٣١‏/٠٣‏/٢٠١٢ 0 comments

"منتصف ليل باريس" .. أن تصنع قدرك بنفسك

أحمد بيومى - أفلامجى
أن تهوى باريس، شيئا، وأن تعشق باريس _أثناء المطر_ أمرا مغايرا. بهذه البساطة _ربما التعقيد_ ينسج وودى آلان، المؤلف والمخرج، عمله الإبداعى الأخير "منتصف ليل باريس" الحائز على جائزة أوسكار أفضل سيناريو. يضمك آلان _منذ البدء_ إلى عالمه الخاص الرحب، باريس، ويعرفك عليها من خلال لوحات حية يظهر فيها مدى جمال محبوبته وخصوصيتها بصحبة موسيقى فرنسية الرنين، تجعلك تراقص باريس على انفراد. ومن ثم يقدم لك بطله، عابر المحيط القادم من الولايات المتحدة بصحبة خطيبته وعائلتها، الباحث عن تفاصيل روايته الأولى. الرواية التى لا نعرف عنها سوها مهنة بطلها العامل فى محل للأنتيكات.
وبدون مقدمات، اللعنة على المقدمات، نجد بطلنا جيل بندر هاربا من سهرة صاخبة متخذا من شوارع باريس رفيقا، إلى أن يجد عربة عتيقة الطراز مملؤة بأشخاص يغنون يدعونه للسهرة برفقتهم. ينتقل معهم بندر، وينقلنا معه، إلى عشرينيات القرن الماضى، حيث نجده وجها لوجه أمام أرنست همنجواى. يجلس معه ويبادله أطراف الحديث. يطلب منه بندر أن يقرأ روايته، يخبره همنجواى أنه يكره روايته، يتعجب بندر، يبرر همنجواى: "إن كانت رديئة فبالطبع سأكرهها، وإن كانت جيدة سأكرهها أكثر .. لا تبحث عن رأى كاتب آخر". يمرر وودى آلان رسائله، لا تبحث عن آخرين لمنحك صك الموهبة، إن كنت كاتبا، فأعلن على الملأ إنك الكاتب الأفضل. يجادله بندر، يتوصلا لإتفاق بأن يقدمه همنجواى إلى جرجرى شتاين، الكاتبة والناقدة والفيلسوفة الأشهر، يرحب بندر بعد أن لا يكون للأندهاش معنى.
بسهولة مثيرة للدهشة يتخطى وودى آلان حدود المكان والزمان، يصنع عالمه الخاص، يصنع قدره، يختار أصدقائه، هل نختار أصدقاءنا؟، يجعلنا وجها لوجه أمام بيكاسو وعشيقته آدريانا، بانل ومان راى، أليوت، همنجواى، شتاين، جميعهم فى مكان واحد، باريس، قبلة عشاق الحياة ومعشوقة كل الحالمين. مع كل دقة تعلن انتصاف ليل باريس، يفتح لنا آلان عالمه الخاص. ومع آدرينا، يأخذنا فى إحدى الليالى إلى آواخر القرن قبل الماضى، ليقابلا الرسام الشهير بابلو، وتختار آدرينا البقاء فى هذا الزمن، الزمن الذهبى. يخبرها بندر بأن زمنها هو الأفضل، ترفض، تفضل المكوث. هل الماضى _دائما_ أفضل؟.
بالتوزاى، يعيش بندر حياتة العادية صباحا، برفقة خطيبتة الغبية التى لا تحب المطر، ووالدة خطيبته المستعدة لدفع 20 ألف دولار من أجل كرسى قديم، ووالدها كاره الفرنسيين فقط لأنهم رفضوا الذهاب مع الأمريكين لغزو العراق، وصديقهما المتحذلق الخبير فى كل شئ. حياة صاخبة يعلم بداخله أنها ستقتله وتقضى على أحلامه فى أن يصبح كاتبا وأن يعيش فى باريس. وينتظر يوميا عالمه البديل الخيالى / الحقيقى. وإيمانا بنصيحة صديقه همنجواى، يصنع بطلنا نهاية مأساته بنفسه، يقطع علاقته بخطيبته. ويخرج إلى شوارع باريس التى تهديه فتاة تعمل فى إحدى محلات الأنتيكات التى لا تمانع فى التسكع تحت المطر.
