٢٢‏/١٢‏/٢٠١١ 0 comments

كلمات علاء الأخيرة



رأيتك يا صديقى فى منامى، مرة بعد مرة، رأيتك يوم 25 يناير وانت متجه إلى ميدان التحرير غير مصدق العدد الهائل المحيط بك والذى يردد نفس هتافك "الشعب يريد إسقاط النظام"، لمحتك يا صديقى يوم موقعة الجمل بعد أن غادرت التحرير لنيل قسطا من الراحة فى غرفتك التى وصلت من خلالها إلى كلية الطب، سمعت صوتك العذب عندما رحل المخلوع وانت تدندن "تنكسرى ولا يتصلب عودك .. انا جندى فى جنودك" لمنير، وتحلم بمستقبل تداوى به نزف الوطن قبل جراح مرضاك. شعرت بدموعك تلامس كفى يوم سالت دماء أخوتك أمام ماسبيرو، تماما كما سقط شهداء محمد محمود. قرأت يا صديقى بعض أسطر كتاباتك، تلك التى دونتها إلى إبنك الذى حلمت به، فقط لتروى له قصة تفخر بها.
رحلت يا صديقى إلى مكان أفضل، وحمدا لله إنك لم ترى من يرقصون الآن فوق جثتك، من يتهمونك بالبلطجة والعمالة والخيانة وقلة الأدب، من لم يكفهم الدم المسال ويرغبون فى اغتيال سمعتك وسمعة من سقطوا بجانبك، من يصفك بطفل شوارع. ماذا نقول يا صديقى حين يسألون عنك؟ وبأى ذنب قتلت؟.
حريق المجمع العلمى أنطفأ بعد أن اضاع تاريخ لا يمكن تعويضه، وحريق قلبى لن يخمد حتى لو راح دبيبه. هل انت يا علاء وأصدقائك من المتظاهرين الثوار من يحرق مصر؟، هل الطبيب يحمل بين يديه معول الهدم، أم مشرط الدواء؟، هل درست يا صديقى صناعة قنابل المولوتوف، أم حقن الدم؟.
أرثيك يا صديقى فى يوم ميلادك، اليوم _الأحد 18 ديسمبر_ تُكمل عامك الثالث والعشرون. تُرى ما كانت أحلامك؟، ما كانت كلماتك الأخيرة؟، اتخيلها يا صديقى تماما ككلمات سبارتكوس الأخيرة التى نقلها لنا أمل دنقل:

يا قيصر العظيم: قد أخطأتُ .. إنى أعترف
دعنى _على مشنقتى_ ألثم يدك
ها أنذا أقبل الحبل الذى فى عنقى يلتف
فهو يداك .. وهو مجدك الذى يجبرنا أن نعبدك
دعنى أكفر عن خطيئتى
أمنحك _بعد ميتتى_ جمجمتى
تصوغ منها لك كأسا لشرابك القوى
.. فإن فعلت ما أريد
إن يسألوك مرة عن دمى الشهيد
وهل تُرى منحتنى "الوجود" كى تسلبنى "الوجود"؟
فقل لهم: قد مات .. غير حاقد على
وهذه الكأس _التى كانت عظامها جمجمته_
وثيقة الغفران لى
يا قاتلى : إنى صفحت عنك ..
فى اللحظة التى استرحت بعدها منى
استرحت منك !
                                               نشر فى أخبار النجوم 21-12-2011
0 comments

منير الثورة .. الدم كله حرام


إن كنت ممن مروا فى ميدان التحرير طوال الـ 18 يوما حتى رحيل المخلوع، فلا شك قد لمحت مجموعة من الشباب يفترشون الأرض فى حلقة دائرية وينشدون إحدى أغانيه. وإن كنت من محبيه، لا تنكر دموعك التى انسالت، فى ليلة مقمرة، وانت جالس وحيدا تستمع إليه وهو يصرخ "مانرضاش يخاصم القمر سماه". ولو سمعت صديقا يتحدث عن نيته للذهاب إلى الملك، لن تندهش، لقبه الأشهر، ومرجعه إلى مسرحية قدمها فى آواخر الثمانينيات حملت أسم "الملك هو الملك" وغنى وقتها موال الصبر وقال "لسه الخيانة سايرة فى الأفلاك". ابن النيل لقبه الآخر، وللنيل غنى "بيحب صوت الناس وغُنى البنات بالليل .. بيكره الحراس لما تدوس بالخيل". وفى حال وقوعك فى الحب مرة _أو أكثر_ ربما أهديت حبيبتك نشيده العاطفى "حبيبتى يا حبيبتى .. غصب عنى مش بخاطرى .. ياللي ساكنه فى خواطرى"، واكتشفت بعد مرور الأيام أنه ينشد لوطنه وحبه الوحيد.

الحلم
الحديث عن منير قد يخلو من أي منطق زمنى؛ لكن البداية حملت البشارة. الفتى الأسمر النحيل، القادم من النوبة، المتشبع بصمت الوادى، حين كان الغناء هو السبيل لكسر هذا الصمت، يهاجر إلى القاهرة بعد أن تُغرق بحيرة ناصر قرى النوبة وتُهجر أهلها. قصة عاشها منير، وعاشها مئات الآلآف غيره ممن اضطروا إلى الهجرة _داخليا وخارجيا_ سواء كانت بحيرة ناصر السبب أو غيرها. فهل كانت الصدفة وحدها كفيلة بإدراج الغربة فى كلمات ألبومه الأول عام 1977؟. الألبوم الذى حمل أسم "علمونى عينكى" جاء بـ 10 أغنيات حملت جميعها مفردات الغربة والعذاب والحنين إلى الأم / الأرض، "علمونى عنيكى أسافر .. علمونى أفضل مهاجر"، "أمانة يا بحر تستلم الأمانة .. أحبابنا يا بحر فى عيونك أمانة"، "قول للغريب حضنك هنا"، "فى عنيكى غربة وغرابة"، "دنيا رايحة ودنيا جاية"، "يا عذاب النفس .. واخدنى لفين"، "آه يا بلاد يا غريبة .. عدوة ولا حبيبة"، "الرزق على الله"، وختم منير ألبومه الأول قائلا: "مسكينة حبيبتى السمراء .. دى أميرة وطاهرة وصابرة .. دوامة الدنيا خدتنى .. ورجعت أقول يا أما". تلك الكلمات، التى كتبها عبد الرحيم منصور ولحنها أحمد منيب وهانى شنودة _وهؤلاء من كان لهم دور رئيس فى تشكيل شخصية منير الفنية والثقافية_ كلمات وألحان وموسيقى تجاوز بها سنه الحقيقى، وفاجأة الجميع ولفت أنظار المثقفين والصحفيين، وإلى جانب الكلمة لا يجب أن نغفل مظهره الجديد، المتخلى عن تقاليد المطربين فى تلك الحقبة الزمنية، وبخاصه شعره الفوضوى وطريقه إمساكه بالميكروفون.
والمتتبع لمشوار منير يلحظ غياب نبرة الشعور بالغربة بعد ألبومه الأول، ربما البدء فى تبنى وجهة نظر أخرى تفيد بأن كل شبر من مصر أرضه ووطنه وعنوانه، فتجده بعد عدة أعوام من مكوثه فى القاهرة وتحديدا عام 1981 فى ألبومه "شبابيك" يقول "الكون كله بيدور .. وإحنا وياه بندور .. اليوم بحر نعديه .. ع اللي إحنا بنحلم بيه"، وبعدها بسنوات يقدم "تعالى نلضم اسامينا"، ذاكرا ومذكرا، كل محافظات مصر، بتنوعهم وتكاملهم الثقافى. ويعلن على الملئ أن عنوان وبيته ومسكنه ووطنه هو الشارع "الشعب حبيبى وشريانى .. اهدانى بطاقة شخصية .. الأسم الكامل إنسان .. الشعب الطيب والديا".

الطفل
حتى عندما يقدم منير عملا فنيا للطفل، فتجده يزرع جينات المقاومة والعناد والحلم فى قلب كل جنين، فربما جيل بالكامل أعتاد الإفطار فى رمضان أمام التلفزيون ليس لشئ سوى الإستماع لصوت منير وهو يغنى للطفل المصرى الأسمر الجميل بكار..
من صغره وصغر سنه عارف معنى أنه
من قلبه وروحه مصرى .. والنيل جواه بيسرى
تاريخ أرضه وبلاده .. بيجرى جوه دمه
***
شمس بلادك وجدودك بتسمى على حواليك
شمس بلادك وجدودك بتبوس يا صغيرى إيديك
الكون مفتوح قدامك ابدر جواه احلامك
هات رشتك هات ألوانك .. وأرسم ع الأرض مكانك
وربما الشاخص بنظره بعيدا عن السطح، يجد علاقة بين تلك الأغنية التى تربى عليها جيلا بالكامل، ونفس الجيل _بعد سنوات_ الذى ملأ ميدادين مصر مرددا "خبز .. حرية .. عدالة إجتماعية"، هل تلك الأغنية البسيطة _التى بثها التلفزيون الرسمى للنظام_ كان لها دورا؟. هل عندما غنى منير أغنية على لسان طفل صغير مخاطبا جدوه قائلا: "جدو احكيلي حكاية سعيدة فيها ألغاز ومغامرة مفيدة .. مش معزاية وديب وعصيدة .. حدوتة أهضم بيها عشايا .. عايز حاجة عن الصواريخ أو معلومة عن المريخ .. مش شيتا وطرزان وأميرة راح تجرى وريا"، هل كان يحرض الطفل الصغير على العصيان؟، هل كان يمرر رسالة يعلم أن الزمن كفيل بكشف ألغازها وأسرارها واختمارها مع مرور الأيام لتحقق الغاية والمنشود.

المُحرض
لا يخلو حوار صحفى أو تلفزيونى مع محمد منير إلا ويأتى الحديث عن التحريض، من قبل الثورة ومن بعدها، ودائما ما يؤكد أن دوره بعيد كل البعد عن التعليق على الأحداث، بل التمهيد والتنوير والتحريض. "ليه تسكتى زمن .. اتكلمى، ليه تدفعى وحدك التمن"، "اتحدى لياليك يا غروب"، "طول عمر العسكر عسكر .. بس الناس كانت ناس"، "قيدى النور يا بهية .. كل العسكر ........"، "ألف لا ولا ولا .. على دمعة في عيونك أو آه"، "اتكلموا"، "انا لسه قادر فى الحزن افرح"، "لو بطلنا نحلم نموت"، "قلب الوطن مجروح"، "اسكن بيوت الفرح آه ممكن .. اسكن بيوت الحزن لايمكن"، "قلبى برج حمام .. هج الحمام منه". منير الذى غنى "مين يقص بإيده الورد .. يجز بقصد جناح عصفور" لم يكن مستغربا بعد ساعات من إنطلاق الشرارة الأولى لثورة 25 يناير _غير المسبوقة فى تاريخ الإنسانية_ أن تجد أغنية جديدة معبرة لمنير فى قلبي الميدان، والأشد أهمية أنها لم تأتى تعليقا على الحدث بل كانت جاهزة قبل قيام الثورة، مثلها كمثل كل حبات أعماله التحريضية.
فى مشوار منير التحريضى محطات شديدة الخصوصية، من بينها تحريضه الصوفى الرائعى فى ألبوم "مدد يا رسول الله"، حين قال منير منبها ومحذرا "الدم كله سواء .. حرام بأمر الله". كذلك يفكر منير، يستبق الأحداث ويغنى للإنسانية، وأسلوبه هذا خير حافظ لفنه على مر العصور وتغير الأمزجة، منير محرض على الحب والسلام وحقن الدماء.
ولم ينسى منير القضية الأهم، فلسطين، فوضعها نصب عينه قبل سنوات بعيدة بُعد مشواره الغنائى نفسه، فتجده يقول "واحنا بنغنى فى كل مكان أغانى الشعب وثوراه .. وأصغر طفلة فى فلسطين شاله بالكف حجارة .. وغايتنا نعمر ليكو البيت يالعمارة العمارة". منير خلال مشواره _ومنذ البداية_ تجاوز عن الخاص الضيق وانطلق إلى البراح الفضفاض. فغنى للإنسانية كلها، حتى أن الجميع يعلم فى بعض شوارع أوربا يتم ترجمة أغانى منير وتوزع على محبيه وعاشقى فنه.

