٢٩‏/٠٣‏/٢٠١٣ 0 comments

أحمد زكى .. لو مقدرتش تضحك ما تدمعش

أحمد بيومى
منطقة شديدة الخصوبة والخصوصية يحتلها الغناء فى عالم أحمد زكى الثرى، ربما لا يتوقف الكثيرون عند الأغانى التى قدمها أحمد زكى فى عشرات من أفلامه إلا أن المتفحص لمشوار أحمد زكى الغنائى، يدرك أنه قدم شهادة وافية للعصر الذى عاشه، وبقت تلك الأعمال الغنائية صامدة حتى اليوم، يعاد غنائها وتوزيعها من جديد، كل حسب رؤيته.
التحول
فى عام 1990، قدم أحمد زكى فيلم "كابوريا" من تأليف عصام الشماع وإخراج خيرى بشارة، ولعب البطولة أمامه رغدة وحسين الإمام، وحمل الفيلم أغنية بنفس أسم العمل، باتت بعد أسابيع قليلة شعارا للمرحلة الجديدة ودليلا على التحول الذى طرأ على الشخصية المصرية أنذاك. الشاب مفتول العضلات، لا يجد له أملا أو سبيلا لعيش حياة كريمة وكسب بعض المال سوى الإقدام على فعل كل شئ وأى شئ. وإذا وضعنا فى الإعتبار التسريحة التى جسد بها أحمد زكى الشخصية، والتى سميت بنفس أسم الفيلم والأغنية وانتشرت كالنار فى الهشيم فى تلك الفترة، لأدركنا مقدار التحول. الأغنية تقول : "انا فى اللبوريا .. فى ايه هنبكى عليه .. اموت فى الفوريا .. ليلى ونهارى يا بيه .. صياد كابوريا .. وأصطادونى يا بيه .. صيد الكابوريا .. كيفى ولا يعلى عليه .. أزأز كابوريا أزأز كابوريا .. ولو أزأزونى هأزأز أيه؟" وصولا إلى آخر الأغنية التى قد يصعب للغاية إستيضاح كل مفرادتها، هكذا تبشر الأغنية والعمل السينمائى، مع بداية التسعينيات من القرن الماضى وفترة التحول التى مرت بالمجتمع المصرى والعربى برومته، تكشف الأغنية عن جيل يبحث عن فرصة وسط كوم من القمامة العفنة، وحفنة من رجال الأعمال فاحشى الثراء الجالسين يضحكون على كلماته وحركاته.
البداية
"البداية" لصلاح أبو سيف نافش فكرة أن التسلط صفة أساسية في الجنس البشرى، فنجده فى أول الفيلم يضع فقرة يقول فيها: "حاولت أن أقدم فيلما خياليا ولكني وجدته يأخذ شكلا من واقع الحياة يظهر ذلك التسلط في مجموعة بشرية سقطت بهم طائرة في واحة صحراء مصر، بينهم الفلاح والعامل والمثقف والعالم ورجل الأعمال الانتهازي الذي يفرض سلطة على موارد الواحة ممارسا حكما شموليا على هذه المجموعة من البشر مرتكزا على سلاحه وذكائه وجبروته".
ونستمع فى الفيلم لأغنية نبيهاليا، ويقول فيها أحمد زكى وهو يحمل مالك الواحة ومن عليها: "وتعيش رايتها عرة وعالية .. ونعيش نعبيلك ونرص .. بص شوف نبيه بيعمل ايه .. لف طوف نبيهاليا بين إيديه .. قولوا وريا يا نبيه .. يا حاكم ومالكش شبيه .. والزمن بلانا بيه .. اشفط ابلع وحط فى كرشك واشرب من شراينا ومص". سخرية المواطن من الحاكم المتسلط المستمرة من الآف السنين، يعيد أحمد زكى وصلاح أبو سيف التأكيد عليها، وهى أغنية وفيلم صالح لكل زمان وآوان.