وودى آلان، الشيخ المهرج، الذى يملك فى منزله أربع تماثيل أوسكار، لن يكف أبدا عن مداعبة منطقة الخيال واللامنطق فى أذهاننا. ويظل مشروعه السينمائى الذى قارب خمسون فيلما، مشروعا إنسانيا صاخبا بالتفاصيل، مفعما بحب الحياة، هاربا من روتين السينما الأمريكية السخيفة.
٢٠‏/٠٣‏/٢٠١٢ 0 comments

انفصال الإيرانى -- تمهيد ثورة وقتل أخرى


أحمد بيومى - أفلامجى
يضعك الفيلم الإيرانى "انفصال"، الحائز على جائزة أوسكار افضل فيلم أجنبى، منذ اللحظة الأولى أمام مجموعة من الأوراق الرسمية التى تمر على ماكينة لتصوير المستندات. مما يذكرك _ايا كانت جنسيتك_ أن الأنسان فى هذا العصر لم يعد يتجاوز أكثر من حفنة أوراق مختومة. ومن ثم تجد زوج إلى جانب زوجته التى تطالبه بالطلاق أمام القاضى. والقاضى بدوره غير مقتنع بالأسباب الداعية للأنفصال، مما يدفعها لكشف السبب الرئيسى لطلب الأنفصال من زوجها التى تحبه وهو رغبتها فى السفر خارج البلاد لأنها تدرك أن طفلتها ليس لديها مستقبل فى إيران. يسألها القاضى _متعجبا_ عن أيه ظروف تلك التى تمر بها البلاد لتفكر فى الهجرة، فلا نجد سوى صمت الزوجة.
وبهدوء شديد يستعرض كاتب السيناريو والمخرج أصغر فرهادى معاناة بطله "بيتمان معادى" وزوجته "ليلى حاتمى"، البطل كل ما يمنعه من تحقيق حلمه بالسفر _أيضا_ هو والده الطاعن فى السن والمصاب بمرض ألزاهيمر، مما يدفعه إلى إستئجار خادمة لتعتنى بوالده اثناء تواجده بالعمل. وهذه الخادمة التى تدور حولها أحداث الفيلم، نجدها تقف مترددة أمام مساعدة الجد الطاعن فى السن خشية لمسه، وتضطر إلى الأتصال برقم خاص بالأستشارات الدينية للسؤال حول الحد المسموح به للتعامل مع الجد المريض، يرفض فى البداية من هو على الطرف الثانى من الهاتف وتتفاوض معه معددة الأسباب وكونه يقارب الثمانين من العمر ومصاب بالعديد من الأمراض وبالكاد يستطيع الحركة ويحتاج إلى المساعدة، فيخبرها بأن عليها أرتداء قفاز لليدين أثناء العامل معه.
تتطور الأحداث إلى أن نجد الخادمة تربط الجد فى السرير لحاجتها للخروج من المنزل فيعود الأبن ويطرد الخادمة بعد ان يدفعها خارج المنزل، لتعود وتتهمه، مع زوجها العاطل، بأنه السبب فى فقدانها الجنين وتقاضيه.
وخلال الفيلم نكتشف، بتمهل مقصود من صناع العمل، المعاناة النفسية التى يعانيها المواطن الإيرانى، معاناة مع ضميره الدينى حين نجد الخادمة الكاذبة ترفض القسم على القرآن فى جلسة ودية، ومعاناة زوجها العاطل البائس، ومعاناة طفلة تكتشف كذب والدها على المحكمة مؤكدا أنه لم يعرف أن الخادمة كانت حامل، ويعترف أمام ابنته بالحقيقة، فنجد الطفلة فى معاناة نفسية قاسية تؤدى بها فى النهاية إلى الأعترف بجرم ابيها أمام القاضى ليواجه عقوبة الحبس، معاناة طبقية نلحظها فى الفيلم حتى وإن جاءت بين السطور وفى ثنايا الكادرات. حنين مستتر ايضا نلمحه من ديكور المنزل الذى تدور فيه أغلب المشاهد من خلال بعض الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود المعلقة على الجدران، لقطات ممرات المحاكم المكدسة، المستشفيات الفقيرة، تعنت القضاة وغياب روح القانون، التحقيق مع أطفال، وهى كلها رسائل خفية مشفرة يمررها المخرج لمن يهمه الأمر.
