١٥‏/٠٨‏/٢٠١٢

من يعرف رامى الجابرى؟


أحمد بيومى
أدهشنى كثيرا إقدام مخرج شاب على صناعة فيلم قصير ليخوض به منافسات مسابقة دولية على موقع اليوتيوب، ويختار له موضوع عقوق الأبناء. فيلم "هذا الزمان" الذى اخرجه الشاب الطموح رامى الجابرى استطاع أن يحجز لنفسه مكانا وسط الأفلام العشرة القادمة من أركان الأرض إلى مهرجان فينسيا السينمائى الدولى العريق، ويحصل الفائز النهائى على 500 ألف دولار لصناعة فيلم مبتكر يلعب فيه المخرج الكبير ريدلى سكوت دور المنتج المنفذ.
"هذا الزمان" يدور حول سيدة عجوز يتركها أبنها فى أحد الشوارع مع وعد بالحضور بعد ساعات لإصطحابها لمنزله. تمر الساعات ولا يأتى الأبن، يجلس شاب "عبد الله" بجانبها بعد أن لاحظ جلوسها أمام منزله، يمسك بالورقة التى دسها الأبن فى يد والدته ليتصل به، يجد كلمات الورقة ترجو من قارئها تسليم هذه السيدة إلى أقرب دار للمسنين.
رسالة شديدة الوضوح والقسوة، مليئة بالتفاصيل التى تصيب القلب والعقل فى آن. صورة الحفيد التى تتوق الجدة لرؤيته، حرصها على إحضار قلادة ذهبية لزوجة أبنها، نظرتها الخجولة إلى شاب يبتلع علبة كشرى أثناء الأنتظار، زجاجة المياة التى يقدمها عبد الله للجدة والتى تبتلعها بالكامل، وفى النهاية دموعها المخنوقة عندما تصلها الرسالة الأخيرة من الأبن الجاحد.  
رامى الجابرى مخرج شاب مميز، اهتمامه بالتفاصيل البصرية يدعو للإعجاب والتفاؤل بجيل جديد من المخرجين القادرين على الصمود. قدرته على التحكم بأداء الممثلين والحصول على أفضل ما يمكن يحسب له، واختياره للفنانة عواطف حلمى فى دور الجدة كان أكثر من رائع. يملك رامى إحساسا مرهفا بالموسيقى واستطاع توظيفها بالفيلم بالقدر المناسب لإيصال رسالته. الفكرة التى اختارها عن عقوق الأبناء، فكرة شديدة الإنسانية وبذلك يضمن إنصات العالم فى حال عرض فيلمه فى أي مهرجان دولى كما ينتظر الفيلم الآن. كما يلزم التنويه أن الفيلم من إنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهو أمر جيد وعلينا جميعنا مناشدة مثل هذه المراكز إلى دعم المزيد والمزيد من الأفكار الشابة الطازجة لطرح أفكار الجميع ومساعدة المواهب فى الوقوف على العتبة الأولى من عتبات التعبير عن إبداعهم.
كتبت منذ شهور مقالا بعنوان "سينما الشارع"، دعوت فيه الجميع إلى الأهتمام بالفن المسقل بشكل عام، وبالسينما المستقلة تحديدا. لازلت شديد الإيمان بسينما الشارع، تلك السينما النقية القادمة من جيل لا يتوقف عن البحث والتنقيب والتجديد، ومناقشة القضية بالقدر الأقصى من المصارحة والمواجهة، وكسر كل الأصنام المحرم الأقتراب منها، وحدها هذه السينما التى نحتاجها الآن. وحدها وما يصاحبها من تقنيات داعمة ناشرة – فاضحة، من يمكنها الصمود أمام طوفان التكفير والإغتيال المعنوى والفكرى الذى نقف على أعتابه الآن.
                                   نُشر فى أخبار النجوم 16-8-2012

0 comments:

إرسال تعليق

 
;