٠٣‏/٠٥‏/٢٠١٢

سينما الشارع

أحمد بيومى - أفلامجى
قبل ثلاث سنوات تقريبا كنت بصدد الإقدام على إخراج أول عمل تسجيلى، اخترت المليونير الشهير ورئيس نادى الزمالك الأسبق "عبد اللطيف أبو رجيلة" هدفا لفيلمى المنتظر، الذى كان بدوره صاحب أكبر شركة اتوبيسات فى مصر والتى عرفت بأسمه حتى يومينا هذا، إلى جانب تاريخه الرائع الملهم فى نادى الزمالك ودوره الأقتصادى الوطنى الذى سار على خطى ونهج طلعت حرب. عملت فترة لا بأس بها على السيناريو، المعتمد فى الأساس على كتاب من تأليف والدى مصطفى بيومى بأسم "أمبراطور الأتوبيس"، حاولت الأبتعاد قدر الإمكان عن المكاتب المغلقة مكيفة الهواء واللجوء بشكل أكبر إلى الشارع. مرت المشاهد الداخلية سواء فى حرم جامعة القاهرة أو غرفة عميد كلية الأقتصاد والعلوم السياسية وداخل مجلس الشعب وفى قلب نادى الزمالك، وغيرها، هادئة مبشرة بطريقة فاقت توقعاتى المسبقة. وبمجرد الأنتقال لتصوير المشاهد الخارجية بدأت دراما لاهثة لا تخلو من مطاردات.
يرفض الجميع توجيه الكاميرا إلى الشارع، يأبى مدير موقف عبد المنعم رياض تصوير مطاردة الركاب للإتوبيسات المكدسة فى الأصل، يصرخ الظابط الواقف فى ميدان طلعت حرب رافضا إلتقاط لقطة للتمثال، وكأنه من تركة عائلته الخاصة. يخشى العسكرى _نصف النائم_ فى نفق الهرم تعريض سمعة مصر للخدش فى حال ما شاهد العالم تكدس السيارات وغياب النظام. ينتفض سائقى الميكروباص عندما يلمحون العدسة مصوبة إلى الجنية "المكرمش" الذى يغازل العسكرى المغلوب على أمره. يرفض كل حارسى عقارات المحروسة إستغلال أسطح العمارت فى الإساءة للوطن.
وبعد إندلاع شرارة يناير، تفاءلنا خيرا. وانطلق الجميع فى شوارع القاهرة "القاهرة" حاملين كاميرات صغيرة وكبيرة يسجلون ويوثقون الحال، وما آل إليه. وقبل أيام أهدانى صديقى الزميل المبشر الموهوب بالفطرة محمد على القليوبى عددا ضخما من المشاهد التى ألتقطها ضمن مشروع يهدف إلى توثيق حالة الشارع المصرى، وتحديدا وسط القاهرة الساحر الملئ بالأسرار والخبايا.


محمد على القليوبى

ألتقط القليوبى كادرات من وسط القاهرة الذى أصبح متحفا مفتوحا للأفكار، مهما تناقضت واختلفت وتطاحنت. صور وشعارت المرشحين للرئاسة فى خلفية أحاديثه مع ماسحى الأحذية وصناع الشاى. مواطن بسيط الحال يخاطب الكاميرا بإحترافية وينتقى كلماته بعناية داعيا كل من قد يشاهده، عاجلا وآجلا، إلى التفكير وليس التكفير. رجلا من النوبة، طاعن السن، يجلس على مقهى "الأنشراح" استسلم للقدر وقرر التوقف عن الحرب القديمة المعلنة معه، ومداعبة قطع الدومينو يوميا. والعربات الصغير المكدسة المنتظرة لأى مهمة عمل مهما كانت بسيطة، ومن قبل ومن بعد الإشارات التى تملئ الشوارع وتشير إلى "الأتجاة الإجبارى".
وحدها تلك السينما النقية، القادمة من جيل لا يتوقف عن البحث والتنقيب والتجديد، ومناقشة القضية بالقدر الأقصى من المصارحة والمواجهة، وكسر كل الأصنام المحرم الأقتراب منها، وحدها التى نحتاجها الآن. وحدها وما يصاحبها من تقنيات داعمة ناشرة – فاضحة، من يمكنها الصمود أمام طوفان التكفير والإغتيال المعنوى والفكرى الذى نقف على أعتابه الآن.
                                          نُشر فى أخبار النجوم 3-5-2012

0 comments:

إرسال تعليق

 
;