أحمد بيومى - أفلامجى
فى عصر من العصور، عاش آباءنا عصر السينما، حين كانت دار العرض السينمائى المظلمة مسرحا للأحلام، وطقسا من طقوس الطبقة المتوسطة. فى عصر السينما كان من الطبيعى أن تقرأ فى مجلة "صباح الخير" عرضا نقديا كتبه رءوف توفيق لفيلم "زوربا اليونانى" نقلا عن حوار دار بينه وبين سائق تاكسى فى شوارع القاهرة. لم يكن مستغربا أن تجد فيلم "رجل وامرأة" لكلود ليلوش ظاهرة ثقافية فى مصر، ثم تنخرط فى جدل واسع كالذى أثاره فيلم "حذر من آت للعشاء" لستانلى كرامر، كونه من أوائل الأفلام الأمريكية التى تناولت موضوع العنصرية فى المجتمع الأمريكى من منظور ناضج إنسانى.
فى عصر السينما، كانت سينما مترو تعرض "انفجار" لأنطونيونى، و"العسكرى الأزرق" لرالف نيلسون، و"2001 أوديسا الفضاء" لستانلى كوبرك، وسينما قصر النيل تعرض "ساتيريكون فيللينى" للعبقرى الإيطالى فيللينى، وكانت سينما رمسيس تقدم "حورية المسيسيبى" لفرنسوا تريفو، وسينما روكسى تعرض "طفل روزمارى" لرومان بولانسكى، وسينما حديقة النصر تعرض "القابلات للمس" لروبرت فريمان من السينما البريطانية الجديدة.
فى عصر السينما، كنت تشهد تكوين الجمعيات الثقافية للأدباء والتشكيليين والسينمائين فقد ظهرت مثلا مجلة "جاليرى 68" تعبيرا عن فكر مجموعة من الأدباء والتشكيليين الشباب الذين يطرحون أفكارا جديدة. وتكونت جماعة "جماعة السينما الجديدة" عام 1968، من مجموعة كبيرة من خريجى معهد السينما والسينمائين الشباب الذين كانوا يطالبون بسينما جديدة مختلفة تعبر عن تطلعات وطموح الناس، مع تبنى أشكال تعبير طليعية تتخلص من القوالب التقليدية الجامدة. وكان لسان حال هذه الجماعة صفحتان داخل مجلة "الكواكب" أتاحهما للجماعة المثقف والكاتب الكبير رجاء النقاش، رئيس تحرير الكواكب فى تلك الفترة. فى عصر السينما كنت ترى تصدى فتحى فرج رئيس تحرير "مجلة الغاضبين" بكل قوة وعنف على أعوان السينما القديمة المتهالكة وتبشيره ودعوته إلى سينما جديدة. كانت الجماعة تضم بين من ضمتهم، أسماء مثل على عبد الخالق ومحمد راضى ورأفت الميهى وداود عبد السيد، ومحمود عبد السميع وسعيد الشيمى، وسامى السلامونى وسمير فريد ويوسف شريف رزق الله وخيرية البشلاوى، وابراهيم الموجى وأحمد راشد ونبيه لطفى .. وغيرهم.
أما الآن، ومع دخول عصر السينما لغرفة الإنعاش فى الثمنينيات وإعلان وفاتها رسميا فى التسعينات بظهور موجة "المضحكون الجدد"، وإنهيار الطبقى الوسطى حطب السينما ووقودها، ووفود أفواج محملة بالـ "لا ثقافة" من خلف البحر الأحمر، وعلو نبرة التحريم والتكفير والتقييد، ألم يحن الوقت لإستعادة نشاط السينمائيين الغاضبين. ألا يستحق كل ما يدور من حولنا، ومن خلف ظهورنا، وأحيانا أمام أعيننا، قدرا من الغضب. إن لم يهب اللوبى المصرى السينمائى الأن، بكل طوائفه، مخرجين وكتاب ومصورين ونقاد، مدافعين عن مصدر من مصادر التنوير والمقاومة ونقد السلطة، فمتى. هل علينا الأنتظار حتى تتحول سينما مترو إلى فرع آخر من فروع محلات الأحذية وأدوات المطبخ؟؟
السينما قالت
فى فيلم "زائر الفجر" للمخرج الراحل ممدوح شكرى عام 1972، جاءت عبارة على لسان أحد الأبطال تقول: "البلد دى ريحتها فاحت .. عفنت .. بقت عاملة زى صفيحة الزبالة .. لازم تتحرق.
نُشر فى أخبار النجوم (1-3-2012)
0 comments:
إرسال تعليق