ويختتم الفيلم بمشهد للطفلة صاحبة الأحد عشر عاما وهى أمام القاضى الذى يسألها مع أي الوالدين ترغب أن تعيش، ينتظرها والديها فى الخارج متباعدين، وتنزل تيترات الفيلم متملهة ونحن نتابع ترقب الواليدين. ولا تملك بعد سيطرة الظلام على الشاشة سوى التفكير فى مصير هذه الفتاة وتكمل السيناريو بنفسك.
"انفصال" فيلم ثورى بصوت خفيض، وربما هذا ما يفسر رفض السلطات الإيرانية الإحتفاء بالفيلم. لأنهم أدركوا الرسالة متأخرين، لكنهم يعون من زمن بعيد مدى تأثير الفن على المجتمعات وقدرته على إحداث التغيير التراكمى. وفى مصر نجد التيارت السياسية الإسلامية تمنع عرض الفيلم داخل جامعة القاهرة بحجة أنه مناهض للحجاب ويدعو للفكر الشيعى وللعلمانية والفجور !!، وهى كلمات تثير الضحك بقدر ما تستفز الدموع، وتذكر بذكرى ثورة قامت للمناداة بحرية الرأى والتعبير وأنتهى بها المطاف مقتولة على قارعة الطريق.
                                                نشر فى أخبار النجوم 21-3-2012
١٧‏/٠٣‏/٢٠١٢ 0 comments

انتبه .. السينما ترجع إلى الأمام

أحمد بيومى - أفلامجى
وحده الحنين من قاد الفيلم الفرنسى "الفنان" لحصد النصيب الأكبر من جوائز الأوسكار، الحنين إلى السينما الخالية من الضوضاء والمؤثرات الصوتية الصاخبة فجاء الفيلم صامتا كاشفا عن تفاصيل حياتية يومية نمر بها دون أدنى اهتمام. حنين إلى عصر السينما الخالصة الصافية فأكتفى مخرجه باللونين الأبيض والأسود معريا زيف كثير من الألوان التى تصدمنا أعيننا كل صباح. حنين إلى عصر السينما حين كان الممثلين والممثلات نجوما بحق كنجوم السماء وحين كان المنتج السينمائى بالضرورة ثقيل الوزن لا يفارقه السيجار الغليظ أينما كان.
فلم يكن مستغربا أن يحصد الفيلم الفرنسى "الفنان" خمسة من جوائز الأوسكار من بينها جائزة أفضل فيلم، ليس فقط لأن الفيلم برمته صامت بلا أدنى جملة حوار، ولا بسبب تصوير الفيلم بكامله بالأبيض والسود. فقط لأنه مغامرة فنية كبرى، ولأن الفن فى جوهره مغامرة، جذب إليه القلوب قبل العقول وأستطاع أن يثرى خيال كل عشاق الفن السابع حول العالم أجمع. 
قصة الفيلم شديدة البساطة والثراء فى آن. تبدأ الأحداث فى عام 1927.. نرى ممثل ونجم من كبار نجوم الفيلم الأمريكي الصامت يدعى جورج فالنتين، ينتقل من فيلم إلى آخر، يفرض شروطه والمنتجون في ذلك العهد يستجيبون له، فهو "معبود الجماهير". ننتقل إلى عام 1929، حينما بدأت هوليوود تتجه الى الفيلم الناطق.. الأمر الذي يقاومه بل ويرفضه فالنتين رفضا تاما، لأنه لا يعتبره فنا _كان هذا موقف شارلي شابلن لسنوات طويلة بعد دخول الصوت إلى السينما، فقد ظل يخرج الأفلام الصامتة حتى عام 1940 في فيلم "الديكتاتور العظيم"_ وربما من أشهر جمل شارلى شابلن "أن الحوارفى السينما خيانة".
ودون أن ندرى يقودنا الفيلم إلى التسأول عن ماهية الفن، والعلاقة ما بين التجارى والفنى، وهل التقنيات الجديدة فى عالم صناعة الفن تدمر ما قبلها، ونجد البطل فى حالة حيرة ما بين الأستسلام وبين الرفض والثبات على موقفه. وأثناء أفتتاح أحد افلامه يقابل فالنتين فتاة جذابة تطلق على نفسها "بيتي ميللر" تتميز بخفة الظل والقدرة على الحركة، تستغل وجوده وتظهر في عدد من الصور معه لتلفت الأنظار إليها، فهي ممثلة ثانوية تتطلع إلى النجومية في هوليوود، فنجدها فى اليوم الثانى تحتل غلاف مجلة variety وتىحاول لفت انتباه صناع الأفلام إلى أن تنجح فى الحصول على دور الكومبارس أمام بطلنا.
