بطبيعة الحال، يجرى الآن سباق مارثونى بين الأقلام للكتابة والتعليق ونقد ومدح الحدث الكونى الجلل الذى تمتعنا به وهو إفتتاح جلسات مجلس الشعب. ولأن "آفة حارتنا النسيان" كما أكتشف كبيرنا ومولانا نجيب محفوظ فى عمله الرفيع "أولاد حارتنا" الذى يؤمن بعض أعضاء مجلسنا بأنه رجس من عمل الشيطان، نسينا جميعا الحدث الذى سبقه بساعات، والذى كان مثيرا لسخرية المصريين على شبكات التواصل وبرامج التوك شو، لدرجة تجبرك على الأندهاش من عبقرية المصرى فى السخرية، الحدث المتمثل فى تقرير خبرى نشرته صحيفة "الحرية والعدالة" الناطقة بلسان الحزب الناطق بدوره بلسان الجماعة، والذى جاء فى عنوانه المغلوط "قناع بانديتا للأناركيين يقود فوضى 25 يناير".
وبعيدا عن السخرية التى تعرضت لها الصحيفة والذى ربما بلغ مداه بتعليق من بلال فضل يقول فيه "دى آخرة اللى يمنع أهل بيته من الفرجة على mbc2"، وبعيدا عن المانشيت المكتوب بشكل خاطئ أكثر من مرة، لم يلتفت أحد إلى مضمون التقرير الذى يعلن بإختصار عن وجود خطة خبيثة بقيادة مجموعة من المصريين الخونة الذين قرروا إرتداء قناع فانديتا لنشر الفوضى وهدم الدولة.
صاحب التقرير والقائمين على نشره فاتهم مشاهدة الفيلم قبل الكتابة عنه، الفيلم الذى تم إنتاجه عام 2005 وليس 2006 كما اشارت الصحيفة، فاتهم الحكمة من وراء الفيلم والتى جاءت على لسان الشخصية الشهيرة عندما قال: "يجب ألا يخاف الشعوب من حكامهم .. الحكام هم من يجب أن يخافوا من شعوبهم"، وبالطبع لا يرغب التقرير التحريضى الإرهابى فى تناول الأمر من هذا المنطلق.
فى ثنايا التقرير العبقري تجد ما نصه "من شاهد فيلم فانديتا سيفهم فهم الأناركيين جيدا، فالفيلم الذى قام بكتابة السيناريو له "الأخوان واتشوسكى اليهوديان" كاتبا ومخرجا سلسلة أفلام ماتركس الشهيرة التى تتحدث عن مملكة بنى صهيون والمخابرات الأمريكية المركزية، بحسب موقع ثورات وحقائق سرية". الكلمات السابقة تنم ليس فقط عن الجهل بل أيضا على إستخفاف بعقل القارئ، فالديانة اليهودية ليست خطأ نعاير به من ينتمى إليها، وسلسلة أفلام ماتركس تدرس لطلبة فنون السينما ولم يفسرها شخص عاقل بأنها مؤامرة صهيونية ماسونية للقضاء على العالم وفقا لمخطط حكماء صهيون، كما أشار التقرير. والمصدر الذى أعتمد الكاتب عليه "موقع ثورات وحقائق سرية" كفيل بسكب مزيد من الكوميديا.
المحزن أنه بعد الهجوم الحاد الذى ناله التقرير من مختلف الجهات، والسخرية التى طالت القائمين على نشر التقرير، لم تجد الصحيفة سوى الهجوم على منتقديها قائلة "انا أسف يا فانديتا .. وقال علمنى الهيافة يابا"، دون الإعتذار عن الخطاب التحريضى ضد مصريين. السخرية التى ظلت سلاحا بين إيدى الشعب المصرى طوال تاريخه ستبقى حقا من حقوقه وأقوى خط دفاعى ضد من يحاول تغيير هويته أو إذكاء نار الفتنة بين صفوفه.
نشر فى أخبار النجوم 26-1-2012