذه السينما التى نحتاجها الآن. وحدها وما يصاحبها من تقنيات داعمة ناشرة – فاضحة، من يمكنها الصمود أمام طوفان التكفير والإغتيال المعنوى والفكرى الذى نقف على أعتابه الآن.
                                   نُشر فى أخبار النجوم 16-8-2012
١١‏/٠٨‏/٢٠١٢ 0 comments

إلغاء السينما شرط لإصلاح الأخلاق



مصطفى بيومى  
فى مبادرة المرشد العام للإخوان المسلمين، حول المبادئ العامة للإصلاح فى مصر، والموقعة باسم محمد مهدى عاكف، إشارة وحيدة إلى السينما، فبعد حديث موجز فى البند الثانى عشر: «فى المجال الثقافى»، عن الإطار الثقافى العام الذى تؤمن الجماعة به، ينتقل البيان إلى تحديد سبع نقاط للإصلاح الثقافى، والنقطة الأخيرة هى التى تعنينا هنا: «ترشيد دور السينما والمسرح بما يتفق ومبادئ وقيم الإسلام».

ترشيد أم عداء؟
ما الذى تعنيه كلمة «ترشيد» هذه؟ ومن الذى يحدد القواعد الحاكمة لها؟ وكيف يتحقق الاتفاق على مبادئ وقيم الإسلام؟
التساؤلات السابقة جميعا مفتوحة بلا إجابة حاسمة واضحة، لكن الكلمة الفضفاضة المريبة: «ترشيد»، تمثل خطرا داهما وبخاصة عندما يتولى الأمر من لا علاقة لهم بالفن، بل إنهم يكنون له احتقارا لا يخفونه ولا يترددون فى إعلانه والمجاهرة به.
وثمة مبادرة أخرى للقائد الإخوانى المعروف الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، تحمل عنوان: «المفهوم الإسلامى للإصلاح الشامل»، وعلى الرغم من خلو المبادرة من الإشارة إلى المجال الثقافى، فإنها تقدم مبدأ بالغ الأهمية: «الخطاب الإصلاحى الإسلامى خطاب بشرى، وليس خطابا مقدسا؛ وإنما هو اجتهاد بشرى فى فهم نصوص الإسلام، وبالتالى فمن يختلف معنا فهو يختلف مع فهمنا ولا يختلف مع الإسلام.. أرجو أن تكون هذه النقطة شديدة الوضوح للجميع، ولا أدرى ما يمكن أن يقال فى هذه النقطة تحديدا أكثر من ذلك».
مقولة جديرة بكل الاحترام والتقدير، لكن السؤال الجدير بالاهتمام والبحث عن إجابة: هل يعمل الإخوان المسلمون أنفسهم بهذا المبدأ؟!
هل يقدمون اجتهادهم فى فهم الإسلام ولا يحتكرون اليقين والحقيقة المطلقة؟! لقد ذهب الدكتور أبوالفتوح ليهنئ نجيب محفوظ بعيد ميلاده، ديسمبر ,2005 ونشرت «أخبار الأدب» على لسانه، العدد رقم «649» فى 18/12/2005 ما نصه: «فما بال من يريدون ألا يجعلوا للفن والإبداع والسينما وجودا. هذا من الذوق العام، يلينه ويجمله ويظل الخطأ خطأ والسيئ سيئا.. سواء أكان فى الفن أو كان فى الطب».
كلمات الدكتور عبدالمنعم واضحة، لكن السلوك العملى مختلف، والموقف الإخوانى من السينما، ومن الفن والإبداع عموما، لا يتوافق مع الطرح المستنير الذى يقدمه. لاشك أن الزعيم الإخوانى البارز، الموصوف بالاعتدال، قد نضج وتطور، ولذلك أذكره فحسب بما كتبه قبل ما يزيد على ربع قرن، فى باب «بريد الدعوة»، فى مجلة «الدعوة» المعبرة عن جماعة «الإخوان المسلمون».
فى العدد الثانى عشر من المجلة، مايو 1977, وتحت عنوان: «حول فيلم محمد»، كتب عبدالمنعم أبوالفتوح، رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة، ما نصه بالحرف الواحد: «إننا نحمل المسئولين فى هذا البلد مسئولية أمام الله عن الاجتراء على شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام ونطالبهم بمنع عرض فيلم «محمد رسول الله».. احتراما للشعور الدينى القوى فى مصر وتجنبا لحدوث الفتن.. كما نلفت النظر إلى ما دأب بعض الطائفيين على فعله إثارة للعصبيات والطائفيات.. ومن ذلك نشرهم الصور الفاضحة من جانب والتسجيلات المبهمة لبعض الشخصيات من جانب آخر.. مستغلين ظروف البلاد وأمورها الراهنة».
طالب الطب لم يشاهد الفيلم الذى يدعو إلى منعه، لكنه يمنح نفسه حق المطالبة بالمصادرة ومنع العرض والحيلولة دون الاجتراء على شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام! وتتضمن الرسالة تحذيرا، أقرب إلى التهديد، من إثارة الفتن، فضلا عن اللمز الواضح للطائفيين والصور الفاضحة والتسجيلات المبهمة! أليس الطالب الشاب قد احتكر الحقيقة وصادر حق الآخرين وأدانهم دون تحقيق؟! ألم يطالب بمنع الفيلم الذى يراه مسيئا، اعتمادا على ما يقال ويتردد دون بينة أو دليل؟!
لاشك أن الدكتور عبدالمنعم قد نضج وتجاوز ما كتبه فى النصف الثانى من السبعينيات، لكنه يعلم جيدا أن المئات من شباب الإخوان يقفون عند أفكار الأربعينيات، فهل يتحتم على المجتمع المصرى أن ينتظر نضجهم وتطورهم؟! وهل ينسى الدكتور أبوالفتوح ما ترتب على زيارته لنجيب محفوظ، وهو الكاتب المتهم بالعداء للإسلام والمسلمين عند قواعد الإخوان؟! ألم تطله الاتهامات شخصيا، وتحول الدكتور عبدالمنعم من زعيم وقدوة إلى شخص مريب يطالبون بتوبته؟!
لا معنى لترديد أفكار معتدلة يقابلها سلوك متطرف، فكيف إذا كانت الأفكار متوافقة مع السلوك، ويجمعهما مبدأ الرفض الصارم لكل ما يرى الدكتور عبدالمنعم أنه من ضرورات الحضارة وأبجديات العصر الحديث؟! 