ويتدور الأيام، وتصبح هه الممثلة نجما صاعدا فى سماء السينما الناطقة، وبطلنا يبدأ فى بيع مقتنيات منزله، بعد أن تجاوزه العصر وأصبحت طريقته في الأداء لا تجذب جمهور السينما الجديد، وبسبب احجامه عن اقتحام مجال الفيلم الناطق لأن "الجمهور يأتي لكي يتفرج علي وليس لكي يستمع إلي". وسرعان ما تتراكم عليه الديون، ولا يظل مخلصا له سوى سائقه "كليفتون" الذي يرفض الانصراف بل ويصر لفترة على انتظاره بسيارته الفاخرة يوميا أمام منزله، وكلبه الصغير المخلص الشجاع الذي ينقذه من الموت بعد أن كاد أن يختنق مع احتراق منزله بعد أن حطم في نوبة غضب عارم، كل جوائزه ومقتنياته، ثم أشعل النار في شرائط أفلامه القديمة كلها يأسا من استعادة نجوميته. فى كل تلك التفاصيل الغنية نجد دائما شعورا بالحنين إلى مفردات عصر كامل ربما أندثرت بلا عودة.
"بيتي ميللر" لازالت تحمل فى قلبها حبا وتقديرا كبيرا، وتراه أكبر داعميها وأول من مد إليها يد العون، ونكتشف بعد ذلك أنها قامت بشراء كل مقتنيا بطلنا عندما عرضها للبيع استعدادا لردها إليها حين نتصلح الأمور وتتبدل الأحوال، ويدفعها الحب وحده إلى العودة لانتشاله الى الحياة من جديد.
الفيلم ومنذ البداية يضعنا أمام مأساة شكسبيرية _ باتت_ تقليدية، النجم العظيم الذى يتحول _رغما عنه_ إلى فقير يواجه صراعه النفسى الداخل قبل صراعه مع العالم المحيط. وفي الفيلم الكثير من المشاهد التي تحاكي ما سبق أن رأيناه في أفلام أخرى كلاسيكية شهيرة خاصة "متروبوليس" لفريتز لانج، و"المواطن كين" لأورسون ويلز، كما أن هناك بعض النغمات الموسيقية المقتبسة من الأفلام الصامتة القديمة، في إشارة تقدير وتحية إلى هذه الأفلام التي لعبت دورا في تشكيل وعينا ووعي المخرج الفرنسي.
المخرج الفرنسى ميشيل هازنافيسيوس لم يتوقف فقط عند محاكاة أفلام هوليوود الصامتة بل ابتكر الكثير من المشاهد الطريفة التي تضفي على الفيلم حياة خاصا مثل ذلك المشهد الذي يدور اثناء الحلم في عقل الشخصية الرئيسية (فالنتين) الذي يحلم بدخول الصوت إلى عالمه الصامت.. حيث يصبح لريشة وهي تسقط صوتا ضخما، فينهض من نومه مفزوعا. إلى جانب حركة كاميرا مختلفة لم يكن ممكنا أن نراها خلال مرحلة الأفلام الصامتة.
الممثل الفرنسي الكبير جان ديجاردان الذي قام بدور فالنتين لفت انتباه الجميع بحضوره القوي وقدرته على التنويع والانتقال _دون أدنى جمله حوار_ من الفرح إلى الحزن مرورا بالغضب والدهشة والحب ويأس من يحاول الأنتحار.
التحدى الأكبر فى فيلم "الفنان" كان القدرة على الأبتكار والخيال وتعقب التفاصيل الصغير التى نتوه عنها جميعا أثناء الركض اليومى لمتابعة أمور الحياة الصاخبة. ولعل أغلب المشاهدين، عدا المتخصصين، لم تسنح لهم الفرصة يوما لمشاهدة فيلم صامت، ولم يكن يتوقع أحدا فلى عصر تقنية الـ 3d والحديث عن تقنيات جديدة أكثر تطورا ان نشاهد فيلما، بالأبيض والأسود وبلا جملة حوار واحد لقرابة الساعتين داخل دور العرض وليس فى نوادى السينما المغلقة أو من باب السينما التجريبية.
