٢٨‏/٠١‏/٢٠١٢ 0 comments

بانديتا والجهل العصامى


بطبيعة الحال، يجرى الآن سباق مارثونى بين الأقلام للكتابة والتعليق ونقد ومدح الحدث الكونى الجلل الذى تمتعنا به وهو إفتتاح جلسات مجلس الشعب. ولأن "آفة حارتنا النسيان" كما أكتشف كبيرنا ومولانا نجيب محفوظ فى عمله الرفيع "أولاد حارتنا" الذى يؤمن بعض أعضاء مجلسنا بأنه رجس من عمل الشيطان، نسينا جميعا الحدث الذى سبقه بساعات، والذى كان مثيرا لسخرية المصريين على شبكات التواصل وبرامج التوك شو، لدرجة تجبرك على الأندهاش من عبقرية المصرى فى السخرية، الحدث المتمثل فى تقرير خبرى نشرته صحيفة "الحرية والعدالة" الناطقة بلسان الحزب الناطق بدوره بلسان الجماعة، والذى جاء فى عنوانه المغلوط "قناع بانديتا للأناركيين يقود فوضى 25 يناير".
وبعيدا عن السخرية التى تعرضت لها الصحيفة والذى ربما بلغ مداه بتعليق من بلال فضل يقول فيه "دى آخرة اللى يمنع أهل بيته من الفرجة على mbc2"، وبعيدا عن المانشيت المكتوب بشكل خاطئ أكثر من مرة، لم يلتفت أحد إلى مضمون التقرير الذى يعلن بإختصار عن وجود خطة خبيثة بقيادة مجموعة من المصريين الخونة الذين قرروا إرتداء قناع فانديتا لنشر الفوضى وهدم الدولة.  
صاحب التقرير والقائمين على نشره فاتهم مشاهدة الفيلم قبل الكتابة عنه، الفيلم الذى تم إنتاجه عام 2005 وليس 2006 كما اشارت الصحيفة، فاتهم الحكمة من وراء الفيلم والتى جاءت على لسان الشخصية الشهيرة عندما قال: "يجب ألا يخاف الشعوب من حكامهم .. الحكام هم من يجب أن يخافوا من شعوبهم"، وبالطبع لا يرغب التقرير التحريضى الإرهابى فى تناول الأمر من هذا المنطلق.
فى ثنايا التقرير العبقري تجد ما نصه "من شاهد فيلم فانديتا سيفهم فهم الأناركيين جيدا، فالفيلم الذى قام بكتابة السيناريو له "الأخوان واتشوسكى اليهوديان" كاتبا ومخرجا سلسلة أفلام ماتركس الشهيرة التى تتحدث عن مملكة بنى صهيون والمخابرات الأمريكية المركزية، بحسب موقع ثورات وحقائق سرية". الكلمات السابقة تنم ليس فقط عن الجهل بل أيضا على إستخفاف بعقل القارئ، فالديانة اليهودية ليست خطأ نعاير به من ينتمى إليها، وسلسلة أفلام ماتركس تدرس لطلبة فنون السينما ولم يفسرها شخص عاقل بأنها مؤامرة صهيونية ماسونية للقضاء على العالم وفقا لمخطط حكماء صهيون، كما أشار التقرير. والمصدر الذى أعتمد الكاتب عليه "موقع ثورات وحقائق سرية" كفيل بسكب مزيد من الكوميديا.
المحزن أنه بعد الهجوم الحاد الذى ناله التقرير من مختلف الجهات، والسخرية التى طالت القائمين على نشر التقرير، لم تجد الصحيفة سوى الهجوم على منتقديها قائلة "انا أسف يا فانديتا .. وقال علمنى الهيافة يابا"، دون الإعتذار عن الخطاب التحريضى ضد مصريين. السخرية التى ظلت سلاحا بين إيدى الشعب المصرى طوال تاريخه ستبقى حقا من حقوقه وأقوى خط دفاعى ضد من يحاول تغيير هويته أو إذكاء نار الفتنة بين صفوفه.
                                                      نشر فى أخبار النجوم 26-1-2012
٢١‏/٠١‏/٢٠١٢ 0 comments