البيه البواب
فى نفس السياق الذى تلعبه الأغنية كدليل على الضمير الشعبى والعقلية الجمعية، يأتى فيلم "البيه البواب" والأغنية الشهيرة "أنا بيه"، الفيلم الذى يتناول قصة البواب عبد السميع الذى ينزح إلى القاهرة برفقة أبنانه وزوجته بحثا عن لقمة العيش، إلى أن تأثره القاهرة بسحرها وتسكره حتى يقع فريسة ويصبح ضحية مهما تصور أنه قد يصير جلادا.
فى العمل الذى كتبه يوسف جوهر، نجد عبد البواب عبد السلام حتى يثمل فى إحدى حفلات إلهام هانم يردد أغنية "انا بيه"، محيلا المشاهد إلى القاهرة _فى تلك المرحلة_ التى تغرى كل من يأتى إليها بحلم الثراء السريع عن طريق مفردات تبدو ساحرة لرجل ريفى بسيط مثل الدولار والشقة المفروشة والمرأة الفاتنة. فنجده يقول فى الأغنية "يا خلق فين العمة ..العمة راحت فين .. دى مصر أم الدنيا .. وحلف ليبقى بيه".
البيضة والحجر
فى فيلمه "البيضة والحجر" قدم أحمد زكى شخصة مدرس الفلسفة مستطاع، الذى يؤجر حجرة فى أحد المنازل ويعتقد سكان العقار أنه على صله بعالم الجن، ينجح بلباقته فى التوفيق بين زوجين، فيتأكد أهل الحى من الأسطورة، فيسى لإستغلالها متعلما أمور السحر والشعوذة حتى يحقق ثروة ويصير من كبار القوم. ولعب بطولة الفيلم معالى زايد وممدوح وافى وكتبه محمود أبو زيد وأخرجه على عبد الخالق.
فى بداية الفيلم يحمل مستطاع عودا فى حجرته الجديدة مستعينا بالغناء فى مواجه خوفه من الأشاعات التى سمعها عن الغرفة فيدندن فى مواجهة الخوف من المجهول: "انا مش خايف .. وهخاف من أيه؟". وبعد أن يصير ساحرا ومشعوذا نجده فى يغنى قائلا: الدربدوخ الدربدوخ .. كنا شباب وبقينا شيوخ .. روح يا شخشوخ وتعالى يا شمروخ .. نططنا من بنها وطوخ". كلمات لا تحمل أى معنى تماما كالشعوذة التى يمارسها ويدرك أنها وهما ومجرد وسيلة للكسب وجمع المال.
يوجز أحمد زكى المرحلة وما فيها من تحولات وإنكسارات وإرتقاء لقامات لم تكن تحلم يوما بما وصلت إليه فى أغنية فى نفس الفيلم يقول: "لو انت هايص أو كنت لايص .. تعالى يالا نشوف الهجايس .. ست العرايس والبخت صايص .. يلزمها رقوة من عين بصايص .. الناس دى عايشة بعقول نصايص .. تنام وتصحى على الهجايص". بالضرورة لا يسب أحمد زكى الشعب المصرى بل يدعوه إلى التفكر وإعمال العقل والحكمة حتى يتجب دجل المشعوذين وإدعاءات الساسة مهما استخدموا من فنون السحر.
هستريا
زين، خريج معهد الموسيقى العربية الذى ينتهى به الأمر فى مترو الأنفاق محاولا الغناء ومطاردا من قبل جماعات متعصبه تكره الغناء والفن كما تكره الحياة. الفيلم  سيناريو وحوار محمد حلمى هلال وإخراج عادل أديب. وفيه غنى أحمد زكى أشهر أغنيه وأصدقها من كلمات على سلامة وألحان وجيه عزيز "لو ما قدرتش تضحك ما تدمعش ولا تبكيش .. وإن مافضلش معاك غير قلبك أو تخاف .. مش هتموت .. هتعيش .. وإن سألوك الناس عن ضئ .. جوه عيونك ما بيلمعش .. قولهم العيب مش فيا .. ده العيب فى الضئ".