الناقد الكبير أمير العمرى كتب قبل اشهر طويلة عن الفيلم أثناء عرضه فى فعاليات مهرجان كان السينمائى قائلا: "أما أفضل الأفلام من وجهة نظري من حيث التعبير السينمائي والإخلاص لفن السينما في أصله وأساسه الأولى (وهو رواية قصة بطريقة جذابة مبتكرة) فهو الفيلم الفرنسي "الفنان". فهذا فيلم كامل متكامل لا يمكنك سوى أن يستولي تماما على المشاعر والوجدان ولا أبالغ إذا ما قلت إنه بالنسبة لي "التحفة" الوحيدة في المسابقة حتى الآن. لكني مع ذلك أستبعد أن تمنحه لجنة التحكيم السعفة الذهبية كونه فيلما صامتا (يحاكي السينما الصامتة ويستعيد تقاليدها حرفيا)، ومصور بالابيض والأسود، ورغم كونه من الانتاج الفرنسي إلا أنه ناطق بالانجليزية، وأقول ناطق تجاوزا، فليس في الفيلم كلام بل عناوين مكتوبة تظهر على الشاشة من وقت إلى آخر على نحو اللوحات التي كانت تظهر في الأفلام الصامتة"، وبالفعل لم يحصد الفيلم سعفة كان الذهبية وعائد بعد اشهر ليستحوذ على نصيب الأسد من جوائز الأوسكار. وبعد نيل الفيلم لجوائز الأوسكار كتب أمير العمرى على موقعه الشخصى قائلا: أخيرا.. فيلم "الفنان" عمل شجاع أيضا لأنه يهجر الصوت المجسم ويدير ظهره لتقنية الفيلم ثلاثي الأبعاد، والشاشة العريضة، لكي يعود إلى عصر البراءة الاول.. عصر السينما.
من جانبها ترها الناقدة السينمائية ماجدة موريس أن فيلم "الفنان" تجربة فنية استثناية قد تكون غير قابلة للتكرار فى العالم، وتقول: "الفيلم مردة الأساسى شخصية المخرج الفرنسي ميشيل هازنافيسيوس المعجب للغاية بالسينما الأمريكية القديمة، وهذا واضح من أعماله السابقة عندما قدم بعض اعمال الجاسوسية على النمط الأمريكى ولكن بأسلوب المحاكاة الساخرة لأفلام الجاسوسية القديمة أيضا "من الستينيات خاصة أفلام جيمس بوند التي قام ببطولتها شون كونري" والتي تحمل عنوان "أوه إس إس 117" OSS117. وقد اختار هذه المرة أن يجعل فيلمه يدور على نمط الأفلام الأمريكية الصامتة، وقد صوره بالألوان ثم حوله إلى الأبيض والأسود".
وتضيف: الأكثر أهمية فى "الفنان" هو حجم الإبداع المقدم من قبل الكاتب والمخرج، والصراع الخفى بين الفن الخالص الأصيل وعصر التكولوجيا وخاصة من التقدم المستمر فى لغات التعبير السينمائى إلى جانب النبش فى كثير من القيم التى ربما باتت مفقودة هذه الأيام ومن أهمها قيمة الحب والأعتراف بالجميل.
وتستطرد قائلة: على المستوى المصرى فالبطبع نحن لم نشهد فيلما صامتا بهذا المفهوم المقصود به محاكاة السينما الصامتة القديمة، بل شهدنا بعض التجارب الصامتة حيث يستخدم الصمت كوسيلة تعبير وليس على شاكلة فيلم "الفنان"، ومن المعروف أنه كلما تم اختزال الحوار داخل الفيلم زادت قيمته الفنية".
