١٠‏/٠٥‏/٢٠١٢

أحمد سبع الليل


أحمد بيومى - أفلامجى
أحمد سبع الليل .. وأعداء الوطن
(مقال ليس له علاقة بأحداث مجلس الوزراء ومحمد محمود وماسبيرو والعباسية .. و .. و ..)
فى تاريخ الفن السينمائى شخصيات خالدة لا تموت، خلقها مبدعون أفنوا أعمارهم فى محراب الفن يحاربون الجهل والتخلف ساعين نحو التنوير والتغيير. قناوى، الأعرج الفقير أسير باب الحديد، الحالم بهنومة الفاتنة. الشيخ حسنى، الضرير الذى يرى افضل من الجميع المفتون بركوب الدرجات النارية. ابو سويلم، الفلاح المصرى الأصيل الذى حارب وانتصر، لا تسوى الحياة عنده شيئا دون أرض ومياة تروى عطشها. عتريس، الطيب الصلب، رقيق القلب عنيف الطبع، المحب لفؤادة حتى وإن أبت ظلمه. وربما من أكثر الشخصيات ثراءا فى تاريخ السينما المصرية هى تلك التى جسدها العظيم أحمد زكى (الفلاح – المجند) أحمد سبع الليل، والتى رسمها وحيد حامد بقلمه وأخرجها للحياة الراحل – الباقى عاطف الطيب.
أحمد سبع الليل، الريفى الفقير الذى لا يعرف عن الدنيا سوى قريته الصغيره حيث لم تمكنه ظروفه الأقتصادية من نيل قسط كاف من التعليم. وطنه يعنى بإختصار الحقل والترعة، متعته الحياتية تقتصر على تجمع مع شباب القرية أمام محل البقالة، يجد ملاذا وهربا من سخرية الجميع فى أداء خدمة التجنيد فى القوات المسلحة.
وعندما يتم استدعاء أحمد سبع الليل للتجنيد الإجباري ولأنه لا يعرف ما معنى التجنيد أو إلى اين يذهب يقوم أحد حكماء القرية، بتوضيح معنى التجنيد لأحمد سبع الليل فيقول "إن الجيش يحمي البلد من أعداء الوطن"، وهنا يرد أحمد وقد فهم أن المقصود قريته "بس بلدنا ما لهاش أعداء"، وهذه الجملة هي مفتاح الأحداث وافتتاحية الفيلم نصا وإخراجا وتصويرا. يتضح فيما بعد أن المطلوبين لأداء الخدمة العسكرية يخضعون لبرنامج مكثف من الفحص الطبي، بالإضافة إلى تصنيفهم ثقافيا وعلميا، فيصبح أحمد سبع الليل الأمي الذي يجهل القراءة والكتابة، في ذيل القائمة وينتهي الأمر به إلى الانخراط ضمن قوات حراسة أحد المعتقلات الخاصة بالمسجونين السياسيين في منطقة صحراوية معزولة، وهناك يتم تدريبه على إطاعة الأوامر بأسلوب "الطاعة العمياء" التي تتطلب تنفيذ الأوامر بدون أية مناقشة حتى ولو كانت منافية للمنطق. في المعتقل نرى العقيد توفيق شركس (محمود عبد العزيز) وهو نمط الضباط الذي يعيش حياة مزدوجة بين حياته الخاصة حيث يبدو في غاية اللطف والرقة، وبين حياته العملية حيث يمارس أبشع وسائل التعذيب بعنف ووحشية،يرى أحمد سبع الليل أن المعتقلين يجبرون على تناول الخبز من الأرض وأيديهم خلف ظهورهم، فيسأل لماذا؟ فيقول له الشاويش "هؤلاء أعداء الوطن".
قمة الإثارة في الفيلم عندما يأتي مجموعة من طلاب الجامعة "للتأديب" في المعتقل لتعبيرهم عن رأيهم ويستعد أحمد بالعصاة في يده لتأديب أعداء الوطن، ولكن المفاجأة أن أحد الطلاب هو ابن قريته حسين وهدان (ممدوح عبد العليم) الذي يحبه "أحمد" حبا كبيرا، وتعلم على يديه العديد من أمور الحياة وواجبه تجاه الجندية، وهنا يعصي "أحمد" الأوامر ويمتنع عن ضرب ابن قريته، بل ويدافع عنه ويصرخ وهو يحميه بجسده ويتلقى السياط عنه "ده حسين أفندي ابن الحاج وهدان، أنا عارفه، ده لا يمكن يكون من أعداء الوطن". وهنا تبدأ الحركة الأخيرة من هذا العمل السينمائي، وفيها يعاني أحمد لحظة التنوير عندما يدرك أنه لا يحارب أعداء الوطن، ويسجن مع حسين، ويموت حسين بين ذراعي صديقه متأثرا بلدغة ثعبان، ويعود أحمد إلى عمله وعيناه تقولان إنه قرر أمرا، ولكن أحدا لا يستطيع التنبؤ به.
ينتهي الفيلم بطريقه غير التي تم اقتطاعها، وهي حالة من الثورة تصدر عن احمد سبع الليل عندما يري "مجموعة" معتقلين جدد تدخل الي قلب المعتقل.. فلا يستطيع التحكم في اعصابه ويري أن الحل الامثل هو إطلاق النار بشكل عشوائي علي الجميع حتى زملاءه من صغار المجندين ويترك السلاح من يده ليمسك بالناي ليعزف كما اعتاد قديما.. ويموت في هذا المشهد جميع من بالمعتقل إلا مجند واحد يقوم بإطلاق الرصاص علي احمد سبع الليل فيسقط الناي بجوار السلاح.. ويبدأ صوت العبقري عمار الشريعي ليشدو: يا قبضتي دقي علي الجدار.. لحد ما ليلنا ما يتولد له نهار .. يا قبضتي دقي علي الحجر.. لحد ما تصحي جميع البشر. مع صوت اشبه بمارش عسكري وهمهمه تصاحب خطوات المجند قاتل احمد سبع الليل مبتعدا.
                                         نُشر فى أخبار النجوم 10-5-2012