حدوتة مصرية
وربما من أهم محطات منير التحريضية على الإطلاق مشواره الخاص مع الراحل - الباقى يوسف شاهين، فمنير كان حنجرته، ولعله منير هو المطر الوحيد الذى يقدم أغنية ضمن أحداث فيلم، وبعد سنوات تصبح الأغنية أشهر من الفيلم نفسه، وتتجاوز لتصبح ضمير أمة وذاكرة وطن.
"ما نرضاش يخاصم القمر السما .. ما نرضاش .. تدوس البشر بعضها .. ما نرضاش .. يموت جوه قلبي نداء .. ما نرضاش .. تهاجر الجذور أرضها .. ما نرضاش.. قلبي جوا يغني واجراس تدق لصرخة ميلاد .. تموت حته مني الاجراس بتعلن نهاية بشر من العباد .. دي الحكمة قتلتني وحيتني وخلتني أغوص في قلب السر .. قلب الكون قبل الطوفان ما ييجي خلتني أخاف عليك يا مصر .. واحكيلك على المكنون .. مين العاقل فينا مين المجنون .. مين الي مدبوح من الألم .. مين اللي ظالم فينا مين مظلوم .. مين اللي ما يعرفش غير كلمة نعم .. مين اللي محنيلك خضار الفلاحين غلابة .. مين اللي محنيلك عمار عمالك الطيابة .. مين اللي ببيع الضمير مين يشتري مين يشتري بيه الدمار .. مين هو صاحب المسألة والمشكلة والحكاية والقلم .. رأيت كل شيء وتعبت على الحقيقة .. قابلت في الطريق عيون كتيرة بريئة .. أعرف بشر عرفوني لأ لأ ما عرفونيش .. قبلوني وقبلتهم .. بمد ايدي لأ طب ليه ما تقبلنيش .. لا يهمني اسمك لا يهمني عنوانك لا يهمني لونك ولا ولادك ومكانك .. يهمني الانسان ولو ما لوش عنوان .. يا ناس يا ناس هي دي الحدوته .. حدوته مصرية".
ليست مجرد كلمات، أو غنوة عابرة بل نشيد وطنى شعبى تحريضى فى حب الوطن وفى رفض بيع الضمير، خطاب تحريضى ضد التمييز والتفرقة على أساس العنوان واللون الحسب والنسب، ضمير شعب يدرك أن أطفال الشوارع "ولو مالوش عنوان" جزء من الوطن، ومسئولين منه وإن أخطائوا.
وعندما يطرب منير فى إحدى حفلاته أغنية "على صوتك بالغنا" أمام عشرات الآلآف، يدركون جميعا _ومن خلفهم ملايين_ أنهم يخاطبون المستقبل والحلم_وأحيانا_ الخوف والكابوس. "ولو فى يوم راح تنكسر لازم تقوم .. واقف كما .. التخل باصص للسما"، الإعلاء من قيم التحدى والصمود صفى غالبة فى بورتريهات منير الغناية، فهو _كما نشعر_ صوت الشارع المصرى ونبضه. وعندما يقدم مع شاهين فى نفس الفيلم أغنية أخرى، لا تقل عن الشابقة ويقول" يا عشاق الحياة .. جمر الهواء جوه القلوب والع .. لو غاب قمر .. مليون قمر طالع"، ويقتل فى الفيلم بعدها بحجة أن الغناء حرام.
"يبقى المصير فى اليد" رسالة من منير إلى العالم أجمعين، رسالة ليختار كل إنسان مصيره، تماما كما أختار منير. الملك الذى قرر ألا يموت، وأن يظل حاضرا دائما فى ضمير كل من استمع إلى فنه.

                                              نشر فى أخبار النجوم 21-12-2011
١٦‏/١٢‏/٢٠١١ 0 comments

مقام سيدى صفار


أحمد بيومى
ما من بناء فى القاهرة القديمة إلا وتروى حوله الحكايات، وتجد أضرحة لمشايخ وأولياء مجهولين، اسم كل منهم سيدى الأربعين، لا يعرف أحد على وجه التحديد من هم، ومن أين جاءوا. وبعد تتبع عددا من الكتب المتخصصة اهتديت إلى تفسير مفادة أن أسطورة إيزيس وأوزوريس تقول أن إله الشر ست قتل أوزوريس ومزق جسده إلى أربعين قطعة، دفن كل منها فى منطقة من الوادى، وأن إيزيس راحت تبكى دامعة، وهى تحاول جمع تلك الأجزاء، ومن دموعها فاض النيل ومازال يفيض، الأسطورة القديمة بقيت فى الضمير، وعبرت عن نفسها فى أزقة المدينة الكبيرة وحواريها، المدينة التى ورثت كل المدن وحكايات بلا حد.
وكما انتقلت هذه الأسطورة إلى ضمير العقل الجمعى المصرى، ترسخت فى قلب الروائى أسامة صفار فى روايته "مقام الرمال"، وتماما كما عشقت المدينة عشق هو الحكايات، غوى صفار سرد الحواديت التى تحول بعضها _ربما_ إلى أساطير. الأسطورة الأولى تتعلق بشخصه، فتجده يقول فى السطور الأولى من عمله الأدبى رفيع المقام: "ربما لم يحدث أن عشت هذه الحياة، أو ولدت من الأصل، أو ربما ولدت وتوفانى الله بعدها بدقائق، وظللت حزنا كبيرا فى قلب والدى، يتجلى على صورتى؛ التى لا أزعم أنى رأيتها؛ لكن الآخرين نقلوها لى". يتخلى صفار _منذ البداية_ عن أى قارئ عابر غره صغر حجم النص الأدبى ويظن أنها رواية سابقة التجهيز سهلة المضغ. العمل يستهدف _فى الأساس_ قارئ يشارك الكاتب الحكى ورسم التفاصيل ومد الخطوط على استقامتها، كل حسب ما يرى.

ولأن فى البدء كان الشعر، كان أسامه شاعرا. ليس فقط بسبب طرحه الأدبى الأول فى هيئة ديوان شعرى حمل أسم "مشهد ليلى"، لكن بسبب مقامه الجديد، فتجده يقول: "عينان واسعتان تطلان من خلف نقاب أسود يصنع بياضهما مع سوادهما، والعباءة السوداء التى تغطى صاحبتها بالكامل، مشهدا مخيفا .. قالت: كيف حالك أيها المجنون. لم أضحك .. لامس الصوت أقصى نقطة فى الذاكرة؛ ومس بكارة الأسئلة .. غادة؛ قصتى الأخيرة". خصوصوية لغوية فريدة تحملها "مقام الرمال"، ما بين الشعر والنثر، ربما لغة الحلم.
"مقام الرمال" الصادرة عن دار روافد، نص أدبى قرر كاتبه أن لا يموت، وأن يظل مقامه مرحبا بمريديه الذاكرين الداعين إلى حب الحياة، وحب الذكريات والتفاصيل. "مقام الرمال" عمل يستحق أن يضاف إلى المكتبة، ولا أملك أدنى شك فى لفت الأنظار إليه مع مرور الأيام وتبدل الأحوال.

                                                         نشر فى أخبار النجوم (15-12-2011)
١٣‏/١٢‏/٢٠١١ 0 comments

ليه ماجتيش بدرى


للفنان النيويوركى المجدع إدوارد هوبر
انتى ليه ماجتيش بدرى ؟
قبل ما أكبر
وقبل العمر ما يجرى
قبل شبابي ما يتحول صور
قبل ما أنام وأنا ببكى
ليه ما جتيش بدرى ؟
مش غريبة اقابلك دلوقتى
بعد ما بطلت أحلم
أو أرسم
أو أحكى
بعد ما همى بقى كنزى
ليه ما جتيش بدرى؟
قبل الحزن ما يكون صاحب
قبل ما أدارى الشعر الشايب
وقبل الفرح ما يصبح ذكرى

                   ###

إهداء إلى التى هى لن تعرف نفسها وأبدا لم تأتى بدرى
0 comments

ليه؟



للفنان ابن مدينة نيويورك ادوارد هوبر

اختى العفريتة بتسألنى من كام يوم
وبكل براءة مش قصدها اى لوم
حمادة .. ليه بطلت تخرج زى زمان
وليه موبايلك دايما مقفول
وانت كان عندك موبينيل وفودافون
وليه بطلت تفسر أحلام
وبالمناسبة
مش كان نفسك تعمل أفلام
وليه كل ما تبوسنى
دقنك تشوكنى
وليه فى الأجازات على طول بتنام
ليه يا حمادة حساك غلبان
وفين أصحابك
وليد وكريم ورانيا وريهام
حتى السينما مش بتروحها
وبطلت تجبلى ألوان
وبطلت ترسم
مش كنت زمان رسام
حمادة حمادة
بتعيط ليه؟
١٢‏/١٢‏/٢٠١١ 0 comments

