١٠‏/٠٣‏/٢٠١٢

رأفت الميهى وطارق البشرى


فيلسوف الفانتزيا .. رأفت الميهى
 أحمد بيومى - أفلامجى
منذ سنوات طويلة، قد تماثل عمرى نفسه، حين عشقت السينما وعلمت أنها دربا من دروب السحر فى عالم بات بلا سحرة، أدركت تميزه وأختلافه. وربما كان هو السبب الرئيسى فى إدراكى أثناء سنوات الطفولة المبكرة بمهنة الإخراج، وحين كان المدرس يسألنا عن أحلامنا حين نكبر، وكانت الإجابات النموذجية تدور فى فلك الطب والهندسة والطيران وما يتعلق بالسلاح، كنت أجيب مخرج، لا لشئ سوى عشقى لما يدور داخل ذلك الصندوق السحرى أو القاعة الضخمة المظلمة.
رأفت الميهى، فيلسوف الفانتزيا، الذى ظل دائما نموذجا فى سينما التجريب، سينما تبحث فى قلب الوجود وتنقب عن خبايا الإنسان أينما كان. سينما تدفعك إلى التفكير، والتحرر من قيود العقل، وترسم عن وجهك ابتسامة دامعة، وتقدر أن تحول دفة حياتك _برمتها_ رأسا على عقب. ما فائدة السينما إن لم تغير العالم؟. رأفت الميهى مخرج من زمن تعامل الهواة المحبين، الذين يسعون إلى التجويد والإجادة، ينشدون استخدام كل مفردات السينما كفن وصناعة، لتجسيد العالم كما يرونه: رومانسيا بسيطا، أو واقعيا معقدا. وفى الحالتين كان الجمهور يقبل على الفيلم، يدعمه بالقروش التى كان يشترى بها تذاكر دخول السينما.
الميهى الذى يرقد حاليا فى المستشفى بعد إجراء جراحة فى القلب، لم يسعدنى الحظ أن ألتقيه، وإن سعيت فى الفترة الأخيرة لإجراء حوارا صحفيا معه، ليس من باب السبق، فهو بعيد كل البعد عن الشو الإعلامى الزائف، فقط لتبن كيف يفكر الآن، وكيف يرى المستقبل، القريب منه والبعيد. وعلى أى حال، دارت بيننا عشرات المكالمات الهاتفية حين استعين به لرسم تفاصيل مشهد، أو تنوير طريق نعتقد جميعا أنه يتهاوى. وأنا ادعو له بالشفاء العاجل، تذكرت المكالمة الأخيرة التى دارت بيننا حين سألته فى حالة ما قرر الكتابة عن شخصية متعلقة بثورة يناير، أجاب دون تردد، وكأنه أنتهى بالفعل من السيناريو، قال: طارق البشرى.  
وكأنه بحار عجوز يبشر ملاحيه بالشاطئ قبل أن يروه، أخبرنى الميهى بالنص أن طارق البشرى هو "المسئول عن خراب البلد"، وذكرنى بالسنهورى، وكيف أن الزمن الخبيث يعيد نفسه، ولم يخفى عنى دهشته من أفعال البشرى / السنهورى، وعن احترامه السابق لتاريخه وكتبه الشجاعة. وسألنى، بلهجة طفل يكتشف الكون، لماذا انقلب البشرى على تاريخه وقرر محوه بالكامل؟ لماذا تحول _فجأة_ لصالح المجلس العسكرى والإخوان المسلمين؟، ما العلاقة التى تربط هؤلاء جميعا؟. أنهال رأفت الميهى على بالأسئلة ولم نملك سويا سوى الحسرة وتلميم بقايا حلم.

0 comments:

إرسال تعليق

 
;