3 comments:

اسراء امام.. يقول...

المقال هايل أحمد اسلوبك متسق ومنمق..
أنا بحب الفيلم لكن ليا عليه شوية تحفظات،علشان كدة بنتمى للشخصية أكتر لإنها مكتوبة بحرفية وبتفاصيل دقيقة بخليها تفضل مُنطبعة فى الأذهان لوقت طويل ..

بالتوفيق

Unknown يقول...

شكرا يا إسراء، انا بحس ان شخصية أحمد سبع الليل ده موجودة فى كل قرية بسيطة فى مصر، وهتفضل عايشة كتير.
يهمنى اعرف ملاحظاتك عن الفيلم.
جزيل الشكر على المتابعة :)

إسراء إمام.. يقول...

أكيد هو شخصية لسه موجودة لحد دلوقتى،بس فيه ناس كتير مش عاوزة تصدق ده ومصرين يشوفوا الدنيا بمنظور ضيق أوى...

أنا شوفت الفيلم من زمان مش هقدر أعددلك التحفظات دى بشكل عملى دلوقتى كلها، لكن اكتر انطباع سلبى خرجت بيه ان الفيلم صارخ ومباشر فى معالجته،وأنا بحب دايما المعالجة اللى بتقدم مضمون لاذع وصاخب بمعالجة وتنفيذ هادى "تحت الجلد"..
لو كنت فاكرة الفيلم كويس كنت هحددلك بالظبط المباشرة دى لمستها في أى مشاهد بالظبط..

بس على كل حال هو فيلم من الأفلام المهمة والجميلة..

لا شكر على واجب من حد بيحب السينما لحد بيحب السينما:) :)

إرسال تعليق

 
;