إعلام توفيق عكاشة


فى الشهر الذى نحتفل به بمئوية أديب نوبل نجيب محفوظ، نتذكر _رغما عنا_ محاولة اغتياله فى اكتوبر 1995 بعد أن طعنه شاب لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته _المثيرة للجدل_ أولاد حارتنا. وفى اعترافات الشاب أثناء التحقيقات ذكر أنه لم يطلع على الرواية لكن أحد الشيوخ كان قد أباح دم نجيب محفوظ مما دفعه _كغيور على الإسلام_ فى التخلص من أحد الكفار!.
وخوفا من أن يعيد التاريخ كتابة نفسه، سؤال يظل مطروحا معلقا باحثا عن إجابات دون جدوى، لماذا الصمت على ممارسات قناة "الفراعين" وتحديدا رئيسها توفيق عكاشة. الأغلبية الكاسحة أصبحت تتعامل مع توفيق عكاشة بإعتباره نكتة وعرض كوميدى فكاهى فى نهاية يوم شاق، لكن تناسى الجميع إحتمالية تأثير شخص مثله فى قطاع عريض يتعامل مع من يظهرون على شاشة التلفاز بإعتبارهم من العالمين ببواطن الأمور. وربما تميز عكاشة بلغة سهلة مختلفة غير مقعرة وركيكة، جذبت إليه قطاعات مختلفة واسعة، تنصت إليه، وتتفاعل معه، وتستجيب، بدليل ميدان العباسية الذى يصف نفسه فيه بـ "قائد ثورة التصحيح". عكاشة يسب ويشتم ويدعى كيفما شاء، دون أن يلقى أدنى إنذار أو تحذير أو حتى لفت نظر. وعلى الجانب الآخر نجد قنوات فضائية ومقدمى برامج تمارس ضدهم مختلف أنواع الضغوط.
وعلى سبيل المثال للإسفاف، عندما يتعامل عكاشة مع ملف الرئاسة المصرية تجده يشترط على الرئيس القادم أن يكون على دراية بعملية "تزغيط البط". وعند تعامله مع الإعلام تراه يشرح فى حوالى 18 ساعة المؤامرة الأمريكية الصهيونية الماسونية لإغتياله معنويا، وكيف أن الإعلام الأمريكى يتآمر عليه كونه خطرا على الدولة الأمريكية. ناهيك عن قناعاته بأن السنة الميلادية تحمل 13 شهرا وليس 12 فقط كما نعتقد جميعا. إلى جانب إتهامه لمبارك ونظامه بأنهم عملاء للماسونية، بعض النظر عن تقبيله لأيدى صفوت الشريف من قبل. وعند حديثه عن الولايات المتحدة يؤكد أن أوباما يجلس الآن أسفل سريره خوفا منه، إلى جانب وصفه لثوار التحرير بأنهم متعاطين لحبوب الترامادول المخدرة.
لا أحد مع المنع والإغلاق والتلجيم والضغوط، لكن الجميع ضد الإسفاف والإدعاء والتحريض. وحتى لا تتحول النكتة إلى كابوس، والمزحة إلى جريمة قتل، على جميع الأطراف المعنية التعامل مع النكتة بشكل جاد حقنا للدماء.
0 comments

مدينة النواصى


النواصى عندى أحد مصادر الحنين، والخوف، والتوق، كل ناصية تعنى التقاء طريقين، وكل طريق يؤدى إلى طريق، وكل طريق يعنى المضى إلى غاية، إلى مصير، ولا يمكن للإنسان أن يمضى إلى أكثر من طريقين فى وقت واحد، إما هذا، وإما ذاك، ومن هنا تصبح النواصى لتفرق المصائر وتلاقيها، والسعى إلى المجهولأحيانا، من هنا ينشأ الخوف، أما التوقف فيبدأ عند لقاء من نحب، واللقاء يعنى فراقا، فمجرد بدئه يعنى العد التازلى للوصول إلى نهايته.
مدينة نيويورك مصممة على شكل قطع شطرنج، تتقاطع الشوارع، ولهذا تتعدد النواصى، من واحدة إلى أخرى، ربما لهذا السبب يجرى الناس فى مشيهم، لحركة البشر خصوصية فى المدينة شاهقة الارتفاع، متعددة الاجناس، ولأن كل من يحل بناصية أنه عابر وليس مقيما، لذلك اعتبرتها مدينة غرباء، الكل فيها عابر، ما من مقيم.
                                                               من كتاب مدينة الغرباء .. مطالع نيويوركية
                                                                جمال الغيطانى
٠٩‏/١٢‏/٢٠١١ 0 comments

حوار مع سائق الميكروباص

نشر فى موقع البيت الكبير خلال يوم من أيام شهر مايو 2011 

لم اهتم كثيرا بنظرة سائق الميكروباص الذى يقلنى من مدينة أكتوبر إلى وسط العاصمة، فقد لاحظت النظرة الطويلة التى سلطتها على عنوان الكتاب الذى أحمله، "أنت تفكر .. إذن أنت كافر". وكونى جاره الوحيد لمدة ساعة ونصف كاملة حيث حرصت على مضاعفة الأجرة حتى لا يشاركنى شخص آخر المقعد _الذى لا يتسع فى الأصل سوى لشخص واحد_، فتح هو باب الحوار بعد أن أخفض من صوت الشخص الذى ينتحب على الدنيا والزمان، وقال: هو الكتاب ده عن ايه يا باشا؟". نزعت عن أذنى صوت فيروز _الحل الوحيد للمحور وميدان لبنان_ وأجبته ...
الكتاب تأليف أردنية تُدعى سلوى اللوبانى ويتحدث فى الأساس عن الهموم التى تحيط بالمبدع العربى، وحاولت فيه أن ترصد علاقة المبدع بمحيطه سواء سياسيا أو أقتصاديا أو أجتماعيا، وكيف أن مصير الكثير من المبدعين كان المرض أو الأنتحار أو القتل. والتجاهل المتعمد الذى تقوم به الدولة فى حياته ومن ثم تكريمه بعد وفاته، والمعاناة التى لاقاها كثير منهم فى سبيل مبادئهم وكلمتهم خلف القضبان. نظر إلى السائق نظرة طويلة مما دفعنى لمراقبة الطريق بدلا منه وقال: "انت قصدك يعنى صلاح جاهين؟، بس الدولة مالها وماله، مش هو مات بعد النكسة"، اعتدلت فى الكرسى وقلت: "جاهين تأثر كثيرا بالنكسة، لكنه فى الحقيقة مات عام 1986، لكن بالطبع جاهين واحد من المبدعين الذين تعرضوا لأزمات نفسية حادة بسبب محيطهم، وليس هو فقط بل أيضا ناجى العلى الذى هاجر مع عائلته من فلسطين عام 1948، وقتل على يد شاب مجهول فى لندن، أو الشاعر قاسم جبارة الذى أطلق على نفسه الرصاص ليتخلص من حياته. وسألته هل تعرف ما آخر ما كتب قاسم قبل وفاته. نظر إلى نظرة صامتة. فتحت الكتاب وقلبت أوراقه سريعا وقرأت "قبل وفاته _قاسم_ ترك رسالة لصديقه الكاتب "سعيد فرحان" رسالة مشوشة بخط مرتبك "كان ينبغى أن لا تحدث كل هذه المآسى لو أننى لم أولد يوماُ.. أو على الأقل لو لم تكن هناك لوثة فى الرأس اسمها الحواس .. لماذا كان ينبغى أن أكون شاعراً، ألكى أموت بطريقه أخرى ولكننا نتساوى جميعا فى القبر .. أبناء الأغنياء وأبناء الفقراء .. المشردون والمرتاحون فى قصورهم" قاطعنى السائق عندما وجه شتيمة قاسية لوالدة صاحب سيارة مرت من جانبه، وأعتدل _بعد سبه مرة أخرى_ وقال بنبرة المتيقن بأن من أمامه يعانى مشكلة عقلية وقال: "علشان كده الكتاب أسمه أنت تفكر .. إذن أنت كافر، الكتاب ده "لامم" كل المثقفين التى انتحروا وماتوا وهم كفرة ..." قاطعته مع نبره صوت بدأت فى العلو "لا يا أسطى، الكتاب لا يتحدث من هذا المنظور، الكتاب يفترض فى المثقف أن يكون رائدا وقائدا، ويتناول فقدان المبدع العربي لمكانته التى تليق به، فهو يعانى من الرقيب الذى خلخل الموازين فكبل إبداعه ولجم حريته فى التعبير عن آرائه. إلى جانب هذا فالكتاب يطرح سؤال غاية فى الخطورة "هل صحيح أن الدين والإبداع ضدان لا يلتقيان؟". أغلق السائق الكاست، وقام بالأستغفار وقال: "يابيه انا مش بحب الإخوان ولا السلفين، انا كل اللى عايزه أطلع بلقمة عيش حلوة، انا مش عايز حد يأكلنى خُطب، وإن كان على الدين ربنا يهدينا أجمعين، ووالله يا بيه انا كل يوم الصبح بشغل القرآن الكريم فى أول مشوار، وبعد كده بسمع أغانى، ومن كام يوم ركب زبون طويل ولابس جلابية قصيرة وقال أيه أن الأغانى حرام، فضلت أناقشه لحد نادى الزمالك بس والله ما قفلت الكاسيت، مافيش حد هيمشى كلمته جوه الميكروباص غيرى".
نظرت إليه بتبسم واجبته هذا تقريبا محور من محاور الكتاب، فرد سريعا فى دعابة: "محور ولا دائرى" وخرجت الضحكات من جميع الراكبين الذى فؤجت أنهم قرروا أن يستمعوا إلى حوارى مع السائق. وقبل أن أكمل له حديثى فؤجت به يطلق شتيمة أخرى ويوقف الميكروباص ويوجه خطابه للركاب قائلا "الجاز خلص".
٠٤‏/١٢‏/٢٠١١ 0 comments

محكمة


فى واحد من أروع مشاهد السينما المصرية فى فيلم "ضد الحكومة" لوحيد حامد وعاطف الطيب، وقف الراحل الباقى أحمد زكى فى مشهد النهاية يتلو مرافعته بأداء وكلمات ومنطق ألهب قاعة المحكمة من خلفه. وجاءت النتيجة الطبيعية من القضاء المصرى الحكيم بالموافقة على ما طلبه بإستعداء الوزراء لسؤالهم بإعتبارهم "بشرا مثلنا
وربما على سبيل السذاجة المفرطة كنت اتخيل أن هكذا تجرى المحاكمات فى بلدى، قاعة مهيبة وقاضى عادل ودفاع ونيابة وخصوم. قمة الدراما التى يمكن أن تجتمع فى مكان واحد. الكثير من الأبطال، ودوافع مختلفة _متوافقة ومتعارضة_ ومفاجآت لا حصر لها. وبطبيعة الحال، تم نسف هذه الصورة الحالمة من خيالي بعد مشاهد محاكمة القرن للرئيس المخلوع وأعوانه. قمة الفوضى وعدم الوعى والسعى وراء كاميرات الفضائيات والتأكد من نطق الأسم الثلاثى للمحامى بصورة واضحة سعيا وراء عدد أكبر من الزبائن. ولم أكن لأندهش لو رأيت أحد هؤلاء المحامون الكومبارس _بإبتسامة بلهاء_ يلوحون إلى الكاميرا. وكم كانت سعادتى عندما أستمعت إلى كلمات المستشار أحمد رفعت معلنا وقف بث الجلسات على الهواء كرغبة واضحة فى وقف العبث والشو
المدهش، والذى لم اشاهده فى أي من أفلام هوليوود حتى الآن، هو ارتباط قاعة المحكمة بمغامرات الأكشن. كيف على بعد أمتار قليلة من صرح العدالة يقف مئات من أنصار مبارك فى وجه مئات آخرين من عائلات الشهداء والمصابين وعدد من ممثلى القوى السياسية، وتنشب بينهم معركة يسيل بسببها الدماء. والأكثر إدهاشا أن هذه الحرب الصغيرة لم تكن وليدة الصدفة، فقد قام من يسمون أنفسهم "أبناء مبارك" بإصدار البيان الأول لهم ليلة المحاكمة مؤكدين أن على أستعداد لبذل كل غالى ونفيس وإراقة الدماء فى سبيل "القائد الأب"، وأكدوا أن ما حدث فى الجلسة الأولى كان مجرد رسالة تحذير بسيطة وأن القادم مهولا _وقد صدقوا_ ونفذوا ما وعدوا به
وكأنه فيلم من أفلام المقاولات، تجد أسماء محفوظ وغيرها من النشطاء السياسين أمام النيابة العسكرية، بتهمة الكتابة وإبداء الرأى على صفحات الفيس بوك وتويتر
0 comments

