٢٥‏/٠٢‏/٢٠١٢

ركلام

لم أملك بعد الإنتهاء من مشاهدة تجربة على رجب السينمائية الأخيرة، شديدة الأختلاف والتميز ركلام، سوى البحث فى مكتبتى عن لوحات الفنان الأمريكى إدوارد هوبر الذى عاش فى بدايات القرن الماضى فى مدينة نيويورك ويعتبر من أعظم فنانى العالم تعبيرا عن الوحدة والعزلة. ربما تكون الأماكن والشخصيات التي يصورها هوبر في لوحاته مألوفة، لأنها موجودة بالفعل في مكان ما داخل ذاكرتك، وهو لا يفعل أكثر من أنه يدفع بها مرة أخرى إلى منطقة الشعور وعتبات الوعي. قطار آخر الليل، مكتب في ناطحة سحاب، أشكال الظلام المخيم على المدينة، غرف الفنادق. هذه كلها أجزاء من عالم ادوارد هوبر الغامض. ولوحات هوبر لا تدعوك للدخول إليها، فهي مليئة بالظلال الداكنة والأماكن المظلمة وببقع من الضوء الساطع وأحيانا المزعج. ويصح أن يقال إنها ليست لوحات مضيافة أو ودودة. إنها تدفعك إلى الوراء، ترد نظراتك وتطلب منك أن تتفحص مشاعرك وأنت تحاول فهم ما تراه أمامك.  
هذا هو الحال مع فيلم "ركلام"، تجد نفسك منذ اللحظة الأولى أمام عالم آخر، تراه يوميا فى الشوارع لكن ربما تغض الطرف أو تحاول النظر إلى الجهة الأخرى. ومع المشاهد الأولى التى ترى فيها بطلة الفيلم "شادية" غادة عبد الرازق تضع مساحيق للتجميل وكأنها تضع قناعا فوق الوجه الحقيقى، يحيلك المشهد _منذ البدء_ إلى التناقض الذى نعيشه جميعا، وقدر الإزدواجية الذى أصبحنا متشبعين به. وتبدأ الحكاية _ بالأحرى الكابوس_ فى فلك عدد من البنات من فئات إجتماعية مختلفة ودوافع متعددة أهمها محاولة نيل حياة كريمة. وبإستخدام "الفلاش باك" والذى يعتبر من اصعب أنواع السرد السينمائى، نكتشف شخصيات حية من لحم ودم تعانى الظلم والقهر. وينتقل على رجب بمهارة من شخصية إلى أخرى، يكشف ويعرى مجتمع ينخر السوس فى أوصاله. ويضاف لعلى رجب تكوينه لبعض الكادرات البصرية التى تصلح بمفردها كلوحات للتأمل والتفكر، وإستخدامه الرائع لخطوط السكة الحديد وكأنه شخصياته أدركت أن القضبان لا تسير فى دوائر وأن ومن يركبها لا يمكن أن يعود. ويحسب للفيلم جراءته فى التعامل مع الإذواجية الدينية، حيث نجد اللحية والسبحة يخفيان وراءهما كراهية ورغبة حيوانية. 
غادة عبد الرازق بطلة الفيلم، لم تعد فى حاجة إلى إثبات موهبتها التمثيلية، فهى ممثلة قادرة على إضافة تفاصيل حية للشخصية التى تقدمها، إلى جانب قدرتها على الإنتقاء والأختيار ورغبتها فى رسم لطريق لعالمها السينمائى ربما لا يستطيع غيرها تقديمه. ويحسب لها إفساح الطريق لعدد من الوجوه الشابة لإحتلال أدوار كبرى بجوارها وإصرارها الدائم على العمل أمام الكاميرا فى وقت يشغل الكثرون أنفسهم بكاميرات برامج التوك شو.   
                                               نُشر فى أخبار النجوم 23-2-2012

0 comments:

إرسال تعليق

 
;