صدفة أم قدر
قدم فيلم "حليم" درجة عالية من تقنية تقمص الممثل للشخصية، ولعل هذا كان السبب في حدوث حادثة غريبة ونادرة تحفظ في التاريخ السينمائي المصري، فتقمص الراحل أحمد زكي لشخصية الفنان عبدالحليم حافظ في نهاية حياته أدت بطريقة أو بأخرى إلى تغيير مسار حياة زكي ليتحول دوره من تجسيد شخصية أخرى إلى تجسيد شخصيته هو وتصبح أحداث الفيلم حقيقة وليست تمثيلا! في الفيلم قام أحمد زكي بدور حافظ في مراحل حياته الأخيرة عندما بلغ ذروة نجاحه ومرضه في ذات الوقت بدءا بمشهد سقوط حافظ في المسرح بعد إغلاق الستارة مباشرة، الأمر الذي أدى إلى نقله للمستشفى بعد حفلته الغنائية التي غنى فيها "قارئة الفنجان" وتوقف تصوير الفيلم بسبب مرض أحمد زكي ونقله للمستشفى أيضا. وكما أصر عبدالحليم على إكمال سلسة حفلاته، أصر أحمد زكي على مواصلة إكمال الفيلم متحليا بعزيمة عبدالحليم ومكابرا مثله على المرض، وكأن النجاح الفني هو العلاج لكليهما، فكان عبدالحليم يغني وكأنه في أفضل حالاته إلى أن تنتهي وصلته الغنائية وتغلق الستارة فينتابه النزيف الحاد، وأحمد زكي في فترة التصوير يؤدي دوره بجدارة إلى أن ينتهي المشهد لتنهال عليه آلام المرض.
ربما يكون السبب ليس فقط في قدرة الممثل على التقمص، ربما يكون دافع حبه للشخصية من الأساس وتعلقه بها له دور أيضا، فأحمد زكي ربطته عدة روابط مع عبدالحليم بطريقة أو بأخرى، ففي عدة أفلام غنى أو قلد عبدالحليم، بل إنه رصد وقت وفاته في فيلمه "زوجة رجل مهم" حيث إن زوجته في الفيلم مرفت أمين كانت تسمع أشرطة عبدالحليم كلما أصابها الضيق من زوجها وكانت تلح عليه لحضور حفلة من حفلاته إلى أن سمعت بخبر وفاته، الأمر الذي تسبب في حزنها الشديد وبكائها عليه. ليظل السؤال هل كان تجسيد أحمد زكى لشخصية حليم صدفة أم قدر؟.
١٤‏/٠٣‏/٢٠١٣ 0 comments

محمد أمين: الهجرة هى الحل


حوار خاص لـ "أفلامجى..
اعتاد المؤلف والمخرج السينمائى محمد أمين خوض المناطق الشائكة فى كل عمل يقدم عليه، بداية من فيلم ثقافى الذى يمكن إعتباره وثيقة تأريخية مرورا بـ"ليلة سقوط بغداد" المحرض على الثورة والمؤكد على قدرة الفرد على التغيير، و"بنتين من مصر" حين نفذ الصبر وغرقت سفينة الوطن إلى قاع البحر. لا يختلف الحال كثيرا مع محمد أمين وفيلمه الأخير "فبراير الأسود" عندما يعود من جديد للعب على وتر الكوميديا السوداء الذى يجيده ويجده أفضل طريقة لتمرير رسائله العاجة.
فى فيلمك "بنتين مصر" كنت تعتنق فكرة "المطار هو الحل" وأن الهرب هو الوسيلة الوحيدة الباقية أمام المصريين لعيش حياة كريمة، وخلال فيلمك الأخير "فبراير الأسود" لم يختلف الأمر كثيرا حيث يدور الفيلم برمته حول محاولة الأسرة فى الخروج من مصر؟
أعتقد أن نفس الروح لازلت أعتنقها، وبالتأكيد لم يتغير شيئا منذ قدمت فيلم "بنتين من مصر" قبل الثورة والآن فى "فبرايرالأسود"،وأعتقد إذا كان لدى شخص ما ظروف معاكسة تقف حائلا أمام أحلامه وتحديدا إذا كان هذا المواطن يحمل إنجاز إنسانى مهم فالهجرة أفضل طريق أمامه، وأتحدث تحديا عن العلماء فى مختلف المجالات، أمام على مستوى من يعلمون فى الثقافة أمثالنا فلا يمكنهم التفكير فى الهجرة لأن عليهم مسئولية ودور فى مجتماعتهم. 