فوبيا الإرادة الشعبية

نشر فى أخبار النجوم 25-8-2011

يواجه الإعلام تحديا جديدا يوما بعد يوم. ولأن الخبر فى حد ذاته _الصحيح منه_ يسهم فى المحافظة على توازن المجتمع وتقدمه واستقراره. وبالتالى أصبحت رياضة مطاردة الأخبار هواية عند الكثيرين ممن تعتمد حياتهم بشكل أساسى على المعلومات
والأسبوع الماضى كان وبلاشك مثير إلى أقصى حد، توترات على الحدود المصرية - الفلسطينية، زحف للثوار إلى طرابس وتحقيق أنتصار مذهل لازلنا فى حاجة لمعرفة المزيد عن خباياه وأسراره، حديث تلفزيونى مستفز لبشار الأسد، مظاهرات حاشدة أمام السفارة الأسرائلية وظهور "سبايدرمان" المصرى، مؤشرات قوية تتجه إلى إجراء انتخابات فى الجامعات المصرية، عودة حوادث تصادم القطارت ومصرع العشرات، وشلل فى المحافظات بسبب أزمة البنزين
ووسط هذا الكم الهائل والمرعب من الأخبار والأحداث والتطورات، لم تتبلور بعد رؤية إعلامية قادرة على إعادة تدوير المعلومات ووضعها فى إطارها الصحيح ورسم تحليل موضوعى للخبر. وخير دليل على ذلك هى القصة الخبرية المتعلقة بالشاب أحمد الشحات الذى دفعه الفضول للذهاب إلى كوبرى الجامعة حيث المظاهرات التى تطالب بطرد السفير. الشحات عندما قرر تسلق 21 طابقا حاملا علم مصر وإنزال علم أسرائيل كان محملا بفيض هائل من المشاعر الإيجابية ولا يرغب سوى _كما قال_ برسم البسمة على وجوه الناس فى مصر. وبشكل شخصى، لا استطيع إنكار القشعرة والسعادة التى اجتاحتى بعد سماع الخبر
ما يثير فضولى هو تعامل الإعلام مع ما أسموه "البطل أحمد الشحات". هل ما أقدم عليه الشحات يعتبر "بطولة" أم "تهور". هل بالفعل _كما جاء فى إحدى القنوات الفضائية_ ما فعله الشحات بمثابة عبور جديد لخط بارليف وانتصار على الكيان الصهيونى
سؤال: فى حالة ما كان أمن السفارة قد تعامل بأي شكل من الأشكال مع أبو حميد، هل يستطيع أحد تخيل السيناريو؟؟؟
ج: سيناريو كارثى
سؤال آخر: هل أصيب الإعلام بفوبيا الإرداة الشعبية؟
ج: بلا شك، فالإعلام المصرى أصبح همه الأول والأخير إرضاء الجميع، دون النظر إلى المصلحة العامة، ودون تحليل وقراءة للأحداث بشكل جيد
الإعلام الآن فى أمس الحاجة إلى الجلوس على مائدة الإجتماعات ومناقشة خطة العمل، ووضع رؤية عن الأهداف المنشودة فى الفترة الحالية. والكف فورا عن هواية مطاردة الأخبار أينما وكيفما كانت
0 comments

الستات مايعرفوش يكدبوا



لا اعلم تحديدا السر وراء شغفى بمتابعة برنامج "الستات ما يعرفوش يكدبوا" الذى يعرض يوميا على شاشة سى بى سي ربما اسم البرنامج الذى استفزنى كرجل نظرا ليقينى بأن الكذب صفة أساسية من صفات بنات حواء، أو ربما كونى حديث الزواج فأسعى بكل ما أوتيت من قوة لمعرفة كل الحيل والألاعيب التى تتقنها كل نساء الأرض. لكن الأكيد هو جاذبية حديث كل من مفيدة ومنى وأميرة _مقدمات البرنامج_ اللاتى تشعر بمنتهى البساطة إنك تجلس وسطهم فى الأستديو تناقش وتحاور وتختلف وتحتد وفى النهاية تبتسم
ربما التنوع والأختلاف والبعد عن النمطية سواء فى الحوار أو الأخبار وتحليلها أو حتى التقارير الخارجية شديدة التميز هو السر وراء بريق البرنامج. فالبرنامج لا يقتصر على مناقشة قضايا نسائية بعينها لكنه يستقبل ضيوف لهم علاقة مباشرة بالحياة اليومية للمواطن فى مصر. كالحلقة "الكمين" التى استضافوا من خلالها محافظ الجيزة على عبد الرحمن وتمت مواجهته بكم هائل من الأسئلة والتقاير واتصالات المشاهدين ليجد المحافظ نفسه محاصرا ولا سبيل أمامه إلا قطع الوعود. وبطبيعة الحال، لم تعد مسألة قطع الوعود أمام المواطنين أمرا هينا. وبالفعل لم تمر سوى أيام وتابعت على إحدى الفضائيات أعمال السيطرة على البائعة الجائلين ورفع أكوام القمامة وتسير حركة المرور بشكل طبيعى فى منطقة الجيزة. وهذا المنطق الإعلامى هو المطلوب فى المرحلة المقبلة، منطق الحث على البناء وإعطاء الفرص وانتظار المردود
قبل أيام شاهدت حلقة شديدة الأختلاف من البرنامج حيث تنكرت مراسلة البرنامج ولعبت دور المتسولة. فى البداية بملابسها الطبيعية كفتاة من طبقة راقية اضطرتها الظروف إلى السؤال ومرة أخرة كفتاة بسيطة لا تملك مليما. وخلال عشر دقائق استطاعت أن تجمع ما يزيد عن 50 جنيها فى مفاجأة لكل من شاهد التقرير إلى جانب من قام على إعداده أيضا. والتقرير يعتبر تحقيقا تلفزيونيا من المقام الأول يمكن البناء عليه والأستفادة منه كثيرا وكثيرا، حيث تجد رجلا يساعد المتسولة بـ 10 جنيهات، وسيدة لا تملك سوى ثلاثة جنيهات تصر على إعطاء الفتاة جنيهين مما تملك. ويمكن لعلماء الأجتماع البناء على هذا التقرير التلفزيونى وطرح السؤال البديهى: ماذا حدث للمصرين؟ هل لازالت الشهامة والجدعنة المصرية الأصيلة متواجدة فى الشارع عند القادر وعند البسيط؟
والمدهش فى برنامج "الستات ما يعرفوش يكدبوا" هو سرعة التطوير الذى يلحق بالبرنامج. فما أن استشعر صناعه نجاحه السريع إلا وسريعا وضعوا خططا جديدة للتطوير مثل إضافة فقرات ثابتة لتوسيع قاعدة المشاهد. فتجد فقرة قانوينة، وأخرى فنية، واستثمار لنجاح الداعية الإسلامية فى رمضان إيناس مصطفى فتجد لها فقرة ثابتة، وفقرة لقراءة الصحف والمجلات، ولأن البرنامج نسائى إلى حد بعيد فتجد فقرة الصحة والجمال إلى جانب الفقرة المفضلة لى شخصيا وهى فقرة المطبخ
وأخيرا، ربما يحتاج البرنامج إلى توسيع أكبر لقاعدة الضيوف للهرب من خطر التكرار، وصياغة أفكار جديدة دائما للحلقات والتقارير الخارجية حتى يحافظ على المكانة التى وصل إليها ويتجاوزها
0 comments

مهرجان جوتة للمستقبل

نشر فى أخبار النجوم 3-11-2011

كم كانت سعادتى عندما دعانى أحد الأصدقاء لحضور فعاليات مهرجان جوتة للفيلم القصير، وهو المهرجان الذى حرصت على حضور فعالياته فى الأعوام السابقة. سعادتى تضاعفت عندما جلست داخل القاعة الصغيرة الأنيقة ورأيت العشرات ممن أضطروا إلى إفتراش الأرض والوقوف على اقدامهم لمشاهدة أعمال عدد من ممثلى مستقبل مصر السينمائى دون أدنى مبالغة. وربما أحد المتغيرات التى طرأت على المهرجان هذا العام هو حضور وزير الثقافة الدكتور عماد أبو غازى إلى القاعة متخليا عن البدلة الرسمية مكتفيا بقميص فضفاض وبنطلون وكلمة قصيرة مقتضبة. بطبيعة الحال عرض المهرجان أفلاما قادمة من مختلف الدول، لكنى أرغب فى التوقف عند بعض الأفلام المصرية
فيلم "كريم" التسجيلى الذى تناول قصة كريم سايس السيارات أمام أحد مطاعم الأكل الشهيرة، وحياتة قبل وبعد الثورة. وإيمانه بأن التغيير شئ إيجابى للبلد مع رفضه النزول إلى ميدان التحرير وقت الثورة لأنه فى حاله إشتراكه كان سيسرق الثوار وهو الأمر الذى رفضه، لكن السرقة هى حرفته. عمر الشامى مخرج الفيلم استطاع خلال دقائق معدودة رسم بورتريه صادق إلى حد الصدمة، ومضحك إلى حد البكاء، ورسم أمل و خلق حلم وسط كابوس نراه يوميا فى شوارعنا لكننا نخشى تأمله أو حتى القرب منه. كريم الذى يتمتع بصوت غنائى أفضل كثيرا من عشرات الأصوات التى على الساحة، ويرتدى تيشرت يحمل شعار اليونسيف إلى جانب عبارة "إيد على إيد .. نبنى مصر من جديد"، يدرك تماما واقعه ويضع سقفا لطموحاته وكل أمله فى الحياة هو الوجبة الدافئة ومستقبل به قدر قليل من المخاطر
فيلم آخر يجب التوقف عنده وهو "أشغال شقة" للمخرجة مى الحسامى، عن سيدة تعمل فى تنظيف البيوت مقابل أجر زهيد لكنه يتيح لها القدر الأدنى من طعام الأطفال وإيجار الشقة _وهو الأهم_، بعد أن أصبح حمل الأسرة ملقى على كتفيها لحبس زوجها فى قضية إتجار فى المخدرات ترى أنه بريئا منها، وأن الظابط قد لفق له الأمر برمته فزوجها فقط مدمن ومتعاطى. هذه السيدة تحمل نفس مشاعر "كريم"، الخوف من قادم الأيام، ترقب المجهول، الصراع _محسوم النتيجة_ بينهم وبين المستقبل. الفيلم يلمس المشاعر بطريقة متسللة، وتجد نفسك قد قابلت هذه السيدة يوما من الأيام لكن _وكالعادة_ لم تنتبه. سيدة تصارع المرض اللعين وتضطر إلى إستصال قطعة من لحمها، تسعى طوال اليوم عبر مواصلات القاهرة التى لا تعرف الرحمة للحصول على قوت اليوم. ورغم كل هذا تشعر أن بداخلها رضا وإقنتاع وإيمان يقينا هو من جينات المصريين