                                       نُشر فى أخبار النجوم 15-3-2012
0 comments

حصان الحرب .. والحب

أحمد بيومى -أفلامجى
من جديد يعود المخرج الأمريكى الأشهر ستيفن سبيلبرج إلى أجواء الحرب، بعد أن قدم رائعته "إنقاذ الجندى راين" عام 1999 ونال عنه جائزة أوسكار افضل مخرج، يحن سبيلبرج هذه المرة إلى أجواء الحرب العالمية الأولى، ويقدم عمل سينمائى شديد التميز بعنوان "حصان الحرب" والذى تم ترشيحه لأكثر من جائزة أوسكار. "حصان الحرب" يروى قصة حصان يدعى جوى يملكه فتى يدعى ألبرت، يضطر والده إلى بيع الحصان إلى أحد الظباط، وينتقل الحصان إلى ملكية أكثر من شخص مستعرضا أحداث الحرب العالمية الأولى، إلى أن يعود من جديد إلى صديقه الأول ألبرت.
وربما أكثر ما يميز "حصان الحرب" هو حالة الحب التى نراها فى كل مشهد من مشاهد الفيلم، حتى فى المعارك الدموية نرى تفاصيل تشع بالرومانسية والحنين. مع المشاهد الأولى حين نشهد ولادة الحصان جوى، نتتبع علاقة مهر صغير مع والدته، تعلميه المشى والركض. نظرات والد البرت حين يلمح الحصان معروضا للبيع فى أحد المزادات، ويؤمن بإختلافه عن أى حصان سبق وأن رآه فى حياته، ويقرر شراؤه حتى وإن كلفه ذلك آخر مليما فى جيبه. ويسرد سبيلبرج تطور العلاقة بين آلبرت وجوى فى مشاهد رائعة مليئة بدفئة وحنين يشوبها ترقب وخوف. ويتطور الأمر إلى أن يضطر الوالد إلى بيع الحصان لأحد الظباط المتجهين إلى الحرب. ومع انخراط جوى فى صفوف الجيش، تنشأ علاقة حب وصداقة بين الحصان "جوى" وحصان آخر يدعى "توبثور"، صداقة تدفع "جوى" فى إحدى المعارك إلى التبرع لأخذ دور "توبثور" لجر احد المدافع التى كانت كفيلة بالقضاء عليه. وتدور الأحداث إلى أن يقع الحصان بين يدى فتاة بريئة تعيش مع جدها وتفتقد والديها الذين رحلا عن الدنيا عندما قاوموا بعض الجنود فى أحد الحروب، وتقع الفتاة فى حب الحصان، إلى أن يقع الحصان مرة أخرى فى قبضة الجنود ويذهب للحرب على الجبهة.
وبمهارة فائقة ينقل إلينا تفاصيل معركة حربية بين الجيش الأنجليزى والألمانى، معركة مليئة بالتفاصيل الإنسانية شديدة الغنى والثراء. ويقود القدر الحصان "جوى" إلى المنطقة المحظورة بين الجيشين، وتعيقه السلاك الشائكة حتى لا يقدر على الحراك. وفى مشهد ربما هو من أفضل مشاهد العام السينمائى، يتقدم جندى انجليزى رافعا الراية البيضاء فى محاولة لتخليص الحصان، وسرعان ما ينضم إليه جندى ألمانى حاملا قاطع للأسلاك. ويدور حوارا إنسانيا بين الأثنين وينجحان فى فك أسر "جوى" ثم اللجوء إلى عملة معدنية لتحدد إلى أي المعسكرين سيذهب الحصان، فيقوده القدر مجددا إلى المعسكر الأنجليزى. يتبادل الأثنين التصافح، وهدية تذكارية، مذكرين بعضهم أنه فى غضون نصف ساعة ستبدأ المعركة من جديد .. وربما يقتل كل منهم الآخر.
وفى المعسكر الأنجليزى يجلس آلبرت معصوب العينين بعد إصابته فى إحدى المعارك، ويسمع أحاديث عن الحصان، الحب وحده يدفعه للشعور أن وحده "جوى" القادر على إثارة كل هذا الصخب. يطلق آلبرت النداء السرى بينه وبين "جوى"، يأتيه الحصان. ووفقا للقانون لم يكن مسموحا للجندى بالأحتفاظ بالحصان فيذهب من جديد للمزاد، فيشتريه جد الفتاة التى أحبت الحصان لقاءه مبلغ خيالى، وعندما يعلم بقصته مع ألبرت يهديه إليه بلا مقابل، ليعود ألبرت وجوى إلى مزرعتهما حيث بدأت الحكاية.
