٢٣‏/٠٨‏/٢٠١٢

ابراهيم البطوط والشتا اللى فات


أحمد بيومى
قبل ثلاث سنوات، حين كنت مسئولا عن نادى سينما "نون" التابع للمركز الدولى للتنمية الثقافية، كنت حريصا على دعوة المخرج شديد الإختلاف إبراهيم البطوط. لم يكن بيننا معرفة مسبقة، وعلى ذلك رحب ولبى النداء. كان من المفترض وقتها أن نعرض فيلمه الأخير "عين شمس" لكن خلافات مع الشركة الموزعة حالت دون ذلك، واقترح عرض فيلمه القصير "26 ثانية فى باكستان"، وهو عمل تسجيلى رصد معاناة باكستان بعد زلزال مروع استمر لمدة 26 ثانية، ومن بعده لم تعد الحياة كما كانت. أذكر وقتها الكلمات القصيرة التى قدمته بها، قلت: "من المعروف أن قضاء يوما فى الحرب تماما كقضاء حياة كاملة، وابراهيم البطوط رجلا قضى نصف حياته وسط الحروب، تخيلوا معى كم يبلغ من العمر الآن". كان من المدهش أن يعود إلينا إنسان من وسط الحروب وأهوالها وهو لايزال قادرا على الحب، حب الآخرين وعشق الحياة, ولاتزال عيونه قادرة على رؤية الأشياء جميلة كما كانت، أو كما يتمنى أن تكون.
 "إبراهيم البطوط " قضى ثمانية عشرة عاما بين الحروب وخطوط النار, بين حقول الموت والمقابر الجماعية. اعترف البطوط فى الندوة التى اعقبت عرض الفيلم أن عقله أصبح مليئاً بصور الحرب وبالذكريات المؤلمة, لكنه يرفض أن يتخلى عن الأمل. هل يمكن الأستمرار دون أمل أو نافذة ضوء؟. وحين شاهدت فيلمه الروائى الأول "إيثاكى" لم يدهشنى إهدائه العمل إلى من ذهبوا إلى الحرب ولم يعودوا.
"إيثاكي" الرحلة الطويلة للفارس اليوناني "أوليسيوس" التي كان يجب أن تنتهي في أيام لكنها دامت سنين طويلة قبل أن يعود إلى وطنه وزوجته بعد إنتهاء حرب طروادة. و"إيثاكي " قصيدة الشاعر اليوناني "كونستانتين كافافي" الذي سكن في مدينة الإسكندرية وقال فيها :
"عندما تتهيأ للرحيل إلى إيثاكي تمن أن يكون الطريق طويلا. حافلاً بالمغامرات عامرا بالمعرفة. لا تخشي بوزايدون إله البحر الهائج, لن تجد أبدا أيا من هؤلاء في طريقك إن بقى فكرك ساميا, إن مست عاطفة نبيلة روحك وجسدك". وإيثاكي الثالثة هى رحلة المخرج "إبراهيم البطوط " وتجربته الذاتية والتي استوحى منها فكرة فيلمه. ثم مجموعة أخرى من الإيثاكات لشخصيات حقيقية تعرف عليها المؤلف وآخرى ربطت بينه وبينها صداقة.
رحلة جديدة ينتظرها البطوط، يبحر إلى شواطئ فينسيا ليعرض فيلمه الأخير "الشتا اللى فات"، الذى أنجزه فى صمت دون ضجيج وسط كم المهاترات التى نعيشها يوميا فى الشوارع وعلى ساحات الفضائيات. يوما بعد يوم يثبت ابراهيم البطوط أنه فنان يقدس عمله ويرى أن الكاميرا هى الخلاص. ننتظر جميعا رؤية فيلم البطوط الجديد الذى من المؤكد أنه سيكون إضافة هامة إلى رصيده السينمائى والإنسانى.
                             نُشر فى أخبار النجوم 23-8-2012

0 comments:

إرسال تعليق

 
;