الإصلاح وإلغاء السينما
الفن، والسينما فى القلب منه، ليس ترفا زائدا يمكن الاستغناء عنه أو التهوين من شأنه.. والقراءة النقدية التحليلية لأعداد مجلة «الدعوة»، الصادرة خلال الفترة من يونيو 1976 إلى أغسطس ,1981 تستهدف التعرف على موقف جماعة الإخوان المسلمين من الفن السينمائى، لا مصادرة لحقهم المطلق فى تبنى ما يشاءون من الأفكار، لكنهم مطالبون فى المقابل بالصراحة والوضوح، فلا يقولون ما لا يفعلون، ولا يدعون غير ما يبطنون، ولا ينتسبون إلى العصر الحديث وهم متشبثون بأفكار العصور الوسطى!
فى العدد السابع عشر، أكتوبر ,1977 تعيد مجلة «الدعوة» نشر البيان الذى أصدره الإخوان المسلمون بعد أيام من قيام حركة الجيش وطرد الملك فى يوليو ,1952 وهو البيان الذى يتضمن «تصورهم للإصلاح المنشود وطرق محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين».
من مطالب الجماعة: «أن تعمل الحكومة على تحريم ما حرم الله وإلغاء مظاهر الحياة التى تخالف ذلك مثل القمار والخمر ودور اللهو والمراقص والأفلام والمجلات المثيرة للغرائز الدنيا». اللافت للنظر أن الأفلام السينمائية «معطوفة» على القمار والخمر، وهما نشاطان لاشك فى تحريمهما وإدانتهما، وتبدو «مرادفا» - بلا تمييز - لدور اللهو والمراقص والمجلات الجنسية المثيرة! لا يشير البيان إلى إنتاج سينمائى بعينه يحتاج إلى الإصلاح والتغيير، فهو يتناول السينما بشكل عام، ولا متسع للجيد أو الردىء، ولا مجال للمقارنة بين الناضج الجاد والتافه السطحى. الموقف إذن ضد الفن السينمائى من حيث المبدأ، فكأنه لا صلاح للأخلاق بمعزل عن «إلغاء» السينما، وكلمة «الإلغاء» هذه واردة بالنص فى البيان الإخوانى.
ليس مستغربا إذن أن نطالع فى كتاب الأستاذ عبدالله إمام: «عبدالناصر والإخوان المسلمون»، حوارا دالا بين المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبى والرئيس جمال عبدالناصر، وفيه بالحرف الواحد: «ورأى المرشد العام أن تصدر الثورة قانونا بعودة الحجاب إلى النساء حتى لا يخرجن سافرات بشكل يخالف الدين، وأن تغلق دور السينما والمسرح»!
ويأتى رد عبدالناصر، موجها خطابه إلى المستشار الهضيبى، على النحو التالى: «بعدين هل بنتك بتروح السينما.. ولا مبترحش؟ بتروح السينما.. طيب إذا كان الراجل فى بيته مش قادر يخلى ابنه أو بنته ما ترحش السينما، طيب عاوزنى أقفل السينمات ليه.. السينمات احنا علينا واجب أن نعمل رقابة عليها وعلى المسارح حتى نحمى الأخلاق».
التوافق كامل بين الحوار المنشور فى كتاب الأستاذ إمام وما جاء فى بيان الإخوان، الذى أعادت مجلة «الدعوة» نشره بعد ربع قرن من صدوره، تأكيدا لاستمرار النهج القديم! 

