٣١‏/٠٣‏/٢٠١٢

"منتصف ليل باريس" .. أن تصنع قدرك بنفسك

أحمد بيومى - أفلامجى
أن تهوى باريس، شيئا، وأن تعشق باريس _أثناء المطر_ أمرا مغايرا. بهذه البساطة _ربما التعقيد_ ينسج وودى آلان، المؤلف والمخرج، عمله الإبداعى الأخير "منتصف ليل باريس" الحائز على جائزة أوسكار أفضل سيناريو. يضمك آلان _منذ البدء_ إلى عالمه الخاص الرحب، باريس، ويعرفك عليها من خلال لوحات حية يظهر فيها مدى جمال محبوبته وخصوصيتها بصحبة موسيقى فرنسية الرنين، تجعلك تراقص باريس على انفراد. ومن ثم يقدم لك بطله، عابر المحيط القادم من الولايات المتحدة بصحبة خطيبته وعائلتها، الباحث عن تفاصيل روايته الأولى. الرواية التى لا نعرف عنها سوها مهنة بطلها العامل فى محل للأنتيكات.
وبدون مقدمات، اللعنة على المقدمات، نجد بطلنا جيل بندر هاربا من سهرة صاخبة متخذا من شوارع باريس رفيقا، إلى أن يجد عربة عتيقة الطراز مملؤة بأشخاص يغنون يدعونه للسهرة برفقتهم. ينتقل معهم بندر، وينقلنا معه، إلى عشرينيات القرن الماضى، حيث نجده وجها لوجه أمام أرنست همنجواى. يجلس معه ويبادله أطراف الحديث. يطلب منه بندر أن يقرأ روايته، يخبره همنجواى أنه يكره روايته، يتعجب بندر، يبرر همنجواى: "إن كانت رديئة فبالطبع سأكرهها، وإن كانت جيدة سأكرهها أكثر .. لا تبحث عن رأى كاتب آخر". يمرر وودى آلان رسائله، لا تبحث عن آخرين لمنحك صك الموهبة، إن كنت كاتبا، فأعلن على الملأ إنك الكاتب الأفضل. يجادله بندر، يتوصلا لإتفاق بأن يقدمه همنجواى إلى جرجرى شتاين، الكاتبة والناقدة والفيلسوفة الأشهر، يرحب بندر بعد أن لا يكون للأندهاش معنى.
بسهولة مثيرة للدهشة يتخطى وودى آلان حدود المكان والزمان، يصنع عالمه الخاص، يصنع قدره، يختار أصدقائه، هل نختار أصدقاءنا؟، يجعلنا وجها لوجه أمام بيكاسو وعشيقته آدريانا، بانل ومان راى، أليوت، همنجواى، شتاين، جميعهم فى مكان واحد، باريس، قبلة عشاق الحياة ومعشوقة كل الحالمين. مع كل دقة تعلن انتصاف ليل باريس، يفتح لنا آلان عالمه الخاص. ومع آدرينا، يأخذنا فى إحدى الليالى إلى آواخر القرن قبل الماضى، ليقابلا الرسام الشهير بابلو، وتختار آدرينا البقاء فى هذا الزمن، الزمن الذهبى. يخبرها بندر بأن زمنها هو الأفضل، ترفض، تفضل المكوث. هل الماضى _دائما_ أفضل؟.
بالتوزاى، يعيش بندر حياتة العادية صباحا، برفقة خطيبتة الغبية التى لا تحب المطر، ووالدة خطيبته المستعدة لدفع 20 ألف دولار من أجل كرسى قديم، ووالدها كاره الفرنسيين فقط لأنهم رفضوا الذهاب مع الأمريكين لغزو العراق، وصديقهما المتحذلق الخبير فى كل شئ. حياة صاخبة يعلم بداخله أنها ستقتله وتقضى على أحلامه فى أن يصبح كاتبا وأن يعيش فى باريس. وينتظر يوميا عالمه البديل الخيالى / الحقيقى. وإيمانا بنصيحة صديقه همنجواى، يصنع بطلنا نهاية مأساته بنفسه، يقطع علاقته بخطيبته. ويخرج إلى شوارع باريس التى تهديه فتاة تعمل فى إحدى محلات الأنتيكات التى لا تمانع فى التسكع تحت المطر.
وودى آلان، الشيخ المهرج، الذى يملك فى منزله أربع تماثيل أوسكار، لن يكف أبدا عن مداعبة منطقة الخيال واللامنطق فى أذهاننا. ويظل مشروعه السينمائى الذى قارب خمسون فيلما، مشروعا إنسانيا صاخبا بالتفاصيل، مفعما بحب الحياة، هاربا من روتين السينما الأمريكية السخيفة.

0 comments:

إرسال تعليق

 
;