٢٠‏/٠٣‏/٢٠١٢

انفصال الإيرانى -- تمهيد ثورة وقتل أخرى


أحمد بيومى - أفلامجى
يضعك الفيلم الإيرانى "انفصال"، الحائز على جائزة أوسكار افضل فيلم أجنبى، منذ اللحظة الأولى أمام مجموعة من الأوراق الرسمية التى تمر على ماكينة لتصوير المستندات. مما يذكرك _ايا كانت جنسيتك_ أن الأنسان فى هذا العصر لم يعد يتجاوز أكثر من حفنة أوراق مختومة. ومن ثم تجد زوج إلى جانب زوجته التى تطالبه بالطلاق أمام القاضى. والقاضى بدوره غير مقتنع بالأسباب الداعية للأنفصال، مما يدفعها لكشف السبب الرئيسى لطلب الأنفصال من زوجها التى تحبه وهو رغبتها فى السفر خارج البلاد لأنها تدرك أن طفلتها ليس لديها مستقبل فى إيران. يسألها القاضى _متعجبا_ عن أيه ظروف تلك التى تمر بها البلاد لتفكر فى الهجرة، فلا نجد سوى صمت الزوجة.
وبهدوء شديد يستعرض كاتب السيناريو والمخرج أصغر فرهادى معاناة بطله "بيتمان معادى" وزوجته "ليلى حاتمى"، البطل كل ما يمنعه من تحقيق حلمه بالسفر _أيضا_ هو والده الطاعن فى السن والمصاب بمرض ألزاهيمر، مما يدفعه إلى إستئجار خادمة لتعتنى بوالده اثناء تواجده بالعمل. وهذه الخادمة التى تدور حولها أحداث الفيلم، نجدها تقف مترددة أمام مساعدة الجد الطاعن فى السن خشية لمسه، وتضطر إلى الأتصال برقم خاص بالأستشارات الدينية للسؤال حول الحد المسموح به للتعامل مع الجد المريض، يرفض فى البداية من هو على الطرف الثانى من الهاتف وتتفاوض معه معددة الأسباب وكونه يقارب الثمانين من العمر ومصاب بالعديد من الأمراض وبالكاد يستطيع الحركة ويحتاج إلى المساعدة، فيخبرها بأن عليها أرتداء قفاز لليدين أثناء العامل معه.
تتطور الأحداث إلى أن نجد الخادمة تربط الجد فى السرير لحاجتها للخروج من المنزل فيعود الأبن ويطرد الخادمة بعد ان يدفعها خارج المنزل، لتعود وتتهمه، مع زوجها العاطل، بأنه السبب فى فقدانها الجنين وتقاضيه.
وخلال الفيلم نكتشف، بتمهل مقصود من صناع العمل، المعاناة النفسية التى يعانيها المواطن الإيرانى، معاناة مع ضميره الدينى حين نجد الخادمة الكاذبة ترفض القسم على القرآن فى جلسة ودية، ومعاناة زوجها العاطل البائس، ومعاناة طفلة تكتشف كذب والدها على المحكمة مؤكدا أنه لم يعرف أن الخادمة كانت حامل، ويعترف أمام ابنته بالحقيقة، فنجد الطفلة فى معاناة نفسية قاسية تؤدى بها فى النهاية إلى الأعترف بجرم ابيها أمام القاضى ليواجه عقوبة الحبس، معاناة طبقية نلحظها فى الفيلم حتى وإن جاءت بين السطور وفى ثنايا الكادرات. حنين مستتر ايضا نلمحه من ديكور المنزل الذى تدور فيه أغلب المشاهد من خلال بعض الصور الفوتوغرافية بالأبيض والأسود المعلقة على الجدران، لقطات ممرات المحاكم المكدسة، المستشفيات الفقيرة، تعنت القضاة وغياب روح القانون، التحقيق مع أطفال، وهى كلها رسائل خفية مشفرة يمررها المخرج لمن يهمه الأمر.
ويختتم الفيلم بمشهد للطفلة صاحبة الأحد عشر عاما وهى أمام القاضى الذى يسألها مع أي الوالدين ترغب أن تعيش، ينتظرها والديها فى الخارج متباعدين، وتنزل تيترات الفيلم متملهة ونحن نتابع ترقب الواليدين. ولا تملك بعد سيطرة الظلام على الشاشة سوى التفكير فى مصير هذه الفتاة وتكمل السيناريو بنفسك.
"انفصال" فيلم ثورى بصوت خفيض، وربما هذا ما يفسر رفض السلطات الإيرانية الإحتفاء بالفيلم. لأنهم أدركوا الرسالة متأخرين، لكنهم يعون من زمن بعيد مدى تأثير الفن على المجتمعات وقدرته على إحداث التغيير التراكمى. وفى مصر نجد التيارت السياسية الإسلامية تمنع عرض الفيلم داخل جامعة القاهرة بحجة أنه مناهض للحجاب ويدعو للفكر الشيعى وللعلمانية والفجور !!، وهى كلمات تثير الضحك بقدر ما تستفز الدموع، وتذكر بذكرى ثورة قامت للمناداة بحرية الرأى والتعبير وأنتهى بها المطاف مقتولة على قارعة الطريق.
                                                نشر فى أخبار النجوم 21-3-2012

0 comments:

إرسال تعليق

 
;