٢٩‏/٠٧‏/٢٠١٢

مذكرات مخرج سينمائى

أحمد بيومى - أفلامجى
قرأت بشغف ونهم الكتاب الصادر مؤخرا عن مكتبة الفنون وترجمه أنور المشرى وحمل عنوان "مذكرات مخرج سينمائى"، وهو عبارة عن سيرة ذاتية لواحد من أشهر وأعظم مخرجى العالم سيرجى ميخايلوفيتش ايزنشتاين، المولود فى 23 يناير عام 1898، فى مدينة ريجا – لاتفيا، وينتمى نسبه من ناحية جديه الى اصول يهودية، وكان والده يعمل فى بناء السفن حتى عام 1910، وهى السنة التى انتقلت فيها العائلة الى سانت بطرسبورج، حيث كان تدريبه على فن العمارة والهندسة اثره الكبير فى عمله السينمائى لاحقا.
تأثر ايزنشتاين بمفاهيم عصر النهضة عن المساحة والحيز، كما درس اعمال ليوناردو دافنشى وتأثر بكتابة فرويد عن دافنشى، وحاول أن يسد الفجوة من تشوه للمساحة والحيز الناتج عن التكنولوجيا عبر سعيه الى تحقيق ذلك فى اخراجه للافلام. سعى وراء فهم كيف أن الأحاسيس فى عصر الآلة يمكن ان تندمج مع اسلوب عصر النهضة العظيم وكيف ان انسانية الماركسى يمكن ان يكون لها جذور فى روح فن القرن السادس عشر فى ايطاليا، ذلك الفن الذى سُمى الكواتروسنتو.    
وفى فصل كامل فى الكتاب يتذكر ايزنشتاين ويحلل ويروى كواليس أهم أفلامه، منها فيلم "اضراب" الذى يعيد تجسيد عملية القمع التى مارسها جنود مدينة سار على المضربين، مزج ايزنشتاين بين لقطات للعمال يتساقطون تحت نيران المدافع وبين لقطات لذبح الخراف فى المذبح، ونتج عن ذلك تأثير مذهل رغم تشويه الحقيقة الموضوعية.
وفى عام 1925 ومن اجل احياء ذكرى ثورة 1905، أشاد الحزب الشيوعى بفيلم بوتمكن والمعروف ايضا باسم "المدرعة بوتمكن"، وقد تم تصوير هذا الفيلم فى ميناء اوديسا على البحر الاسود، واختير الفيلم فى عام 1957 من خلال تصويت نقاد السينما من جميع انحاء العالم باعتباره احسن فيلم فى تاريخ السينما.
والفيلم التالى لايزنشتاين كان فيلم "اكتوبر" وهو معروف ايضا باسم آخر هو "الايام العشرة التى صدمت العالم"، ويتعاطى مع التحولات الثورية بين شهرى فبراير واكتوبر من عمر الثورة، حيث يظهر لينين ويظهر الصراع بين البلاشفة وبين اعدائهم.   
وبعد عدة افلام مثيرة للجدل مثل فيلم "القديم والجديد" و"الخط الرئيسى" و"المعنوية الشاعرية" و"رعد فوق المكسيك"، استطاع ايزنشتاين عمل الفيلم الملحمى عن العصور الوسطى والذى اسمه "الكسندر نيفسكى"، متزامنا مع سياسة ستالين فى تمجيد ابطال روسيا. أنتج هذا الفيلم عام 1938 وهو يُظهر الروح الجماعية، ويستعين فيه بموسيقى بروكوفيف، ذلك الموسيقار الروسى الشهير حيث يمزج بين الصورة والموسيقى فى وحدة ايقاعية مترابطة.
ومن اكثر مشاهد الفيلم احتفاءا على صعيد النقاد فى العالم كله، هو مشهد سلالم الأوديسا التى شهدت مذبحة مواطنى المدينة، وفى هذا المشهد نرى جنود (سار) يصطفون فى طابور يبدو طويلا، بينما مظهرهم النظامى وحركاتهم تبدو كآلة جهنمية، ويطلقون النار على الجمهور، بينما جزء من هؤلاء الجنود يُحاكمون الحشود فى اسفل سلالم الاوديسا.
من بين الضحايا امرأة عجوز، وطفل رضيع مع امه، وطالب فى زى المدرسة وتلميذة فى سن الصبى، كما ان احدى الامهات تدفع طفلا فى عربته الصغيرة، ثم تسقط ميتة على الارض بينما عربة الطفل تتهاوى على سلالم الأوديسا بينما الناس يهرعون هربا. هذه المذبحة لم تحدث ابدا على سلالم الاوديسا، ولكن الحقيقة ان ميناء الاوديسا على البحر الاسود شهد فعلا تظاهرات شعبية كبيرة من اهل المدينة اثناء انتظارهم لوصول المدرعة بوتمكن، وافاد مراسل جريدة التايمز البريطانية ان الجنود اطلقوا النار على الحشود وان اناسا - ليس معروفا عددهم – قد قُتلوا. 
                                      نُشر فى أخبار النجوم 19-7-2012 

0 comments:

إرسال تعليق

 
;