٣١‏/٠٨‏/٢٠١٢

حفرة الإرهاب


أحمد بيومى
لا يمكن بحال من الأحوال فك شفرات الجزء الأخير من ثلاثية كريستوفر نولن "صحوة فارس الظلام" بمعزل عن الجزءين السابقين. الفيلم يبدأ بتصوير عملية إرهابية تهدف إلى خطف عالم روسى يقودها الشرير الجديد "بين" صاحب القناع الذى يخفى وجهه ويحيلك إلى عضلاته المفتولة. وبعد نجاح العملية الهوليوودية، يجبرك "بين" على مقارنته بشرير الجزء الثانى الجوكر الذى لعب بطولته هيث ليدجر ونال عنها الأوسكار بعد وفاته، المقارنة ظالمة بكل تأكيد فشخصية الجوكر الذى يهدف إلى تفعيل أجندته الإجرامية الإرهابية الخاصة _الفوضى_ وكشف الجوهر الإنسانى على حقيقته بكل ما حملته الشخصية من عمق يميل إلى الفلسفة مرورا بالجنون، تجد نفسك تعامل شرير الجزء الجديد بقدر كبير من الشفقة وخيبة الأمل. الحديث عن فيلم "صحوة فارس الظلام" يلزم مساحة أكبر كثيرا من هذه التى أملكها، وبالتالى أحاول التركيز فى السطور القادمة على الخلفية التى رسمها الفيلم لشخصية الشرير الإرهابى "بين".
نولان لم يشر فى عمله إلى المنطقة العربية _المسلمة_ بأى شكل من الأشكال، وعلى ذلك حين نرى السجن العميق الذى أتى منه "بين" وهو على شكل حفرة واسعة، بها حبل يساعد من يسعى ويحلم إلى الهروب من هذا الجحيم الأبدى، خارج هذه الحفرة نراها محاطة بمدينة ذات طابع معمارى شرقى بالضرورة. ومن تابع الجزء الأول من الثلاثية يدرك أن شخصية رأس الغول عربية، وكان جزءا من منظمة عالمية هدفها الحفاظ على تقدم الحضارة عن طريق تدمير المدن التى يأكلها الفساد، وبالطبع انتصر الخير فى الجزء الأول، كما ينتصر دائما.
في "صحوة فارس الظلام"، نتابع قصةُ رأس الغول عن طريق قصة بين نفسه وسجن الحفرة، السجن الذي خرج منه "بين" إلى العالم. "الحفرة" التى تقع في الشرق الأوسط الكبير كما قررت إدارة بوش، له الطبيعة ذاتها التي يمكن أن توجد في أفغانستان أو أى بلد مع طراز معماري إسلامي. سجن  الحفرة سجن لا أمل في الخروج منه، ولا نعرف كيفية الدخول إليه إلا في حالة رأس الغول.
من حفرة الجحيم - حرفيا - التي تقع في الشرق الأوسط الكبير يخرج الإرهابيون، يخرج رأس الغول ونسله، ويهجمون على أمريكا. الهجوم الإرهابى على أمريكا يرفع رايات آيديولوجية، ويهجم "بين" على أمريكا لسبب وحيد: أراد رأس الغول تدمير أمريكا وفشل، وكل ما يجب فعله هو إتمام مهمته.
"بين" يميل إلى الأساطير العربية فى مخيلة التاريخ الأوروبى، الذي ورثته أمريكا بالضرورة. العربي وحش عاطفي و"بين"وحش عاطفي أيضا. فهو ليس أكثر من حارس للأميرة، يحبها وتحبه، ويفتديها بحياته، وتحنو عليه في لحظات موته. كأنها قصةُ الجميلة والوحش، مع لمسة مأساوية.
كذلك، يكتسي الأمر طابِع قصص ألف ليلة وليلة - في المخيلة الغربية - من القصة الغريبة التي تفسر حياة طفل رأس الغول في سجن الحفرة، ودخول رأس الغول نفسه في سجن الحفرة. إذ أنه كان مرتزقا عند زعيم محلي. وعشق ابنته، وتزوجها سرا، فألقي في سجن الحُفرة، إلى أن افتدته زوجته وقررت إخراجه. القصة غير منطقية، وتتنافى مع بناء الشخصيات وخلفياتهم الثقافية، لكن العرب وحوش عاطفيون في مخيلة الأمريكان، وفي أرضهم البربرية يمكن أن تحدث هذه القصص التي لا تصدق. ألم تقل ديزني في فيلم "علاء الدين" 1992: "قدمت من أرض بعيدة .. حيث تطوف قوافل الجمال .. حيث يقطعون أذنك .. إذا لم يعجبهم وجهك .. إنه مكان بربري، لكنه وطني!"...

0 comments:

إرسال تعليق

 
;