٠٥‏/٠٤‏/٢٠١٢

سقوط هتلر .. ما يقع إلا الشاطر

أحمد بيومى - أفلامجى
حنين جارف دفعنى لإعادة مشاهدة الفيلم الألمانى "السقوط" الذى تدور أحداثه فى مثل هذه الأيام قبل 67 عاما، "السقوط" الذى أخرجه أوليفر هيرشبيجل عام 2004، ورشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبى ونال العديد من الجوائز الرفيعة، ويروى من خلاله الأيام الأخيرة فى حياة الزعيم الألمانى النازى الديكتاتور هتلر الذى يعتبر من أهم الشخصيات التى غيرت مجريات العالم والتاريخ، الذى ربما يعيد إنتاج نفسه بأشكال مختلفة طوال الوقت، ووحده الفن الجيد هو القادر على إعادة تقديم وتقييم الأفكار والرسائل مع تغير الظروف وتبدل الأحوال.
شخصية هتلر التى قدمها الممثل الإستثنائى برونو جانز، هى نمط كل حاكم متغطرس أصابه الغرور والتكبر وجنون العظمة، فقط لأن حزبه نجح فى حصد أصوات أغلبية الشارع. يتجاوز الفيلم تفاصيل وصول هتلر لكرسى الحكم بعد أن استطاع حشد تأييد الشارع الألمانى بخطابه الحماسى الداعى إلى القومية، ويهمس بين السطور إلى أسباب العنف الذى يتمتع به الديكتاتور المستند دائما إلى الديموقراطية التى قذفت به إلى سدة الحكم، يقول هتلر وشعبه يتعرض للموت والفناء: "اذا كان شعبى لا يستطيع تحمل هذه المحنة .. لن أذرف عليهم دمعة واحدة. أنهم يلقون ما يستحقونه .. جلبوا هذا المصير لأنفسهم"، وفى سياق متصل نجد وزير دعايته السياسية جوزيف جوبلز يقول: "الناس منحونا تفويضا والآن يدفعون ثمنه". وعندما سئلت السيدة جوبلز، لماذا تريد قتل أطفالها الخمسة في لحظة الهزيمة؟ قالت بكل حماس وقناعة: لا أتحمل أن يعيش أولادي في عالم انهزمت فيه أفكارنا! وفعلا وضعت السم في فم أطفالها واحدا تلو الآخر فى مشهد شديد القسوة، ثم انتحرت هي وزوجها، وتتالت الانتحارات بعدها بين صفوف العسكر النازي المنهزم بكل جرأة وقسوة. وربما تجد نفسك متلبسا بفعل الإعجاب نظرا للشجاعة الأدبية المتمثلة فى الأنتحار، وكون السياسى فى بلادنا من المستحيل حتى أن يفكر فى الأستقالة مهما وصل به الجنون وارتكب من مغامرات.
يمرر المخرج هيرشبيجل رسائله، وكأن كرسى الحكم يأتى غالبا مصحوبا بالغباء السياسى وإنعدام البصيرة الأخلاقية والرهان الدائم على صنع مجد شخصى زائف، وأن حياة 50 مليون إنسان ماتوا من جراء الحرب العالمية الثانية مجرد أرقام على أوراق يحرقها الحاكم مع تركه _مجبورا_ كرسى الحكم. السمع والطاعة ملمح آخر اعتمد عليه الفيلم، ومن يختلف لن يجد أمامه سوى الموت الفورى. حتى وإن حاول البعض التذمر أو الأعتراض يذكره الآخر بالقسم والولاء والطاعة العمياء بعيدا عن تحكيم العقل والمنطق والضمير.
"السقوط" متعة سينمائية ورسالة تاريخية عن سقوط طاغية وحزب فاشى شيطانى عنصرى ينطبق عليه مقولات شعبية مصرية صميمة مثل "الشيطان شاطر" و"ما يقع إلا الشاطر".

0 comments:

إرسال تعليق

 
;