"سلاحنا" للمخرج زياد حسن ربما هو المحاولة الأكثر مثالية لخلق فيلم قصير، فهو يتناول بصورة بصرية خالصة، وبكثافة حوارية متناهية، حياة فنانى الجرافتيى فى مصر وطريقتهم الخاصة فى التعامل مع الواقع الى يرفضوه. تلك الرسومات التى تجدها منتشرة فى كل شوارع مصر، وتحمل رسائل قد لا تحتملها الكثير من الصحف والفضائيات. سلاح الفن هو كل ما يملكه هؤلاء الشباب الذين لا يعرفوا سوى الطرق المباشرة للتعبير دون لف ودوران. فتجدهم فى منازلهم يحملون الصور ويجهزون الألوان مستنكرين منتقديهم بتلويث الشوارع قائلين "على أساس أنها نضيفة"، وينزلون إلى الشارع لكتابة "يسقط حكم العسكر" وطباعة قلب أحمر يتوسطه مبارك والمشير
0 comments

مجدى الجلاد

نشر فى أخبار النجوم 15-9-2011

حلقة استثنائية وخارج السياق قدمها رئيس تحرير الزميلة المصرى اليوم من خلال برنامجه الجديد "لازم نفهم". أهم ما أقدم عليه مجدى الجلاد أنه حلق بعيدا عن السرب، وابتعد عن كل ما يثار حاليا فى الإعلام المكتوب والمرئى من قضايا تتعلق بشكل أو بآخر بالثورة، وأختار أن يستضيف اللواء سامح الكيلانى من الإدارة العامة لمكافحة المخدرات ليواجه بواحد من أهم الملفات التى تؤرق الحياة فى مصر وهى تجارة المخدرات التى يعلم القاصى والدانى أنها أصبحت فى متناول الجميع



وبطبيعة الحال، هذه الحلقة لم تكتسب صفة التميز فقط بسبب إختيار موضوع مغاير _وإن كان هذا يكفى_، بل بسبب الإعداد عالى المستوى الذى قدم تحقيقا تليفزيونيا من قلب شوارع القاهرة لتجارة المخدرات. ومن شاهد هذا الفيلم القصير الذى يمكن صانعوه من التقدم لأحد مهرجانات السينما المستقلة، سيعلم مدى الجهد والمخاطرة التى وضعها صناع البرنامج على عاتقهم لإعداد هذا التقرير وإخراجه إلى النور مع إستخدامهم كاميرات مراقبة سرية وتعاملهم المباشر مع تجار مخدرات
حلقة مجدى الجلاد كانت بمثابة الصدمة الكهربائية التى يصطدم بها المريض فى غرفة الإنعاش عله يفيق ويعود إلى الحياة. مفاد الحلقة أكد أن المخدرات أصبحت أسهل كثيرا من الحصول على السجائر. ومن خلال اتصالات المشاهدين تم تحديد أماكن بعينها لكبار تجار المخدرات أمام اللواء المسئول عن وضع حد للتدهور الخطير فى هذا الملف الذى يهدد كل عائلة مصرية
وكالعادة حاول الجانب الرسمى متمثل فى اللواء سامح الكيلانى التأكيد أن مشكلة المخدرات مشكلة عالمية ولا يوجد بلد تمكن من القضاء تماما على تجارة المخدرات. الأمر الذى كان الجلاد مستعدا له فواجه بعدد من الإحصاءات الرسمية عن حجم التجارة. على سبيل المثال، حجم تجارة المخدرات فى مصر 18 مليار جنيه أى ما يعادل 79% من دخل قناة السويس و41% من الاستثمار و82 من حجم حوالات المصريين بالخارج، وتعد مصر فى المركز الثانى إفريقيا فى تجارة وزراعة المخدرات وهى تحسب فى مصاف الدول المكتفية ذاتيا.
واستضاف الجلاد عددا من المدمنين سواء السابقين أو الذين لازالوا يتعاطون المخدرات ليدقوا الجرس من جديد بذكرهم وقائع مرعبة عن ما يمكن أن تفعله المخدرات بالمدمن لدرجة تصريح أحدهم بأنه حدث بالفعل وقام مدمن بأصطحاب زوجته لتجار المخدرات نظير الجرعة التى يتوق إليها
فى الأيام الأولى لثورة 25 يناير، ووسط سيل النكات التى أطلقها المصريون خرجت نكتة تفيد بأن السبب الرئيسى لقيام الثورة هو قلة الحشيش فى البلد، فى إشارة إلى الحملة المكثفة للحد من المخدرات والتى شعر بها أغلب من يهتمون بأمور المخدرات. والآن يقول نفس هؤلاء الأشخاص أن المخدر فى المتناول ويمكن الحصول عليه عبر الهاتف ليصلك اينما كنت، وربما الدفع بالتقسيط. لست من هواة نظريات المؤامرة وتحميل جهاز الشرطة ما لايطيق ولكن على الجميع النظر إلى المشهد المصرى من أعلى نقطة يمكن الوصول إلى إليها لتتضح الصورة كاملة متكاملة من جميع الأطراف
وأخيرا، كتبت فى هذه المساحة ولأكثر من مرة رفضى لما سميته "فوبيا الإرادة الشعبية"، ودعوتى لكبار الإعلاميين بالخروج عن السياق ورفض عبارة "الجمهور عايز كده"، وهذا ما فعله مجدى الجلاد الذى قدم درسا فى الإعلام التلفزيونى الذى يجب أن يكون فى عصر ما بعد الثورة
0 comments

جونى .. عكاز رحيلى

أحمد بيومى - أفلامجى
قبل شهور بعيدة زارنى فى مكتبى المتواضع صديق قديم يرافقه شخص يسعى للتعرف على عدد من الصحفيين. أهدانى جونى ألبومه الجديد والذى حمل اسم "مطر عطشان" وأخبرنى بعض التفاصيل عن حياته وفنه وحلمه بأسلوب دمث رقيق. أذكر هذا الآن لأقدم أعتذارا لجونى. أعتذار له بسبب كم الأحداث التى تحيط بنا ونجد أنفسنا مجبرين على متابعتها والركض ورائها متناسين واحدا من أهم أدوار الصحافة وهو أكتشاف المواهب وتقديمها للقارئ. أعتذارى الذى تأخر كثيرا جاء بعد أن أهدانى جونى عبر الإيميل أغنية جديدة تحمل اسم "تانجو" وهى نواة لألبومه الجديد
جونى هو نموذج مثالى للموهبة الغنائية. ويكفى أن أذكر أسماء بعض أغانيه لتدركه مدى أختلافه وتفرده، "كرسى قهوة" و"ذكريات حلم" و"رصيف روحى" و"مطر عطشان" و "عكاز روحى" وتلك الأخيرة هى المفضلة لى. جونى بأعتباره حالة غنائية _ وككل الحالات الغنائية_ ستجد تفاصيل حياتية عاشها أثرت حياته الشخصية فأنطبعت على أعماله بشكل مباشر. ولا أدعى أننى أعلم عنه الكثير فقط بعض المعلومات التى استطعت الوصول إليها مثل كونه فى الأساس طبيب، وخلال دراسته للطب فى الجامعة تعرف على تؤأمه الفنى الموهوب المبدع المغور "انطونيوس نبيل" الذى كتب ولحن أغلب أعمال جونى. وسأذكر لكم بعض الأبيات التى كتبها ولحنها أنطونيوس وغناها جونى لتشعورا بمدى الموهبة التى يتمتع بها هذا الثنائى
غريب وعايز حضنك الدافئ .. والشمس نورها كان تملي حزين .. الحلم كان أحمال على كتافى .. جايلك وماشي من سنين وسنين .. باب الحياة كان قدامى مقفول .. وفى قلبي شايل حلم كان نفسه يعيش .. بنده عليكى مهما جرحه بيطول .. بنده عليكى ليه ما بتجاوبيش .. عكاز رحيلي فى غربتى انتى .. ضحكة دموعى وسكتى انتى .. بحرى وسفينتى وصرختى انتى .. دمى اللي سايل ع الحجر انتى .. ضحك النجوم نبض الشجر انتى .. حتى الهروب وقت الخطر أنتى
أكثر ما يميز أعمال جونى أنها قصص قصيرة متنكرة فى هيئة أغانى، منتهى التكثيف والثراء فى رسم ملامح الأغنية. وصوته المعبر القوى الواثق يصل بك إلى حالة من حالات السلام النفسى وقبول دعوته فورا لدخول عالمه الخاص وتصبح صديقا لشخصياته. تماما كما فى أغنية "تانجو" عندما يصف شخصيات أبطاله بكلمات بسيطة معبرة يمكن انت تمزج انت منها حكايات "بترقصى تانجو وبترقصى صلصة .. دايما لطعم الفرح مشتاقة .. وانا رقصتى رعشة قلم خرساء .. قوليلى أزاي يا حبيبتى نتلاقى
قبل فترة ليست بالقصيرة اتصل بى مسئول عن أحد برامج أكتشاف المواهب الغنائية يطلب منى ترشيح شخص ليشارك معهم فى المسابقة، لم أتردد وأخبرته عن جونى وكونه واحد من المواهب شديدة التميز. بعدها هاتفنى جونى وأكد أن المسابقة التى رشحته لها يستهدف القائمون عليها الشهرة و الشو الإعلامى، الأمر الذى رفضه جونى لأنه واثق من حلمه وموهبته
ادعو من خلال هذه المساحة الجميع إلى الألتفات إلى موهبة أصيلة تنتمى إلى المجتمع المصرى من جذوره، موهبة تواجه يوميا أحلام عظيمة وإنكسارات قد تعصف بحلمه وبحلم كل من يريد تذوق طعم الطرب الأصيل إلى الهاوية. أعتقد أننا فى هذه الفترة الفارقة فى تاريخ الوطن نحتاج جميعا إلى فن مختلف وإلى إعلام يساعد هذا الفن ويدعمه وتحمل مشقة تمهيد الطريق إلى المستمع والمشاهد. وكل من يريد أن يستمع إلى صوت جونى وأغانيه ما عليه سوى سرقة بعض الدقائق من وقته والدخول على موقع youtube وكتابة اسمه ليجد عددا وافرا من أعماله. السلام عليك جونى وعلى أمثالك من الموهبين.
                          نشر فى أخبار النجوم 29-9-2011
0 comments