فى "بنتين مصر" كان هناك نوعا مختلفا من الزخم، كان هناك أكثر من طريق للمطار، سواء الشاب الصغير الذى استطاع قراءة الواقع واستنتج أنه لا يمكن أن يعيش فى مجتمع لا يملك أدنى أمل، إلى جانب الهرب من أمور بيروقراطية وهربا من السجن. ولكن أتفق معك أن الرغبة فى ترك الوطن طاغية على العمل وهذا ما أؤمن به.
 فى "فبراير الأسود" نجد تيمة رئيسية متكررة خاصة بإمكانية ترك الوطن أو التمسك به وفقا للظروف المحيطة والطبقة الإجتماعية التى ينتمى إليها الفرد والأسرة بالتبعية، كيف يمكن تعريف مصطلح الوطن فى الأساس؟
فى تقديرى الشخصى، الوطن هو إحساسك بالراحة والكرامة فى مكان ما. عندما شعرت الأسرة فى الفيلم أنهم أصبحوا فى التصنيف الثالث ولن يتمكنوا من العيش فقرروا إخراج الوطن من أنفسهم والبحث عن وطن بديل، فالوطن ليس حدود جغرافية أو كمية من الرمال، الوطن هو الظروف التى تعيشها.وعندما تفسد مجموعة العلاقات بين مجموعة البشر، إحساسك بالوطن يقل بشكل مباشر.
مشوار محمد أمين، الساخر بالضرورة، نجد "فيلم ثقافى" ثم "ليلة سقوط بغداد" الغارقين فى الكوميديا السوداء، ومن بعدهم الواقعية المريرة فى "بنتين من مصر"، وتعود من جديد إلى الكوميديا السوداء التى لا ترى أملا أو سبيلا للخلاص؟
"فبراير الأسود" كتبته بعد إندلاع الثورة مباشرة، ولم أكن أعرف وقتها ما ستؤؤل إليه البلاد، وفى ذلك الوقت كان كل يبادر فى طرح رأيه، ورغبت فى التأكيد على رؤيتى فى أهمية البحث العلمى لمستقبل مصر وأن العلماء وأصحاب التفكير المنطقى عليهم أن يكونوا فى مقدمة الصفوف بعد الثورة، ولذلك قدمت الفيلم فى إطار الكوميديا السوداء حتى يستطيع المشاهد التفاعل مع الفيلم وإيجاد نوع من الترفية إلى جانب إيصال الرسالة، أو بالأحرى التحذير الذى أتخوف منه.
وحول عدم وجود بصيص من الأمل أو طريق للخروج من المستنقع، أعتقد إنى لو كتبت الفيلم الآن لخرج بشكل أكثر سوءا، ولم تجد ذرة واحدة أمل، وكنا سنرى المزيد من الإحباط بسبب مرور أكثر من عامين على الثورة والأمور تزداد سوءا يوما بعد آخر. نحن فى الطريق إلى المجهول. 
يرتبط العقل الجمعى المصرى الآن عندما نذكر شهر فبراير برحيل الرئيس السابق مبارك، ألم تخشى من ربط المشاهد لعنوان الفيلم "فبراير الأسود" ورحيل مبارك، وكأنك ضد رحيله؟
لم أكن أقصد أي نوع من أنواع الرمزية المتعلق بالنظام السابق ورحيله، كنت أعنى المعنى المباشر المتعلق بالحادثة التى جرت للأسرة فى الفيلم فى شهر فبراير والتى تنطلق كل الأحداث من تلك النقطة. ولم أكن أقصد على الإطلاق أى شيئا من هذا القبيل.