"حصان الحرب" فيلم تناول الحرب فلم يقدم إلا عن الحب، واثبت أن الأنسان يملك الكثير من التفاصيل أكثر أهمية من تملك مزيد من الأراضى أو إقتناء بعض الأموال.
                                                      نُشر فى أخبار النجوم 15-3-2012
١٠‏/٠٣‏/٢٠١٢ 0 comments

رأفت الميهى وطارق البشرى


فيلسوف الفانتزيا .. رأفت الميهى
 أحمد بيومى - أفلامجى
منذ سنوات طويلة، قد تماثل عمرى نفسه، حين عشقت السينما وعلمت أنها دربا من دروب السحر فى عالم بات بلا سحرة، أدركت تميزه وأختلافه. وربما كان هو السبب الرئيسى فى إدراكى أثناء سنوات الطفولة المبكرة بمهنة الإخراج، وحين كان المدرس يسألنا عن أحلامنا حين نكبر، وكانت الإجابات النموذجية تدور فى فلك الطب والهندسة والطيران وما يتعلق بالسلاح، كنت أجيب مخرج، لا لشئ سوى عشقى لما يدور داخل ذلك الصندوق السحرى أو القاعة الضخمة المظلمة.
رأفت الميهى، فيلسوف الفانتزيا، الذى ظل دائما نموذجا فى سينما التجريب، سينما تبحث فى قلب الوجود وتنقب عن خبايا الإنسان أينما كان. سينما تدفعك إلى التفكير، والتحرر من قيود العقل، وترسم عن وجهك ابتسامة دامعة، وتقدر أن تحول دفة حياتك _برمتها_ رأسا على عقب. ما فائدة السينما إن لم تغير العالم؟. رأفت الميهى مخرج من زمن تعامل الهواة المحبين، الذين يسعون إلى التجويد والإجادة، ينشدون استخدام كل مفردات السينما كفن وصناعة، لتجسيد العالم كما يرونه: رومانسيا بسيطا، أو واقعيا معقدا. وفى الحالتين كان الجمهور يقبل على الفيلم، يدعمه بالقروش التى كان يشترى بها تذاكر دخول السينما.
الميهى الذى يرقد حاليا فى المستشفى بعد إجراء جراحة فى القلب، لم يسعدنى الحظ أن ألتقيه، وإن سعيت فى الفترة الأخيرة لإجراء حوارا صحفيا معه، ليس من باب السبق، فهو بعيد كل البعد عن الشو الإعلامى الزائف، فقط لتبن كيف يفكر الآن، وكيف يرى المستقبل، القريب منه والبعيد. وعلى أى حال، دارت بيننا عشرات المكالمات الهاتفية حين استعين به لرسم تفاصيل مشهد، أو تنوير طريق نعتقد جميعا أنه يتهاوى. وأنا ادعو له بالشفاء العاجل، تذكرت المكالمة الأخيرة التى دارت بيننا حين سألته فى حالة ما قرر الكتابة عن شخصية متعلقة بثورة يناير، أجاب دون تردد، وكأنه أنتهى بالفعل من السيناريو، قال: طارق البشرى.  
وكأنه بحار عجوز يبشر ملاحيه بالشاطئ قبل أن يروه، أخبرنى الميهى بالنص أن طارق البشرى هو "المسئول عن خراب البلد"، وذكرنى بالسنهورى، وكيف أن الزمن الخبيث يعيد نفسه، ولم يخفى عنى دهشته من أفعال البشرى / السنهورى، وعن احترامه السابق لتاريخه وكتبه الشجاعة. وسألنى، بلهجة طفل يكتشف الكون، لماذا انقلب البشرى على تاريخه وقرر محوه بالكامل؟ لماذا تحول _فجأة_ لصالح المجلس العسكرى والإخوان المسلمين؟، ما العلاقة التى تربط هؤلاء جميعا؟. أنهال رأفت الميهى على بالأسئلة ولم نملك سويا سوى الحسرة وتلميم بقايا حلم.