كف القمر



قبل ما يزيد عن العام، وفى أعقاب عرض فيلم "كلمنى شكرا" انتشر على اغلب الصحف والمجلات الفنية مانشيت عريض "خالد يوسف .. لقد نفذ رصيدكم". ولا أنكر نيتى الشريرة فى نبش أرشيفى ونشره كما كتب، خاصة وأن الأمر لم يختلف كثيرا مع فيلمه "كف القمر" مع فارق وحيد حرص عليه خالد يوسف وهو تأكيده فى بداية الفيلم أنه من المشاركين فى ثورة 25 يناير. أزمة "كف القمر" هى أزمة خالد يوسف، البحث عن لعب كل الأدوار، مغازلة النقاد والمثقفين والتودد لشباك التذاكر، غواية سرد الحدوتة والبحث عن الإسقاط السياسى، ومن قبل ومن بعد الخطب المباشرة والحلم الناصرى المفقود. من يشاهد "كف القمر" يجد نفسه متلبسا بتقسيم الفيلم إلى جزءين، جزء خاص بخالد يوسف وجزء آخر مغاير ينتمى لناصر عبد الرحمن.
على مستوى الأداء الدرامى يحسب لخالد يوسف إختياره لعدد هائل من الممثلين الذين يتمتعون جميعا بقدر كبير من الموهبة، لكن الطامة الكبرى أن تمتلك هذا القدر من الإمكانيات وتفشل فى إكمال اللوحة على وجه جيد _لن أقول الوجه الأمثل. وفاء عامر وهى موهبة تمثيلية رائعة، تغاطى خالد يوسف _عن سهو او قلة حيلة_ عن إدراك الأخطاء الفادحة على مستوى حركة سيدة عجوز نال منها الزمن ما طاله، والميكياج الذى جاء مضحكا لدرجة تثير الشفق. خالد صالح، وله ما له من موهبة، تشعر أن إيقاع الفيلم الذى يراه بداخله مختلف لدرجة التضاد مع رؤية المخرج، لكنه فى النهاية لا يملك سوى المثول لإرادة رب العمل. غادة عبد الرازق، رغم أنها من محاور أحداث الفيلم، حيث نرى إطلاق نار، وخطف، وزواج إجبارى، ومستشفى أمراض عقلية، وهروب للزواج من الحب القديم، وطفل فى الأحشاء ينتظر النور. وفجأة الحب الدرامى ويقضى ذكرى ما يزيد عن العشر سنوات دون أدنى اهتمام برؤية ابنه / ابنته ولا يدرك حتى اسمه، التى وللحظ السعيد تحمل اسم قمر. خالد يوسف ظلم كل الممثلين بلا استثناء، وعلى رأسهم هيثم أحمد زكى وحسن الرداد وحورية ووفاء عامر. ولا اعرف ان كان ممكنا الحديث عن المعادل البصرى فى كف القمر أم لا. ترددى مفاده لأن الفيلم بدأ بصورة تبشر بسينما بصرية حيث تم الأعتماد فى البداية على "كف اليد وصوابع خمس" وما يشير إليه من قوة وإتحاد، لكن سريعا ما عادت ريما إلى عادتها، إسراف فى اللغو وبعد كل البعد عن أي صورة فنية. وعنصر الأغنية فى الفيلم جاء مقحما بطريقة فجة وإن تمت إزالته لن يتأثر البناء الدرامى _ طبعا فى حالة وجود بناء من الأصل.
ومع عدم قناعاتى بإقحام عامل الشباك فى أي معادلة نقدية، إلا أن فى حالة خالد يوسف تحديدا _هو الفخور بإيرادات كل أفلامه مؤكدا أن الفيلم الجيد يجد الإقبال أيا كانت الأسباب_ يجب التوقف وقراءة الموقف ليس فقط بشكل آنى، حيث "كف القمر" فى ذيل قائمة الإيرادات بأرقام هزيلة، إنما التفكير فى مستقبل خالد يوسف السينمائى فى ظل أوضاع مغايرة لما قبل ثورة 25 يناير، حين كان الصوت العالى ملفتا والأداء الأستعراضى يجذب نوعية بعينها من الجمهور، وهل سيكون هذا الفيلم بمثابة المسمار الأخير فى نعشه؟.
0 comments

المراجعات الفكرية للتوك شو

أحمد بيومى - أفلامجى
قبل أيام وأنا أقلب فى مكتبتى العزيزة صادفنى كتاب قديم يتناول ما سُمى بالمراجعات الفكرية للجماعات الإسلامية، كتاب كنت قرأته قبل فترة ليست بالقصيرة فأخرجته من مكمنه وبدأت فى قراءة سريعة وتوقفت عند بعض العلامات التى سجلتها بقلم رصاص خافت. من هذه التوقفات جملة "تطبيق الأحكام من اختصاص الحكام .. الحدود .. إعلان الحرب .. الجزية" وربما كان هذا التغيير المنهجى الجذرى عند الجماعات الإسلامية بعد أعوام من العنف والتطرف _وصلت مداها بإغتيال الرئيس الأسبق السادات_ أحد أهم المتغيرات فى تاريخ الجماعة منذ نشأتها، وربما التحول المهم الآخر هو إعلان تأسيس حزب سياسى. وبينما أقلب وأطوى صفحات الكتاب فأجائتنى إحدى مقدمات برامج التوك شو الشهيرة وهى تصيح وتلوح وتهدد وتتوعد وتنذر. فدفعت دفعا للتساؤل، هل تحتاج برامج التوك شو فى مصر إلى مراجعات فكرية؟
بعيدا عن المقدمات الضرورية التى تؤكد على خطورة المرحلة وحتمية ظبط النفس ووجوب البناء لا الهدم، هل تشعر صديقى القارئ بإختلاف فى برامج التوك شو فى الأشهر الأخيرة الماضية. أتحدث بالكامل عن فترة ما بعد الثورة. المتابع الجيد لبرامج التوك شو يلحظ بعض التغير فى اغلب برامج التوك شو. ففى البداية شعر الجميع داخل الحقل الإعلامى بإنفراجة وباب واسع للحرية فتهافت الجميع لتنشق نسماته، وأثناء الهرولة وقع الجميع فى أخطاء. نماذج كثيرة وحوادث مختلفة بداية من يوم التنحى وحتى أحداث ماسبيرو مرورا بالسفارة الإسرائلية ومولد سيدنا أحمد الشحات ومحاكمات الرئيس وأزمة المعتمرين والداخلية والأستفتاء وعبود الزمر والألتراس وعشرات غيرها. فى الفترة الأولى تعامل أغلب إعلام التوك شو على أساس السرعة والسبق، وأغفلوا بقدر كبير تدقيق الخبر والتحليل الموضوعى الشامل. وأصدروا أحكاما واعلنوا الحرب وبعض القنوات قررت فرض الجزية. الآن، تسمع كثيرا فى غالبية البرامج عبارة "جاءنا خبر غير مؤكد ولن نتناوله الآن"، "لن نعرض صور شهداء ماسبيرو حفاظا على الأمن العام ومشاعر الجمهور" وهكذا
ربما فى الفترة الأولى وبعد نجاح بروفة الثورة، وغياب كامل للدور الأمنى فى برامج التوك شو نسى القائمون على هذه البرامج المسئولية الثقيلة الملقاه على اكتافهم فى ظل غياب الرقابة والمراقبة. ومن يذكر جيدا سيدرك أن قياسات الرأى العام التى أجريت قبل شهرين تقريبا كانت تشير بقوة إلى مسئولية الإعلام عن الفوضى التى يشعر بها المواطن. وأعتقد أن الرسالة كانت بالقوة الكافية لتصل إلى المسئولين عن دولة التوك شو، فأجتاحهم الشعور بالمسئولية التى تقع على عاتقهم. وعقدوا إجتماعات لفريق الإعداد لتحديد الأدوار والأهداف، وظهر على السطح الرقيب الذاتى الذى طالما نادى به الجميع فى كل المجالات بأعتباره الأفضل والأجدر لهذه المرحلة وغيرها. ومع ظهور الرقيب الذاتى رافقه ما يمكن تسميته بالتوعية السياسية الذى أصبحت ركيزة اساسية فى التوك شو هذه الأيام
هدأت النبرة فى أغلب البرامج وبدأ الأتجاه يسير نحو المعرفة، وربما بدء العملية الديموقراطية فى أغلب النقابات أشعر الجميع بالأستيقاظ المفاجئ، وأن الوقت _ولو طال_ يمر. وأن تشكيل البرلمان المصرى أصبح مسألة وقت والمترشحون بالفعل فى الشوارع والحارات. وبذكر الأنتخابات _وعودة للمراجعات الفكرية للجماعات الإسلامية_ رأيت جملة أخرى فى الكتاب الذى بين يدى تقول "على دعاه الإسلام أن يكونوا صادقين مع أنفسهم وألا يزايدوا على غيرهم" فرأيت أمامى الجماعات المختلفة التى ترفع لواء الإسلام وتسألت إن كانوا يذكرون ما قالوه قبل سنوات. دعوات وسلامات
                                                                  نشر فى أخبار النجوم 20-10-2011
0 comments

خالد صالح


ربما زحمة السير المرورى فى شوارع القاهرة هى السبب الرئيسى لكتابة هذه الكلمات. فأثناء توجهى لمقر عملى فى شارع الصحافة العريق ومروى بميدان لبنان توقفت السيارة ما يقارب النصف ساعة وسط ضجيج الأبواق وزعيق السائقين، لأجد نفسى وجها لوجه أمام صورة عملاقة لخالد صالح. وبطبيعة الحال وهربا من الواقع سرحت فى خيالى مع الموهوب فوق العادة. رأيته قبل ثلاثون عاما وهو يتجول فى أحد شوارع مصر القديمة ويتابع بكل تركيز عامل نظافة هدته الحياة لكنها لم تنتصر، وظل صامدا يواجه التراب والقمامة بأبتسامة، ورأيت وجه خالد وهو يختزن المشهد فى جزء خاص من عقله يعلم تماما أن فى هذا الجزء كنز قابع ينتظر الأستدعاء. وبعدها بسنوات، رأيته مرة أخرى أمام أحد مطاعم وسط البلد، يرقب بحذر بالغ اب بنظارة سميكة يحمل ابنته الوحيدة ويقرر الأنتصار للحياة ويقتحم المطعم بعد تردد طويل للحصول على وجبة دسمة دون التفكير فى عواقب الوجبة ماديا على مسيرة الشهر الطويل
عشرات المشاهد رأيتها تمر أمامى كمجموعة من الأفلام القصيرة يربطها فقط هذا المتابع الشغوف والمنصت الجيد لأحاسيس الناس قبل كلماتهم، وتعبيرات وجوههم قبل وداعهم. هذه المشاهد جرت بالضرورة مع خالد صالح لأن هذه الطريقة هى السيبل الوحيد الذى يمكن أن يقف وراء موهبة بقيمة وقامة خالد صالح. لا أشك لحظة واحدة أن لعبة الأستدعاء هى اللعبة المفضلة عنده. فكم من المشاهد تمر أمام الأنسان، لكن عند الممثل _وتحديدا الموهوب_ هى الوجبة المفضلة التى تشبع أرواحهم
ربما يختلط الأمر عند المشاهد عندما يشاهد هذا التنوع والثراء عند خالد صالح فى كل عمل يقدمه. وهذا المشاهد مهما بلغت درجة بساطته يعلم _بالضرورة_ أن وراء هذا التقمص والأداء الأستثنائى موهبة ربما لم تخرج كل ما فى جعبتها بعد. والأمر لا يتوقف أمام الموهبة أو المتابعة الدقيقة فحسب، بل يصل إلى النقطة الأهم وهى الأختيار
والأختيار عند خالد صالح نقطة مضافة إلى رصيده الفنى، فلا توجد عنده شخصيات تمر مرور الكرام، مهما بلغ حجم الدور أو تأثيره فى العمل، فمن منا لا يذكر دوره فى فيلم "أحلى الأوقات" الذى ربما _رغم صغر المساحة_ من أبدع ما قدم على الشاشة فى السنوات العشر الأخيرة. وكل أختيارات خالد تنم عن ذكاء فطرى وإحساس فائق بالمجتمع، حتى مع مسلسله الأخير الأنجح فى رمضان_ أعتقد أن خالد لم يتوقف كثيرا أمام شخصية الريان بإعتباره أسطورة المال، بل أهتم بالمجتمع الذى قدم تحويشة العمر لهذا الرجل. ولا أشك لحظة فى الأخيار القادم لخالد صالح الذى ننتظر منه المزيد والمزيد من الأعمال التى يمكن تناولها على اكثر من مستوى، ونقدم لها أكثر من قراءة وتحليل. خالد صالح إليك من قبل ومن بعد التقدير والأحترام. وسلامات فالطريق أصبح متاحا.