لكنك فى كل الأحوال من اخترت تاريخ الحادثة فى الفيلم؟
أحداث الفيلم كلها تجرى قبل الثورة وبالتالى على المشاهد أن يدرك أن رحيل النظام ليس له علاقة بعنوان الفيلم. والربط بين الأثنين جاء من باب المصادفة البحتة. وإذا فكرنا فى ربط عنوان الفيلم برحيل مبارك فهو أمر غير منطقى على الإطلاقى لأننى كنت من أكثر الراغبين فى تنحى مبارك ونظامه. وان اعلم أن المشاهد قبل أن يدخل القاعة يعتقد أن الفيلم له علاقة بالثورة وبرحيل مبارك وهو أمر خاطئ تماما. ولا يوجد شخص عاقل كان يتمنى استمرا نظام مبارك حتى وإن كره النظام الحالى.
 على عكس الفيلم السابق "بنتين من مصر" يمكن أن نشعر أن صوت محمد أمين المؤلف أعلى وأكثر وضوحا من أمين المخرج، سواء على مستوى المعادل البصرى أو الأسلوب الخطابى المباشر فى أكثر من منطقة داخل الفيلم؟
أعتقد ان فيلم "فبراير الأسود" ينتمى إلى مجموعة الأفلام المباشرة، التى تعطيك إحساس أن المؤلف عنده الكثير من الكلام الذى يرغب فى إيصاله إلى المشاهد، وهذا حقيقى، والرسالة مباشرة، وفى نهاية الفيلم تجد المعنى الإجمالى "على بلاطة"، العمل لا يحتاج إلى تركيز كبير من المشاهد لإستيعابه، وطريقة السرد كانت طبيعية، بداية ووسط ونهاية، والمقولة مباشرة وتكاد تكون منذ بداية الفيلم، واعترف انه فيلم مباشر ومن الطبيعى أن تجد شعارت أو عناونين عريضة فى حواره.
لكن هل يرضى هذا طموح وغرور محمد أمين المخرج؟
انا شعرت إنى فى حاجة لصنع فيلم مباشر وسهل حتى يقبل عليه الناس بشكل أكبر، لم أقصد أبد تقديم فيلم صعب، فأنا أشعر أن الذهن الجمعى عند المصريين الآن ملئ ومشغول بالكثير من الأشياء والأخبار والصور، وعندما يصنع المخرج فيلما يجب ان يملك بوصلة حول نوعية الجمهور. وأعتقد أن كل مرحلة لها طريقتها فى التعامل السينمائى أو طريقة السرد. فلا يجب إستفزاز المشاهد بعمل صعب يحتاج لجهد أو رسائل بين السطور. انا ارغب فى التواصل مع الجمهور واتمنى أن تصل رسالتى إلى أكبر قدر ممكن من الناس. ولذلك قررت فيلم سهل ومباشر.
اعتقد إنك بهذا تثير إشكالية سينمائية حول عمل صناع السينما على الحاضر الآنى أم على قدرة الجمهور فى إعادة المشاهدة فى فترات زمنية مختلفة وإستخلاص قدر أكبر من المعرفة وفقا للظروف المحيطة؟
فبراير الأسود يمكن أن تعرضه فى أى وقت وفى كل مكان حتى لو فى مجتمع مختلف، وتجد عبارت صالحة لكل زمان. أما عن صياغة الفيلم فهذا أمر مختلف يتوقف على الظروف المحيطة. فيجب أن اختار إطار فنى صالح للوقت الحاضر. على الفنان أن يكون مرن فنيا حتى لا يفقد جمهور هو فى أمس الحاجة إليه فى الوقت الحالى، وإن لم يشاهد الجمهور الفيلم فكأن المبدع لم يفعل شيئا، وإذا أقدم المخرج على صنع فيلم يرضى غرور النقاد والمثقفين ويحقق حالة إشباع فنى فلن يتجاوز عدد المشاهدين على ألفين شخص. لكن عند المشاهد العادى، عندما يجد تكرار لجملة مثل "لو خدنا بالعلم هنبقى كويسين" يمكن أن تتحول إلى عقيدة وجدانية بداخله.