واحد صحيح

أحمد بيومى

شبكة بسيطة لدرجة التعقيد نسجها تامر حبيب وهادى الباجورى من خلال فيلم "واحد صحيح"، هانى سلامة محورها الرئيسى وفى فلكه تسبح كل الشخصيات. الرابط الوحيد بين الجميع هو الحب، بكل ما تحمله الكلمة من ألم قبل السعادة. من جديد يعود تامر حبيب للعزف على وتره المفضل بعد تجارب من أهمها "سهر الليالي". أهم ما يميز تجربة "واحد صحيح" هو طريقة السرد التى أختارها تامر حبيب، من خلال صوت الشخصية ليس فقط للتعريف بالأحداث بل للغوص فى أعماقهم الشخصية بعيدا عن الأقنعة التى يضعها الجميع.   
هانى سلامة عاد للتألق من جديد مع شخصية مهندس الديكور عاشق نفسه قبل حبه للنساء. أداء هانى التمثيلى جاء متناغما مع الشخصية التى يلعبها وحرصه على رسم بعض التفاصيل أضفت مزيدا من المصداقة والإتقان. الدائرة المحيطة بشخصية "عبدالله" يبحثون جميعا عن الحب، بداية من والدته "زيزى البدراوى" مرورا بصديقته "نادين" بسمة _التى نُصدم بحبها له_، و"فريدة" رانيا يوسف، زوجة الثرى الشاذ جنسيا الذى أنجب منها للحفاظ على الصورة المجتمعية، و"مريم" ياسمين التى تعتقد أن عبدالله زوج مثالى للجلوس بجانبه فى الكوشة، و"أميرة" كندة علوش المسيحية التى أسلم والدها قبل سنوات. صراع محتدم بين الجميع، ومحيط من المشاعر يلطم كل منهم الآخر.
شخصيات طازجة قدمها تامر فى فيلمه الأخير، الزوج الشاذ الذى جسده زكى فطين عبد الوهاب، من يعيش حياته بحسابات الربح والخسارة متناسيا أدنى درجات الشرف. شخصية مرسومة بحرفية عالية دون مبالغة أو استغلال. الفتاة المسيحية التى ودعت حبيبها المسلم قبل ما يزيد عن عشر سنوات لتلقاه صدفة داخل السينما، لتبدأ مطاردة الحب من جديد، صراع نفسى مرير بين الدين والحب، اختارت بعده الهرب واللجوء إلى الدير. نفس الهرب الذى اختاره عبدالله من حفل زفافه، الهرب الذى لاحق فادى  ليشترى فيلا فى أكتوبر ويحرص ألا يخبر أحدا بامرها، هرب فريدة من زوجها الشاذ بعد اقتناعها أنها أتمت شروط العقد التى أبرمته، هرب مريم لترقص مع كريم يوم زفافها، هرب نادين من عبدالله منذ البداية وحتى النهاية. حتى محمود حميدة _والد أميرة المسيحى الذى أسلم_ أكتفى بصوته ليثبت حضوره ربما أختار هو نفسه الموت للهرب.
"واحد صحيح" تجربة رائعة تستحق التقدير والتوقف والدعوة للمشاهدة، تجربة تعلن عن ميلاد مخرج سينمائى شاب قادر على التميز والإبداع، فى زمن نحتاج فيه لجيل جديد من المبدعين استعدادا لمعركة حرية وإبداع قد تنشب. عودة تامر حبيب بهذه القوة الآن ليعلن التحدى بشخصيات تكشف وتعرى المجتمع من آفاته وعيوبه لنواجه أنفسنا فى المرآة. مدير التصوير أحمد المرسى يؤكد مع كل عمل أنه واحد من أفضل مديرى التصوير فى مصر ويملك حساسية خاصة وخيال رحب.
                                     نُشر فى أخبار النجوم 19-1-2012
١٨‏/٠١‏/٢٠١٢ 0 comments