أحمد بيومى - أفلامجى
٠٣‏/١٢‏/٢٠١١ 0 comments

رسائل يوسف شاهين وهنرى بركات

(كتبت هذا المقال ليلة مذبحة ماسبيرو)
أحمد بيومى - أفلامجى
لا أعرف إن كان الأمر فقط من قبيل الصدفة أم أن القدر أختار أن يلعب معى إحدى ألاعيبه المفضلة. فبعد ليلة عصيبة على كل مصرى داخل وخارج الحدود، ومفارقة ما يقارب من 24 أخ لدنيانا، وبعد أن خاصمنى النوم وجدت نفسى ممسكا بالريموت كنترول محاولا الفرار من القنوات الإخبارية وبقايا برامج التوك شو. أصطدمت بفيلم "إسكندرية نيويورك" الذى أخرجه المصرى السكندرى الراحل الباقى يوسف شاهين. ابتسمت للقدر وقررت الأستسلام والدخول إلى عالم جو لعلى أكتشف المزيد من أسراره التى دفنها فى أفلامه ولازالت تستقبل المستكشفين المغامرين بصدر رحب.
حظى الرائع وضعنى على أعتاب مشهد حيث يقف معلم الأبن راقص الباليه بشعره الأبيض الغزير موجها خطابه إلى الأبن الى أكتشف أبا عربيا مسلما ويرفضه. ودار المونولوج على لسان المعلم ..
انت راجل انت؟ انت ابن راجل إسكندرانى؟! مش ممكن ..
إسكندرية .. (يجلس على البيانو ويلعب نغمات زورونى كل سنة مرة)
يواصل: نيويورك نفسها كانت تتمنى تبقى على مستوى إسكندرية .. فى الثقافة، فى الحب، فى التسامح. انت عارف إنى يهودى وعشت واتولدت هناك، أيام ماكانوا اليهود مضطهدين فى أوربا، كانوا اليهود فى مصر وفى إسكندرية بالذات عايشين فى منتهى الأمان. ايوا .. انا أخويا عاش هناك ومات واندفن هناك .. ومئات من أصدقاءه المصريين مشيوا فى جنازته.
يحاول الخروج من باب الشقة ويصرخ: دى آخر مرة تشوفنى فيها لحد ماربنا ياخدنى ويريحنى من العجرفة بتاعكوا دى .. ما تتكلمش معايا خالص، لو لسه فى كلام بينا يبقى تروح تتفرج على أفلام يحيى، تعرفه أكتر، وصدقنى أنت الكسبان.
انتهى المشهد، وأستقبلت رسالة شاهين التى ارسلها لى من حيث يجلس الآن. دون شعارات ودون صخب وزعيق ومزايدات ومهاترات. شاهين ابن الإسكندرية الذى قال فى نفس الفيلم فى مرحلة عمرية مختلفة على لسان بطلة محمود حميدة: "اقدملكم 3 من زمايلى كانوا بيدرسوا معايا فى فيكتوريا كولدج. فكرى اسبيريلاس، مسيحى أرسوذوكذى أرمنى. محمد على نيازى، طبعا مسلم. فريجن ألبرت، وأخته كانت أول حب فى حياتى وطبعا كانت يهودية زيه. كنت عايز اتجوزها بس أهلى رفضوا مش عشان هى يهودية بس عشان عكرى كان وقتها 12 سنة ... كان عندنا فى إسكندرية 300 ألف يهودى وأكتر من 12 جنسية، كلنا كنا عايشين مع بعض، ولما كنا بنقابل بنت حلوة ماكناش بنسألها بتصلى ازاى؟!".
بمنتهى البساطة كشف شاهين عن مصر التى لم تكن تعرف التصنيفات الطائفية او العرقية، والمتابع لإنتاج السينما فى ذلك الوقت سيدرك أن كل التصنيف الذى كان فى تلك الفترة كانت تصنيفا فكريا .. ليبرالى، يمينى، يسارى، إشتراكى، شيوعى وهكذا. شاهين الذى عاصر الزمنين، وضع يده على الجرح وتنبأ بالقادم وحذر منه. ولم يقتصر ذلك على عمل أو اثنين من أعمال شاهين بل اغلب أعمال، على سبيل المثال فيلم "صلاح الدين الأيوبى" عندما تكتشف لويزا الطيبة بالمصادفة أن الرجل الذى أصاب كيوبيد قلبه بحبها والذى يدافع عن القدس إلى جانب صلاح دين يحمل أسم عيسى العوام. فالديانة لا تنطبع على الوجوه أو على العادات والتقاليد أو حتى اللهجات.
انتهيت من فيلم شاهين وقررت الأستمراى فى اللعبة التى بدأتها دون دراية، فأخرجت أورقا قديمة كنت قد دونت عليها بعض الملاحظات وتوقفت عند عدة نقاط تتلامس من اللعبة. وجدت فى إحدى هذه القصاصات مقالا _لم يجد سبيله للنشر حتى الآن_ يتحدث عن فيلم "فى بيتنا رجل" من إخراج الكبير هنرى بركات، وكنت أتحدث عن مقدرة هذا الفيلم فى تصوير تفاصيل خاصة بشهر رمضان يشترك فيها كل المصرين، ففى ذلك الوقت كان الشهر الكريم بمثابة شهر المصريين أجمعين وليس فقط شهر المسلمين. صمت المغرب، هروب إبراهيم وقت إنشغال العساكر فى الإفطار، اللمة الأسرية على مائدة الطعام. الحجة الواهية للأخت الصغيرة لطرد الخادمة بحجة أنها تغنى فى الشهر الكريم. وأعتقد أن هذا الفيلم ربما الأفضل فى تاريخ السينما المصرية من حيث تجسيد الحالة الرمضانية على الأسرة المصرية، والجدير بالملاحظة أن هذا المخرج هو مخرج قبطى مسيحى. ومع هذا فهو أستطاع بأدواته وإحساسه ومعايشته ونقل كافة التفاصيل ليس بإعتباره الدينى وإنماء بإنتماءه إلى مصر حيث عاش ومات.
تابعت التقليب فى الورقات والدفاتر، وتذكرت على الفور الشخصية التى جسدها مصطفى متولى فى فيلم "الإرهابى"، وتحديدا عندما يظن المتطرف الدينى "عادل إمام" أن متولى يماثله فى الفكر والإعتقاد لأنه يملك تلفازا لكن زوجته لا تحب تشغيله لأنه يعرض بدع ومساخر، بل ويفكر فى ضمه إلى الحركة الإرهابية التى ينتمى إليها. وبعد أن يكتشف الأمر، وأثناء مشاهدتهم لإحدى مباريات كرة القدم التى يكون فيها المنتخب القومى طرفا، نجدهم مرتمين فى أحضان بعضهم فرحا وتهليلا بالأنتصار. ووحيد حامد كاتب الفيلم، انتصر فى النهاية إلى حب الحياة وإلى حتمية التعايش دون النظر إلى أى أعتبارات طائفية. وهذا المنهج هو السائد فى كل الأفلام التى تتناول مسائل التطرف الدينى والفكرى الذى يصل إلى حافة الإرهاب.
والسينما المصرية، بإعتبارها مرآة صادقة إلى أبعد حد ودليل تأريخى، نجدها مليئة بمئات المواقف والمشاهد والشخصيات، أمام الكاميرا وخلفها تصب جميعا فى جانب الوحدة والتسامح وحب الحياة. وعلى سبيل المثال، فى فيلم "أم العروسة" وهو فيلم محبوب من الجميع وشاهدناه جميعا عشرات المرات. نجد لفتة صغيرة قد لا يكون الكثيرون قد لاحظوها. عندما يضطر عماد حمدى لأخذ بعض النقود من عهدته الخاصة، ويجد البوليس أسفل منزلة ويصاب بالرعب على مستقبل أسرته وأبناءه. نرى صديقه _المسيحى_ يسدد عنه دينه ويدعوه للذهاب والأحتفال بزواج أبنته. مشهد عابر، لكنه يحمل رسائل بالجملة، وحياة كاملة كنا نعيشها دون النظر إلى ديانة الآخر وإعتقاده.
وأرغب فى الإشارة أن أن هناك افلاما كثيرة تناولت ملف الوحدة الوطنية بشكل مباشر مثل "حسن ومرقص" الذى لعب بطولته عادل إمام وعمرو الشريف، لكن مثل هذه الأفلام التى صُممت خصيصا لا تترك نفس الأثر الذى يتركه فيلم آخر يتناول القضية بإعتبارها إستثناء قد لا ندركه سوى بالصدفة. والدليل فيلم مثل "أمريكا شيكا بيكا" بطولة محمد فؤاد، وهو فيلم تناول قرار مجموعة من المصريين السفر والهجرة إلى أرض الأحلام أمريكا حيث الثراء السريع. وبعد سلسلة من الأحداث وموت أحد أفراد المجموعة ودفنه يصلى عليه أصدقائه لنجد عماد رشاد يصلى كمسيحى ويدعو لعم غمراوى بالرحمة. ويسأله فؤاد : "انت مسيحى؟" ويضمه فى مشهد رائع يبرهن على الوحدة الصادقة النابعة من وجدان الشخصيات وليست الشعارات.
ووسط عشرات وعشرات الملاحظات الى وجدتها فى أوراقى المتزاحمة فى درج قديم، رأيت ملاحظة من كتاب كنت قرأته قبل فترة يحمل أسم "الجبتانا .. أسفار التكوين المصرية" رواه مانيتون السمنودى وحققه على على الألفى وجاء فيه: "أن كثرة تعاقب الأديان على المصريين قد علمتهم التسامح، وأن هناك طرقا كثيرة تؤدى إلى الله".
                                                   نشر فى أخبار النجوم 13-10-2011
0 comments

