أحمد بيومى - أفلامجى
تمر علينا _احيانا_ أفلاما غاية فى الأهمية مرور الكرام، "صاخب للغاية وقريب بشكل لا يعقل" للمخرج ستيفن دالدرى، صاحب أفلام "القارئ" و"الساعات"، واحدا من تلك الأعمال. الفيلم ربما يبدو بسيطا للوهلة الأولى حيث يدور حول صبى فى التاسعة من عمره، يفقد والده أثناء هجمات الحادى عشر من سبتمبر، ولطبيعته الباحثة المغامرة عندما يجد مفتاحا داخل قنينة يحاول البحث عن القفل المناسب حتى لو كلفه ذلك زيارة مئات المنازل فى مدينة نيويورك.
يصدمك العمل منذ البدء، حديث داخل عقل الصبى حول مستقبل الموت وتاريخ الحياة: "هناك اشخاص أحياء الآن أكثر ممن ماتوا طوال التاريخ، لكن أعداد الأموات تتزايد، يوما لن نجد مكانا لدفن المزيد .. ماذا عن ناطحات سحاب للأموات تبنى لأسفل؟". فلسفة قادمة من أعماق طفل، هل لازال للطفولة مكانا على الأرض؟، فلسفة تمهيدية لفيلم ملئ بالرسائل الجديرة بالتوقف والتأمل.
يقتحم الطفل غرفة والده بعد قرابة العام، لم يجرؤ على العبور منذ رحيله، يجد بالمصدافة مفتاحا قديما، علمه والده أنه فى حال وجود مفتاح لأبد ان يوجد قفل، وإن كان على المظروف اسما لابد من وجود شخصا، لا تتوقف ابدا عن البحث. يأخذ الطفل بنصيحة والده الراحل - الباقى، يضع مخططا كاملا لمدينة نيويورك ليبحث عن شخص يدعى "بلاك" ربما يملك قفلا مناسبا للمفتاح الذى يحمله. يعتمد الفيلم عن معلومة علمية تقول أنه فى حال أفول نجم الشمس وضياع وهجها إلى الأبد سيلزمنا نحن سكان الأرض ثمانى دقائق للشعور بالتأثر، طوال الدقائق الثمانية سنظل نتمتع بالدفء، يحاول الطفل الأحتفاظ بوالده إلى الأبد، إن لم يتوقف عن البحث، سيظل برفقتة فى اللعبة الأستكشافية، كما كان يخطط دائما.
يبدأ أوسكار رحلته، يقابل مئات الأشخاص ولكل روايته، بعضهم لا يتحدث الأنجليزية، ومنهم من يختبئ من المجهول، أو مجموعة من السود يتحدثون مع الله، والرجل المخنث، والسيدة التى لم تسمع صوتا منذ 24 عاما، تؤام يرسمان سويا ويتعركان، فنانة تنقش نفس الشخص طوال الوقت، الحارس الذى كان معلما سابقا فى روسيا قبل أن يكتشف ان عقله يحتضر، جامع العملات النقدية الذى لا يجد قوت يومه، ومن يحب دوما الجلوس خلف القضبان. يحرص على ألتقاط صورا للجميع بالكاميرا التى تعود لجده، الذى يظهر بعد مصرع ابنه ويصاحب أوسكار فى رحلاته دون أن ينطق بكلمة واحدة، يلزم الصمت التام ويعبر عن أفكار بالورقة والقلم، ويمرر رسائله. يبوح أوسكار بدوره عن سره الدفين، الرسائل الست التى بعثها أبيها على المجيب الآلى.
الناس ليسوا أرقاما بل اشبه بالحروف، والحروف تتحول إلى قصص، والروايات خلقت لتروى، وأن كل يوم جديد هو بمثابة معجزة، تماما كمعجزة المفتاح المعلق فى رقبته فى حال ما وجد القفل. "صاخب للغاية وقريب بشكل لا يعقل"، عمل متكامل أكثر ما يميزه طريق السرد التى تنقلنا بين الأزمنة بسلاسة، إلى جانب الأداء المتميز لتوم هانكس وساندرا بولوك والصبى العبقرى توماس هورن. الفيلم رسالة تدفعنا نحو عدم التوقف عن البحث فى التفاصيل، وأن الأنسان هو المخلوق الوحيد على كوكب الأرض الذى يستطيع أن يبكى بمصاحبة الدموع.
نُشر فى أخبار النجوم 19-4-2012