فضيلة النقيب


--- أحمد بيومى ---
تابعت عن قرب تفاصيل زيارة فضيلة نقيب المهن التمثيلية اشرف عبد الغفور إلى مرشد جماعة الإخوان المسلمين، أو بالأحرى الكمين السياسى الذى وقع فيه، وبعيدا عن الأداء الهابط الذى قدمه النقيب فى برنامج العاشرة مساء والتلعثم والتذبذب وافكار وقناعات تحتاج لجهد خرافى لإقناع طفل دون الثالثة من عمره، كان سبب الزيارة -كما أدعى- الحوار والفهم. وإلى فضيلة النقيب قدرا من المعلومات والحقائق الموثقة عن علاقة الجماعة بالسينما، والتى لايمكن إنكارها سوى من جاهل أو مجنون أو صاحب مصلحة.
فى العدد السابع عشر، أكتوبر 1977، تعيد مجلة "الدعوة" نشر البيان الذى أصدره الاخوان المسلمون بعد ايام قليلة من قيام حركة الجيش وطرد الملك فى يوليو 52، وهو البيان الذى يتضمن "تصورهم للإصلاح المنشود وطرق محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين". من مطالب الجماعة "أن تعمل الحكومة على تحريم ما حرم الله وإلغاء مظاهر الحياة التى تخالف ذلك مثل القمار والخمر ودور اللهو والمراقص والأفلام والمجلات المثيرة للغرائز الدنيا". لاحظ أن الأفلام تحتل نفس مكانة القمار والخمر، دون حتى تحديد الفيلم الجيد أو الردئ.
فى كتاب عبد الله إمام "عبد الناصر والاخوان المسلمون"، حوارا بين المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي والرئيس جمال عبد الناصر، وفيه بالحرف الواحد: "ورأى المرشد العام أن تصدر الثورة قانونا بعودة الحجاب إلى النساء حتى لا يخرجن سافرات بشكل يخالف الدين، وأن تغلق دور السينما والمسرح".
الكاتب الإخوانى محمد عثمان الديب يتحدث فى سياق حملة عاتية ضد بناء المسارح ودور السينما عن "أعداء الإسلام" .. ويخاطب وزير الإعلام عبد المنعم الصاوى _فى ذلك الوقت_ قائلا: "وزير الاعلام يبنى الانسان المصرى بماذا؟ بالثقافة! أى ثقافة!. بإنشاء مدينة للسينما على 500 فدان؟ ياللهول. مدينة للسينما فى مصر تضارع هوليود فى نيويورك؟ على مساحة 500 فدان. لان افلام "بمبة كشر" و"24 ساعة حب" و"سيقان فى الوحل" و"احنا عايشين للحب" ... الخ هذا الانحطاط. هذه الافلام وآلاف مثلها أصبحت فى نظر وزير الثقافة مثل رغيف الخبز والماء والهواء .. فهى تحتاج إلى مدينة خاصة". ويختتم مقاله المطول قائلا: "وأنا كمقاتل حضرت حربى 67 ورمضان 1393، لو خيرت بين حرب الطائرات الإسرائيلية للمدن والقرى المصرية، وحرق هذه الأفلام للأسرة المصرية، لاخترت الأولى". هل يعقل أن يرى شخص مصرى أن ضرب الطائرات لمدن القناة وقتل أهالينا أفضل من صناعة السينما!.
الشيخ محمد عبدالله الخطيب الإخوانى الشهير يقول: "ونسأل ما هو الحلال فى السينما اليوم؟ وأين هى المصلحة التى تغلب على المفسدة؟ هل الاتجار بالجنس وإثارة الشهوات وطمس معالم الفضيلة .. حلال؟ وهل تجسيم الخيانات الزوجية وشرب الخمور كحل للمشاكل .. حلال؟ وهل التبرج والقبل والعرى .. حلال؟ وهل تصوير رجل الدين الاسلامى ومدرس اللغة العربية بصورة مزرية وشكل مضحك أو رجل أبله أو وصولى أو جشع .. حلال؟ وهل اختلاط الجمهور داخل هذه الدور بصورة هى الفوضى بعينها .. حلال؟".
الزعيم الاخوانى صلاح شادى يكتب مقالا جاء فيه: "تجارة السينما فى الاجساد العارية على الشاشة وفى محاربة المثل والقيم وتحطيم قواعد اللغة العربية .. فإذا فرغت من هذا أو خلت منه .. فهى تدعو إلى مصر الفرعونية وتغلق الباب بإحكام على الإسلام وتراثه ورجاله".
                             فاشهد لنا يا قلم .. أننا لم ننم
                                                                                      نشر فى أخبار النجوم 11-2-2012
0 comments