قنابل الغاز


من جديد تعود رائحة الغاز المسيل للدموع لتذكرنا بأيام لن ينساها من شارك فيها، يعود البطش والقتل والتنكيل والتمثيل بجثث الشهداء من قبل وزارة الداخلية، يعود الكر والفر وهتافات تطالب برحيل المسئول عن هذه المجازر الوحشية. من جديد يعود المصريون إلى ميادين كل المحافظات بعد أن تركوها يوم رحيل المخلوع، ليذكروا من نسى أن ما جرى قبل عشرة أشهر لم تكن "أحداثا" بل "ثورة"، أو بالأحرى بروفة ثورة. من جديد تعود الأحزاب والتيارات والجماعات إلى حسابات السياسة القذرة حالمين بسلطة ونفوذ ونصيب من الكعكة، يعود الإعلام الرسمى لوصف الثوار بالبلطجية، والثورة بالشغب، والشرطة المسكينة المستضعفة بحماة الوطن المدافعين عن عرين وزارة الداخلية، ليواصل مبنى ماسبيرو كتابة تاريخ أسود، ودائما وابدا الحديث عن الأصابع والأجندات وأعداء الوطن داخله وخارجه.
من جديد يجدد المجلس العسكرى الثقة فى حكومة اعلنت على الملأ عجزها عن إدارة شئون البلاد، نفس استراتجية ما قبل 25 يناير، ربما نفس الوجوه ونفس العبارات. نفى وزير الداخلية استخدام أي نوع من الرصاصات ضد المتظاهرين واستخدام الشرطة لأقصى درجات ظبط النفس، والنتيجة ما يتجاوز الثلاثين شهيدا ومئات المصابين. هو نفس الوزير الذى ملئ الدنيا حديثا حول عدم وجود قناصة فى وزارة الداخلية وأثبتت الأيام كذب حديثه. من جديد نسمع ادعاءت تفيد بأن ميدان التحرير لا يمثل مصر، ونسى قائل هذه العبارت أن فى الفترة التى أعقبت تشكيل وزارة شرف كان سلاح المليونيات فاعل فى تنفيذ مطالبات الشارع بشكل أسرع. التحرير الذى أصبح أيقونة مضيئة فى تاريخنا الحديث وفخر لكل مصرى أينما كان.
مصر لن تعود ابدا إلى الوراء ومن يظن ذلك فهو واهم، وذلك الواهم نفسه هو من يظن خطئا أن بإمكانه حل كل شئ بالقمع والضرب والقتل العمد والإغتيال المعنوى لشباب لن يقف أمامهم شيئا فى سبيل تحقيق حلمهم ببلد مدنى ديموقراطى متحضر. التجمع الغفير فى ميدان التحرير _وميادن أكثر من محافظة مصرية_ سببه الأساسى التعامل الأمنى العنيف مع المتظاهريين السلميين، فاندفع الجميع للدفاع عن أناس كانوا فى مثل موقفهم قبل أشهر ماضية يطالبون بمطالب مشروعة كحق العلاج. شباب ادركوا بعد مرور عشرة أشهر أن الحل لن يأتيهم من السماء، وأن أصحاب المصالح ابدا لن يدافعون إلا عن مصالحهم.
ويحسب للمجلس العسكرى أنه فى فورة الأحداث، أعلنها بصوت عالي أنه لا نية فى تأجيل الأنتخابات. فالكل يدرك أن الأنتخابات هى الحل والأمل والنافذة المضيئة التى ننتظرها جميعا بفارغ الصبر لنملك برلمان الثورة، برلمان يملك سلطات رقابية وتشريعية ليحاسب الحكومة، برلمان يبدأ الخطوة الأهم وهى صياغة دستور. وأكد أعضاء المجلس العسكرى أنهم سيعودون إلى ثكناتهم قبل نهاية 2012، لتبدأ مصر عصرا ديموقراطيا قائما على التنوع والأختلاف وقبول الآخر، دون الحاجة إلى الرصاص وقنابل الغاز.
.
0 comments

يعنى ايه سينما؟

نشر فى أخبار النجوم 10-11-2011


تلك القاعة التى تنتظر ظلامها بفارغ الصبر لتجد نفسك وجها لوجه أمام عقلك، بمفردك أمام بطل الفيلم الذى تشاهده وتتوحد معه وتجد فيه صديقا قديما فرقتما الحياة لكنك لاتزال تحتفظ بين ضلوعك بذكراه، وطريقته الخاصة فى إعداد القهوة. أو ربما تكره البطل وتمقته وتتمنى من كل قلبك أن يُكتشف أمره وخدعته وتتمنى حتى أن تراه مصلوبا فى نهاية العرض فقط لأنه ذكرك بمديرك فى العمل، أو بحبيبة قديمة تخلت عنك لسبب تراه تافها، وتراه هى قدرا. لكل دوافعه فى حب السينما.
فى بعض الأحيان تجد بطل الفيلم بالقوة التى لا يمكن قهرها، فتتعاطف تلقائيا مع الآخرين الذين رغم مكانتهم يلعبون دور الكومبارس. فعندما تجد بطل الفيلم زلزال مدمر، بركان هائج، تسونامى ثائر، كويكب يتجه إلى الأرض، مرض وبائى يجتاح العالم، رغما عنك ستجلس على كرسيك متأملا راهبا متعاطفا مع كل الأبطال والكومبارس، ربما لشعورك المفاجئ بالدور الذى منحه لك المخرج، وانضمامك إلى هؤلاء الذين لايجدون مفرا أو مهربا. فتجد شابا وحبيبته على دراجة بخارية ينطلقون هربا من مصيرهم المحتوم، ورجل طاعن فى السن وزوجته _بعد أن قضيا سويا الخمسون عاما الأخيرة فى منزلهم_ يرفضون الخروج ويرحبون بمقابلة الموت على سريرهم متلامحى الأيادى مستعدين لرحلة جديدة. احيانا كثيرة تلعب السينما دور الجامع والكنيسة، تذكرك إنك فى النهاية ضئيل، والنهاية قادمة لا محالة.
ربما الحنين، وحاجة الإنسان الدائمة لإختراع آلة الزمن، دافع آخر من دوافع صمود السينما. رغبتك القاتلة فى مقابلة ومصافحة صلاح الدين الأيوبى، تصميم مخرج على إنجاح محاولة قتل هتلر، تلقين العالم الرأسمالى درسا من تعاليم السامورى، حلم فتاة رومانسية برؤية انطونيوس. تعايشك مع جدودك المصريين القدامى ورؤيتك للقاهرة قبل أن تصبح قاهرة.
الكلمات السابقة جاءت بعد سؤال صديقتى وزوجتى العزيزة عن ارتباط الأعياد _فى مصر والعالم كله_ بدار السينما، ولماذا يحب الناس الذهاب إليها؟ وكيف يجدونها ضمانة حقيقية لقضاء وقت يسعدهم، كل حسب رغبته وثقافته وميوله. وصمودها على مدار أجيال متعاقبة رأى فيها العالم من وسائل الترفيه ما كان يفوق العقل ويتجاوز فى الكثير من الأحيان الخيال، إليها وإليكم _وإلى من يحاول القول بأن السينما حرام_ الكلمات السابقة.

0 comments

مفترق الطريق

أحمد بيومى - أفلامجى
قبل شهور استبدلت هاتفي القديم بآخر‮ ‬جديد،‮ ‬ليس من باب البحث عن التغيير وسقوط شرعية هاتفي القديم،‮ ‬لكن فقط لعدم قدرته علي مسايرة‮ ‬وتيرة الضغط المتزايد‮. ‬وبعد أسابيع اكتشفت ميزة رائعة كامنة في هاتفي الجديد تتمثل في امكانية ظبط نغمة رنين المنبه لتصبح نغمة عشوائية تتغير مع كل صباح كما‮ ‬يشاء هاتفي العزيز‮. ‬والحق‮ ‬يقال،‮ ‬استطاع هاتفي التنبؤ بأحداث كثيرة في الأشهر الماضية‮. ‬وصباح الاثنين الماضي قبل بدء التصويت في الانتخابات البرلمانية استيقظت علي صوت ماجدة الرومي وهي تردد أغنية فيلم‮ "عودة الابن الضال" ‬ليوسف شاهين‮ "مفترق الطريق" ‬لأجد نفسي متلبسا بفعل التأمل‮.
ساعات اقوم الصبح،‮ ‬قلبي حزين‮ .. ‬اطل برا الباب،‮ ‬يأخذني الحنين‮.. ‬اللي اشتريته إنباع،‮ ‬واللي لقيته ضاع‮.. ‬واللي قابلته راح،‮ ‬وفات الأنين.

هل تأتي الانتخابات معبرة عن ثورة الشعب المصري؟ هل‮ ‬يتغير وجه مصر الي الأفضل؟ هل تقل‮ -‬لن أقول تتلاشي‮- ‬نسبة المحسوبية والرشوة والبطالة والفقر والجهل؟ هل‮ ‬يأتي‮ ‬يوما تسقط فيه بعض قطرات المطر فلا تتحول مصر إلي بركة كبيرة؟ هل من حق ولدي أن‮ ‬يحلم بأن‮ ‬يكون رئيسا أو ظابطا أو أستاذ جامعة أو قاضي أو حتي لاعب كرة في نادي الزمالك دون إجراء مكالمات هاتفية؟ هل تصبح مصر بلدا كما كانت قبل نحو ستين عاما؟ اتمني ان تأتي الأجابات عن الأسئلة السابقة بنعم،‮ ‬لكن المنطق‮ ‬يقول لا‮. ‬لن نجد السكان الأصليين لميادين مصر خلال الـ18‮ ‬يوم داخل قبة البرلمان،‮ ‬وربما نجد من كان له دور في رسم خطط فض واجهاض الثورة،‮ ‬والأكيد توافر عدد هائل ممن تمسحوا بالثوار‮.‬
يستمر صوت ماجد الرومي الملائكي في التسلسل إلي ذهني أثناء جلوسي لمدة نصف ساعة مستسلما‮ ‬للتغطية الانتخابية التي بدأتها أغلب القنوات الفضائية مع الساعة الأولي من الصباح،‮ ‬ومع ابتسامات المذيعين وتفاؤل المراسلين تجد نفسك وسط مشهد‮ ‬غارق في الرومانسية،‮ ‬وما هي إلا دقائق ويبدأ سيل الشكاوي‮ ‬من اختراق لبعض الأحزاب لقانون الانتخابات الخاص‮ ‬بالدعاية الانتخابية،‮ ‬شائعات عن مقتل مرشحين،‮ ‬أزمة كبري متكررة خاصة باختام الأوراق،‮ ‬تأخر فتح عدد من اللجان‮.. ‬سيل من الأخبار العاجلة التي قد‮ ‬يراها البعض عادية ومتوقعة ودائمة الحدوث‮.‬
"أدي اللي كان،‮ ‬وأدي القدر وأدي المصير‮.. ‬نودع الماضي وحلمه الكبير‮.. ‬نودع الأفراح نودع الأشباح".. ‬يظن كثيرون‮- ‬أنا منهم‮- ‬أن جماعة بعينها سيكون لها نصيب أكبر من مقاعد البرلمان،‮ ‬فليكن‮. ‬أنه القدر والمصير والاختيار الذي علينا جميعا أن نرتضيه،‮ ‬كما علينا تغييره متي شئنا،‮ ‬ومتي رأينا سلوكا أعوجا أو نسخة كربونية من نظام فاسد ثرنا عليه فقط مصحوب بعبارات مقدسة‮. ‬الجولات الأخري لا نرغب في أن‮ ‬يحدثها ميدان التحرير،‮ ‬لانريد أن‮ ‬يحسمها دماء المزيد من الشهداء،‮ ‬فقط نريد صندوق الاقتراع ومناخ صحي قانوني ديموقراطي مصحاب‮. ‬فعلي الشعب اختيار توديع الأشباح متي أراد‮.‬
‮"‬وأرجع وأقول لسه الطيور بتحن،‮ ‬والنحليات بتطن،‮ ‬والطفل ضحكة‮ ‬يرن‮. ‬مع إن مش كل البشر فرحانين‮".‬
                                                          (نُشر فى أخبار النجوم 1-12-2011)
 
;