تفاهات وآفات
فى باب «الإفتاء»، العدد رقم «49» فى يونيو 1980، عنوان رئيسى: «حول الفنون المستوردة»، وتشير المقدمة إلى سيل من الأسئلة.. عن حكم الأغانى ودخول السينما ومشاهدة التمثيليات وسماع الموسيقى.
يتصدى الشيخ محمد عبدالله الخطيب للإجابة، وفى السطور الأولى يقول: «هناك إجماع بين المؤرخين على أن اللهو بصوره المختلفة من أخطر الأسباب التى تعرض الأمم للهلاك والزوال». ينبئ المدخل عن تداخل دال بين مفهومى «الفن» و«اللهو»، وهو ما يتأكد عندما ينقل الشيخ عن «الأخ الداعية» سعيد حوى بعض آرائه عن «مخاطر ما يطلق عليه اسم الفن»!
تحظى الموسيقى بالنصيب الأكبر من الهجوم، لأنها عند الداعية «ذروة اللهو»! وينطبق على الفنون كافة ما يسرى عليها: «إن وقت المسلم أثمن وأغلى من أن ينفق فى هذه التفاهات لأن العمر هو الزمن وهو أغلى شىء فى الحياة.. وكل شىء له عوض إلا العمر».
هكذا، وفى بساطة لا ضوابط لها، تتحول الفنون الجميلة الراقية، التى تقاس حضارات الأمم بالتقدم فيها، إلى محض «تفاهات»، لا يليق بالمسلم أن ينفق وقته فيها! وبعد أن ينتهى الاقتباس المطول من «الأخ الداعية» سعيد حوى، يؤكد الشيخ الخطيب فى تعميم يقينى حاسم: «إن ما قرره العلماء من حرمة لهذه الآفات التى نراها وقد ارتبطت تاريخيا وواقعيا بالترف ومجالس الشرب لهى الحقيقة التى لا تقبل الجدال. وفى عصرنا هذا قوى سلطان ما يسمى بالفنون على النفوس».
الفنون «تفاهات» و«آفات»، واقترانها حتمى بالترف ومجالس الشرب! قد يكون الأمر قابلا للمناقشة إذا انصب حديث الشيخ الخطيب على الأغانى الهابطة والأفلام التافهة والتمثيليات الرديئة والموسيقى المبتذلة، لكنه لا يجد فارقا بين إبداع وإبداع، ذلك أن الإنتاج الفنى كله موضوع فى سلة واحدة محرمة، والرأى الذى يتبناه الشيخ «حقيقة» لا تقبل الجدال!
ويأبى الشيخ الخطيب أن ينتهى من فتواه دون أن يتوقف أمام السينما على وجه التحديد، فيقول: «دور للعرض مكدسة بالشباب وغير الشباب فى اختلاط وتبرج، كلها حيل ماكرة لجذب الشباب إلى الباطل، وتدريبهم على الاستخفاف والاستهزاء والتجريح. وكأنما أغلقت كل السبل وسدت كل الأبواب أمام الفنانين والمؤلفين والمخرجين ولم يبق إلا مستوى الحب الرخيص والاستهانة بكل القيم. والواقع يشهد على صدق ما نقول».
ينشغل الشيخ بدور العرض، دون نظر إلى الأفلام المعروضة فيها، ويرفض الاختلاط بين الجنسين، ويرى الأمر كله فى صورة مؤامرة و«حيل ماكرة»، تستهدف جذب الشباب المسلم إلى الباطل!
والمفارقة أنه يأخذ على الفنانين والمؤلفين والمخرجين تقديمهم «مستوى الحب الرخيص»، متناسيا أن فتواه لا تميز بين فيلم وفيلم، هل يفهم من كلماته هذه أن الفن الجيد مستثنى من التحريم؟!
الإجابة بالنفى، فالرجل يعود بعد سطور قليلة ليصدر قرارا نهائيا عن رؤيته لحكم الإسلام فى الفنون التى يسأل السائلون عن شرعيتها: «وقد يعجب بعض الناس من هذا ويقول إن هذه الأشياء من المقومات الكبرى لدى سائر الأمم المتحضرة فى هذا العصر. ونقول: إن الإسلام لم يقف من هذه الأشياء هذا الموقف إلا لأنها مستوردة من حضارة غير حضارته، ونابعة من تصور غير تصوره، وللإسلام منطلق حضارى آخر مستقل بذاته لا يتفق أبدا ومنطلقات هذه الحضارة».
من العبث أن نبحث عن تصور إسلامى متكامل يقدمه الشيخ الخطيب عن هذه «الأشياء»، فليس عنده إلا كلمات إنشائية تدور حول فن يبث أخلاق الإسلام ويحض على الجهاد ويدعو إلى «احترام الصغير وتوقير الكبير»! أى فن هذا أيها الشيخ الجليل؟! إنها مواعظ جافة لا علاقة لها بالفن، ولا تستحق عناء المشاهدة.
                       روز اليوسف المصرية في 14 فبراير 2008
 
;