المقاومة الفنية المسلحة

لم يكن مستغربا إنفجار طاقات فنية واعدة ومدهشة بعد ساعات من ثورة شعب مصر، الفن والثورة وجهان لعملة واحدة. وربما بعض أنواع الفنون تحديدا كان لها دورا واضحا ساعد على إكتمال الثورة وبث شحنات متوالية من التحدى والأمل حتى رحيل مبارك وعلى رأس القائمة تجد فن النكتة. وبالبحث فى بعض المراجع عن تاريخ النكتة وتطورها تجد أن إزدهار النكتة السياسية يأتى فى الدول التى تعانى من الأستبداد من قبل الحكام، ويحدثنا التاريخ عند نفى الزعيم سعد زغلول خارج مصر وحظر نشاطه السياسى، فتجد الناس تكتب نكت محورها سعد زغلول ويتغنى سيد درويش بإحدى تلك النكات فى أغنية. وأثناء العدوان الثلاثى على مصر ترى بعض المونولوجات التى كان يتغنى بها إسماعيل يس عن ايدن لبث روح السخرية والصمود. وفى كل ثقافات العالم تزدهر النكتة وقت الشدائد، فعند الحرب الأمريكية على فيتنام تنتشر فى شوارع مدينة هانوى العاصمة بطاقات معايدة مرسوم عليها فلاح يمسك بحطام طائرة فانتوم أمريكية.
كاتب هذه السطور من المؤمنين أنه لولا النكات التى أطلقها المصريون خلال الـ18 يوما لما إستطاعت ميادين تحرير مصر الصمود، ولولا أغنيات الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وسيد درويش وفؤاد حداد ومحمد منير لأنطفئت شمعة الأمل. وإن كان رحيل مبارك لم يسدعى أكثر من أيام وكم هائل من النكات وبعض الأغانى، فالقادم بلا شك يحتاج إلى أضعاف هذا القدر.
شن حرب على نظام شاخ واهترى أهون كثيرا من مقاومة نظام استوعب الضربة وضمد جراحه بل ونال قسطا من الراحة ووقتا كافيا للتفكير والتدبر. المقاومة الفنية فى السنوات القادمة عليها أن تشحذ كل أسلحتها، أفلام قصيرة تفضح الكذب وأصحابه تعرض فى كل حوارى مصر قبل ميدانيها. مسرح حقيقى، غير مقعر، يجذب الجميع ويعلى من قيم الثقافة والإستنارة وحب الحياة. أغنيات تخبر الأعور عن عواره دون مجاملة. دراما تلفزيونية تحاول الكشف فى التفاصيل وتعرية واقع نعيشه. معارض تصوير فوتوغرافى تختزل الزمن فى لحظة وتتركنا للتأمل.
على الفن والقائمين عليه الثقة فى إنفسهم مهما تعالت الأصوات القادمة المتطاولة، على الجميع إدراك حقيقة أن الحرب الثقافية على الأبواب وأن المسرح والسينما والأوبرا والمتاحف أماكن لها قدسية، عليهم وعلينا التصدى لكل أحزاب الظلام وإن أدعت أنها أحزاب النور أو الحرية.
                                                               نُشر فى أخبار النجوم 5-1-2012
 
;