تقريبا فى كل أفلامك نجد تأكيدا على ضرورة البحث العلمى وأنه السبيل الوحيد للخروج مما تعانيه مصر؟
انا من أكثر المؤمنين بذلك ولذا تجده منعسكا على أفكارى، ولا أعنى بالعلم علماء المعامل فقط، بل كل شخص يأخذ من التفكير العلمى المنطقى منهجا للتفكير، حتى على مستوى الفقه والشريعة، أو الحوار على الفضائيات وهكذا. إذا وجد منهج علمى فى مصر ستجد ارتفاع مستوى الوعى عند الشعب برمته وبناء عليه لن تجد تصويتا فى الإنتخابات بالطرق التى نراها. ولو زاد الوعى كنت ستتأكد أن الناجح فى الإنتخابات هو الإرادة الحقيقة عند الشعب.
فى نهاية فيلمك الذى انتهيت منه قبل نحو عام ونصف، تطرح ثلاث طرق يمثلون مستقبل مصر، دولة العلم والقانون والأمن، فى أى طريق تعتقد أننا نسير إليه الآن؟
اتمنى أن تختار طريق العلم بالضرورة، لكن وفقا لما نراه الآن عكس ذلك تماما فنحن نسير فى طريق الجهل وإنعدام الوعى وإنعدام البصيرة، كل ما يتعارض مع العلم الآن نحن نسير فيه.
       
٠٨‏/٠٣‏/٢٠١٣ 0 comments

أطفال السماء

أسامة
 
أحمد بيومى - أفلامجى
قبل نحو ستة أشهر، بدأت صياغة محاور دراسة سينمائية اخترت لها عنوانا "أطفال السماء" وتصدر قريبا فى كتاب مطبوع، معنية بالأساس فى كيفية بلورة العقل السينمائى العالمى لصورة الطفل وملامحه على مختلف المستويات، السياسية والجغرافية والإجتماعية والدينية، وما يتبع ذلك بالضرورة من كشف لرؤية الفن السابع عن مستقبل العالم برمته بناء على رمزية الطفل بإعتباره المعادل البصرى للمستقبل، القريب منه والبعيد.
لا يمكن بحال من الأحوال التوقف عند الفيلم الأفغانى "أسامة" بإعتباره عملا عابرا، بل تأريخا وتوثيقا لمعاناة حلت وربما تكرر فى بلدان أخرى مهما تصورت أنها بمنأى عن خطر التطرف. وفى ذات السياق، لا يمكن فصل مضمونه، عن الفيلم الأمريكى "صاخب للغاية وقريب بشكل لا يصدق" الذى تم إنتاجه بعدها بسنوات، حيث الطفل الساعى لتجميع ذكريات والده المقتول على أيدى الإرهابيين المسلمين فى الحادى عشر من سبتمبر. وبالضرورة نجد أنفسنا مجبرين على تذكر الفيلم الأنجولى "مدينة الأشباح" حيث الطفل الهارب من الحرب ليجد نفسه قاتلا قبل أن يصير ، فى برهة من الزمن، مقتولا. تماما كالطفل اليهودى ابن الوالدين الشيوعيين فى الفيلم البرازيلى "العام الذى ذهب فيه والدى فى أجازة"، عندما يبدو العالم مكانا صغيرا مهما كانت ضخامة الحدث، وعشرات الأفلام التى صاغها مبدعين من كل أركان العالم وتدور كلها فى فلك الطفل وما يمثله من أمل أو خوف. العلاقة بين "القدر" و"المصير" حاضرة فى العقل الجمعى السينمائى، ومحاولات الهرب استنفذت من الجميع، وبات التعامل مع الواقع هو الخلاص.
الخلاصة أن الناس ليسوا أرقاما بل اشبه بالحروف، والحروف تتحول إلى قصص، والروايات خلقت لتروى، وأن كل يوم جديد هو بمثابة معجزة، تماما كمعجزة الأطفال الذين نراهم يوميا فى شوارعنا، ولا نكترث، واهمين أنها مشكلة عابرة ستجد حلا من السماء.
                               نُشر فى أخبار النجوم 7-3-2013
 
;