٠٤‏/٠٣‏/٢٠١٢ 0 comments

سينما الغضب

أحمد بيومى - أفلامجى
فى عصر من العصور، عاش آباءنا عصر السينما، حين كانت دار العرض السينمائى المظلمة مسرحا للأحلام، وطقسا من طقوس الطبقة المتوسطة. فى عصر السينما كان من الطبيعى أن تقرأ فى مجلة "صباح الخير" عرضا نقديا كتبه رءوف توفيق لفيلم "زوربا اليونانى" نقلا عن حوار دار بينه وبين سائق تاكسى فى شوارع القاهرة. لم يكن مستغربا أن تجد فيلم "رجل وامرأة" لكلود ليلوش ظاهرة ثقافية فى مصر، ثم تنخرط فى جدل واسع كالذى أثاره فيلم "حذر من آت للعشاء" لستانلى كرامر، كونه من أوائل الأفلام الأمريكية التى تناولت موضوع العنصرية فى المجتمع الأمريكى من منظور ناضج إنسانى.
فى عصر السينما، كانت سينما مترو تعرض "انفجار" لأنطونيونى، و"العسكرى الأزرق" لرالف نيلسون، و"2001 أوديسا الفضاء" لستانلى كوبرك، وسينما قصر النيل تعرض "ساتيريكون فيللينى" للعبقرى الإيطالى فيللينى، وكانت سينما رمسيس تقدم "حورية المسيسيبى" لفرنسوا تريفو، وسينما روكسى تعرض "طفل روزمارى" لرومان بولانسكى، وسينما حديقة النصر تعرض "القابلات للمس" لروبرت فريمان من السينما البريطانية الجديدة.
فى عصر السينما، كنت تشهد تكوين الجمعيات الثقافية للأدباء والتشكيليين والسينمائين فقد ظهرت مثلا مجلة "جاليرى 68" تعبيرا عن فكر مجموعة من الأدباء والتشكيليين الشباب الذين يطرحون أفكارا جديدة. وتكونت جماعة "جماعة السينما الجديدة" عام 1968، من مجموعة كبيرة من خريجى معهد السينما والسينمائين الشباب الذين كانوا يطالبون بسينما جديدة مختلفة تعبر عن تطلعات وطموح الناس، مع تبنى أشكال تعبير طليعية تتخلص من القوالب التقليدية الجامدة. وكان لسان حال هذه الجماعة صفحتان داخل مجلة "الكواكب" أتاحهما للجماعة المثقف والكاتب الكبير رجاء النقاش، رئيس تحرير الكواكب فى تلك الفترة. فى عصر السينما كنت ترى تصدى فتحى فرج رئيس تحرير "مجلة الغاضبين" بكل قوة وعنف على أعوان السينما القديمة المتهالكة وتبشيره ودعوته إلى سينما جديدة.  كانت الجماعة تضم بين من ضمتهم، أسماء مثل على عبد الخالق ومحمد راضى ورأفت الميهى وداود عبد السيد، ومحمود عبد السميع وسعيد الشيمى، وسامى السلامونى وسمير فريد ويوسف شريف رزق الله وخيرية البشلاوى، وابراهيم الموجى وأحمد راشد ونبيه لطفى .. وغيرهم.
أما الآن، ومع دخول عصر السينما لغرفة الإنعاش فى الثمنينيات وإعلان وفاتها رسميا فى التسعينات بظهور موجة "المضحكون الجدد"، وإنهيار الطبقى الوسطى حطب السينما ووقودها، ووفود أفواج محملة بالـ "لا ثقافة" من خلف البحر الأحمر، وعلو نبرة التحريم والتكفير والتقييد، ألم يحن الوقت لإستعادة نشاط السينمائيين الغاضبين. ألا يستحق كل ما يدور من حولنا، ومن خلف ظهورنا، وأحيانا أمام أعيننا، قدرا من الغضب. إن لم يهب اللوبى المصرى السينمائى الأن، بكل طوائفه، مخرجين وكتاب ومصورين ونقاد، مدافعين عن مصدر من مصادر التنوير والمقاومة ونقد السلطة، فمتى. هل علينا الأنتظار حتى تتحول سينما مترو إلى فرع آخر من فروع محلات الأحذية وأدوات المطبخ؟؟  
السينما قالت
فى فيلم "زائر الفجر" للمخرج الراحل ممدوح شكرى عام 1972، جاءت عبارة على لسان أحد الأبطال تقول: "البلد دى ريحتها فاحت .. عفنت .. بقت عاملة زى صفيحة الزبالة .. لازم تتحرق.
                                                                 نُشر فى أخبار النجوم (1-3-2012)
 
;