١٠‏/١٢‏/٢٠١٢

العزيمة

مصطفى بيومى
في السادس من نوفمبر سنة 1939، كان العرض الأول لفيلم "العزيمة"، درة أعمال رائد السينما الواقعية المصرية كمال سليم، وتكمن أهمية الفيلم الشهير في أنه يستمد أحداثه من تفاصيل الحياة اليومية، ويقدم العاديين من الناس أبناء الحارة الشعبية.
محمد، حسين صدقي، متخرج في مدرسة التجارة العليا، وأبوه الأسطى حنفي، عمر وصفي، حلاق بسيط. بعد التخرج، يتفق الشاب الطموح مع نزيه باشا، زكي رستم، على مشاركة ابنه المدلل عدلي، أنور وجدي، في مشروع شركة تجارية، يقتحمان من خلالها ساحة العمل الحر، لكن سفر الباشا إلى الخارج يعرقل المشروع؛ فقد أنفق الابن المستهتر رأس  المال على مائدة القمار!.
يعمل محمد موظفًا حكوميًّا، ويتعرض لاتهام ظالم يفضي به إلى الطرد، ويضطر إلى قبول عمل متواضع يخفيه عن زوجته، فاطمة رشدي، وبعد معرفتها تصر على الطلاق، وتقترب من مشروع زواج جديد مع المعلم العتر الجزار، عبدالعزيز خليل، العدو اللدود لمحمد.
يتغير المسار مرة أخرى، وتستقيم الأمور على الصعيدين العملي والعائلي. تتضح براءة محمد، لكنه يرفض العودة إلى الوظيفة، مؤثرًا التفرغ للمشروع القديم بعد توبة صديقه والتزامه بالجدية، أما الزوجة فتعود إلى بيتها الذي هجرته، وتنجو من شرك المعلم الشرير.
يناقش الفيلم عديدًا من القضايا المهمة، ويمكن التوقف أمام ثلاثة محاور جديرة بالتأمل والتحليل.
يتعلق المحور الأول بالصراع القديم– الجديد بين الوظيفة الحكومية والعمل الحر؛ فالمجتمع المصري في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، يبدو متشبثًا بالوظائف "الميري" ودولة الأفندية، متحفظًا على المغامرة غير المأمونة في مجال المشروعات الخاصة.
يشير المحور الثاني إلى طبيعة وسمات الطبقة الرأسمالية المصرية، التي اُتهم أفرادها جميعًا فيما بعد بالفساد والانحلال والانحراف، فالفيلم يقدم رؤية موضوعية متوازنة، ويكشف عن حقيقة أن هؤلاء الرأسماليين ليسوا ملة واحدة، ففيهم الصالح والطالح، والشاب الفاسد المستهتر نفسه يعود إلى الصواب ويتعظ بأخطائه.
ويبقى المحور الثالث الذي يتجسد في نهاية الفيلم، حيث الانتصار الصريح الواضح للمشروع الخاص وما يمثله من قيمة مضافة للاقتصاد الوطني؛ ومن ثم فإنه جدير بالتشجيع والاحترام، وهو ما يعني –ضمنًا– أن الوظيفة الحكومية ليست الاختيار الوحيد.
يقدم كمال سليم تجربة طازجة تبدو معاصرة على الدوام، لكن القراءة الأيديولوجية التي سادت في الستينيات من القرن السابق، أفسدت ما يهدف إليه المخرج الرائد، فهو ليس اشتراكيًّا كما يقول اليساريون من نقاد السينما، بل إنه ينحاز إلى الرأسمالية، ويرى فيها أداة فعالة لتقدم المجتمع.
لكي يكون الفيلم إيجابيًّا ومتفاعلاً مع الواقع ومعطياته، لا يتحتم أن يكون اشتراكي التوجه حنجوري الصوت، فالهدف الأسمى في انتمائه الإنساني، بلا ضجيج أو ابتذال.

0 comments:

إرسال تعليق

 
;