٠٤‏/١٢‏/٢٠١١

خالد صالح


ربما زحمة السير المرورى فى شوارع القاهرة هى السبب الرئيسى لكتابة هذه الكلمات. فأثناء توجهى لمقر عملى فى شارع الصحافة العريق ومروى بميدان لبنان توقفت السيارة ما يقارب النصف ساعة وسط ضجيج الأبواق وزعيق السائقين، لأجد نفسى وجها لوجه أمام صورة عملاقة لخالد صالح. وبطبيعة الحال وهربا من الواقع سرحت فى خيالى مع الموهوب فوق العادة. رأيته قبل ثلاثون عاما وهو يتجول فى أحد شوارع مصر القديمة ويتابع بكل تركيز عامل نظافة هدته الحياة لكنها لم تنتصر، وظل صامدا يواجه التراب والقمامة بأبتسامة، ورأيت وجه خالد وهو يختزن المشهد فى جزء خاص من عقله يعلم تماما أن فى هذا الجزء كنز قابع ينتظر الأستدعاء. وبعدها بسنوات، رأيته مرة أخرى أمام أحد مطاعم وسط البلد، يرقب بحذر بالغ اب بنظارة سميكة يحمل ابنته الوحيدة ويقرر الأنتصار للحياة ويقتحم المطعم بعد تردد طويل للحصول على وجبة دسمة دون التفكير فى عواقب الوجبة ماديا على مسيرة الشهر الطويل
عشرات المشاهد رأيتها تمر أمامى كمجموعة من الأفلام القصيرة يربطها فقط هذا المتابع الشغوف والمنصت الجيد لأحاسيس الناس قبل كلماتهم، وتعبيرات وجوههم قبل وداعهم. هذه المشاهد جرت بالضرورة مع خالد صالح لأن هذه الطريقة هى السيبل الوحيد الذى يمكن أن يقف وراء موهبة بقيمة وقامة خالد صالح. لا أشك لحظة واحدة أن لعبة الأستدعاء هى اللعبة المفضلة عنده. فكم من المشاهد تمر أمام الأنسان، لكن عند الممثل _وتحديدا الموهوب_ هى الوجبة المفضلة التى تشبع أرواحهم
ربما يختلط الأمر عند المشاهد عندما يشاهد هذا التنوع والثراء عند خالد صالح فى كل عمل يقدمه. وهذا المشاهد مهما بلغت درجة بساطته يعلم _بالضرورة_ أن وراء هذا التقمص والأداء الأستثنائى موهبة ربما لم تخرج كل ما فى جعبتها بعد. والأمر لا يتوقف أمام الموهبة أو المتابعة الدقيقة فحسب، بل يصل إلى النقطة الأهم وهى الأختيار
والأختيار عند خالد صالح نقطة مضافة إلى رصيده الفنى، فلا توجد عنده شخصيات تمر مرور الكرام، مهما بلغ حجم الدور أو تأثيره فى العمل، فمن منا لا يذكر دوره فى فيلم "أحلى الأوقات" الذى ربما _رغم صغر المساحة_ من أبدع ما قدم على الشاشة فى السنوات العشر الأخيرة. وكل أختيارات خالد تنم عن ذكاء فطرى وإحساس فائق بالمجتمع، حتى مع مسلسله الأخير الأنجح فى رمضان_ أعتقد أن خالد لم يتوقف كثيرا أمام شخصية الريان بإعتباره أسطورة المال، بل أهتم بالمجتمع الذى قدم تحويشة العمر لهذا الرجل. ولا أشك لحظة فى الأخيار القادم لخالد صالح الذى ننتظر منه المزيد والمزيد من الأعمال التى يمكن تناولها على اكثر من مستوى، ونقدم لها أكثر من قراءة وتحليل. خالد صالح إليك من قبل ومن بعد التقدير والأحترام. وسلامات فالطريق أصبح متاحا.

أحمد بيومى - أفلامجى

0 comments:

إرسال تعليق

 
;