٢٤‏/٠٥‏/٢٠١٢

المواسم الأربعة .. سينما بطعم الصمت

بوستر الفيلم الإيطالى المواسم الأربعة
أحمد بيومى - افلامجى
أهدانى صديق قديم، قبل أيام، عددا لا بأس به من الأفلام الإيطالية الحديثة، والتى يصعب الحصول عليها أو مشاهدتها حتى مع التطور التكنولوجى المحيط. جاء من بينها الفيلم شديد التميز "المواسم الأربعة" Le Quattro Volte من تأليف وإخراج ميشيل انجلو فرامرتينو، والذى حصد عددا من أهم وأرفع الجوائز العالمية.
يأخذنا الفيلم الصامت، منذ البدء، إلى رحلة فلسفية لقلب الوجدان الإنسانى. راعى غنم فقير طاعن السن يسوق الماعز متنقلا بين السهول الواسعة الخضراء، وأعراض المرض والزمن بادية على وجهه وجسده. ونظرا لأعتماد المخرج على اللقطات الواسعة البعيدة، لن نتهتم بمتابعة القصة البسيطة _ربما المعقدة للغاية_ ونركز أكثر على التفاصيل. الراعى العجوز يؤمن أن علاجه الشافى يكمن فى إذابة تراب أرضية الكنيسة فى قدر من الماء وتناوله يوميا، بالطبع بعد أن يقرأ الكاهن بعض الأيات المقدسة ليصير التراب _بدوره_ مقدسا. وكأنه يحيلنا إلى الفصل الأول من حياة الأنسان، حين كان يعجز عن تفسير الآف الظواهر فيلجأ إلى الأسطورة والقوة الأعلى المسيطرة، يستسلم الراعى تماما لقدره ويحرص على إذابة التراب فى الماء، وحين يضيع قدر التراب الذى يملكه يدفعه الخوف لطرق أبواب الكنيسة فى منتصف الليل.
تتطور الأحداث ببطء بديع، مستعرضا الكثير من المشاهد للماعز والكلب النابح وعملية ولادة لماعز .. بداية حياة جديدة. ومن ثم يركز المخرج مع المولود الصغير، من لحظة الولادة مرورا بالخطوات الأولى والخروج من الحظيرة إلى العالم المجهول وسيره وراء القطيع وصولا إلى التيه، إلى الضياع. يضل الماعز الصغير طريقه فيجد نفسه وحيدا يواجه برد الشتاء بعد أن أعتاد دفء العائلة فيلتف حول نفسه اسفل شجرة عجوز، شجرة الحياة. تتبدل الفصول على السهول، وسط الأشجار العالية الراسخة، وتتبدل الفصول، إلى أن يجتمع قطيع آخر، من البشر هذه المرة، حول شجرة محاولين قطعها. يحملها العشرات إلى القرية وسط التهليل والصياح وتبدأ مهمة تصنيع الفحم من تلك الشجرة وأمثالها، ويبدأ عصر الصناعة.
يجسد الفيلم بصورة مثالية حالة الوحدة التى يعانى من الإنسان العالمى، وتمثل هذه القرية الإيطالية الفقيرة البسيطة نموذجا للكرة الأرضية برمتها، التى يعتبرها الجميع الآن مجرد قرية صغيرة. والصمت الذى صاحب العمل _رفيع المقام_ طيلة ساعة ونصف، يجبرنا بالضرورة على تأمل الضوضاء والضجيج الذى يحاصرنا يوما بعد يوم. "الفصول الأربعة" فيلم بدأ وأنتهى مصورا الصومعة التى تحيل الخشب فحما، وبرغم ثبات معظم الكادرات إلا أن الحياة تدب فى كل لقطة، تأكيدا أن الطبيعة أصل الحركة والحياة وأن الأنسان _ربما_ هو العدو الأخطر.
                                    نُشر فى أخبار النجوم 24 - 5- 2012

0 comments:

إرسال تعليق

 
;