٠٣‏/١٢‏/٢٠١١

مفترق الطريق

أحمد بيومى - أفلامجى
قبل شهور استبدلت هاتفي القديم بآخر‮ ‬جديد،‮ ‬ليس من باب البحث عن التغيير وسقوط شرعية هاتفي القديم،‮ ‬لكن فقط لعدم قدرته علي مسايرة‮ ‬وتيرة الضغط المتزايد‮. ‬وبعد أسابيع اكتشفت ميزة رائعة كامنة في هاتفي الجديد تتمثل في امكانية ظبط نغمة رنين المنبه لتصبح نغمة عشوائية تتغير مع كل صباح كما‮ ‬يشاء هاتفي العزيز‮. ‬والحق‮ ‬يقال،‮ ‬استطاع هاتفي التنبؤ بأحداث كثيرة في الأشهر الماضية‮. ‬وصباح الاثنين الماضي قبل بدء التصويت في الانتخابات البرلمانية استيقظت علي صوت ماجدة الرومي وهي تردد أغنية فيلم‮ "عودة الابن الضال" ‬ليوسف شاهين‮ "مفترق الطريق" ‬لأجد نفسي متلبسا بفعل التأمل‮.
ساعات اقوم الصبح،‮ ‬قلبي حزين‮ .. ‬اطل برا الباب،‮ ‬يأخذني الحنين‮.. ‬اللي اشتريته إنباع،‮ ‬واللي لقيته ضاع‮.. ‬واللي قابلته راح،‮ ‬وفات الأنين.

هل تأتي الانتخابات معبرة عن ثورة الشعب المصري؟ هل‮ ‬يتغير وجه مصر الي الأفضل؟ هل تقل‮ -‬لن أقول تتلاشي‮- ‬نسبة المحسوبية والرشوة والبطالة والفقر والجهل؟ هل‮ ‬يأتي‮ ‬يوما تسقط فيه بعض قطرات المطر فلا تتحول مصر إلي بركة كبيرة؟ هل من حق ولدي أن‮ ‬يحلم بأن‮ ‬يكون رئيسا أو ظابطا أو أستاذ جامعة أو قاضي أو حتي لاعب كرة في نادي الزمالك دون إجراء مكالمات هاتفية؟ هل تصبح مصر بلدا كما كانت قبل نحو ستين عاما؟ اتمني ان تأتي الأجابات عن الأسئلة السابقة بنعم،‮ ‬لكن المنطق‮ ‬يقول لا‮. ‬لن نجد السكان الأصليين لميادين مصر خلال الـ18‮ ‬يوم داخل قبة البرلمان،‮ ‬وربما نجد من كان له دور في رسم خطط فض واجهاض الثورة،‮ ‬والأكيد توافر عدد هائل ممن تمسحوا بالثوار‮.‬
يستمر صوت ماجد الرومي الملائكي في التسلسل إلي ذهني أثناء جلوسي لمدة نصف ساعة مستسلما‮ ‬للتغطية الانتخابية التي بدأتها أغلب القنوات الفضائية مع الساعة الأولي من الصباح،‮ ‬ومع ابتسامات المذيعين وتفاؤل المراسلين تجد نفسك وسط مشهد‮ ‬غارق في الرومانسية،‮ ‬وما هي إلا دقائق ويبدأ سيل الشكاوي‮ ‬من اختراق لبعض الأحزاب لقانون الانتخابات الخاص‮ ‬بالدعاية الانتخابية،‮ ‬شائعات عن مقتل مرشحين،‮ ‬أزمة كبري متكررة خاصة باختام الأوراق،‮ ‬تأخر فتح عدد من اللجان‮.. ‬سيل من الأخبار العاجلة التي قد‮ ‬يراها البعض عادية ومتوقعة ودائمة الحدوث‮.‬
"أدي اللي كان،‮ ‬وأدي القدر وأدي المصير‮.. ‬نودع الماضي وحلمه الكبير‮.. ‬نودع الأفراح نودع الأشباح".. ‬يظن كثيرون‮- ‬أنا منهم‮- ‬أن جماعة بعينها سيكون لها نصيب أكبر من مقاعد البرلمان،‮ ‬فليكن‮. ‬أنه القدر والمصير والاختيار الذي علينا جميعا أن نرتضيه،‮ ‬كما علينا تغييره متي شئنا،‮ ‬ومتي رأينا سلوكا أعوجا أو نسخة كربونية من نظام فاسد ثرنا عليه فقط مصحوب بعبارات مقدسة‮. ‬الجولات الأخري لا نرغب في أن‮ ‬يحدثها ميدان التحرير،‮ ‬لانريد أن‮ ‬يحسمها دماء المزيد من الشهداء،‮ ‬فقط نريد صندوق الاقتراع ومناخ صحي قانوني ديموقراطي مصحاب‮. ‬فعلي الشعب اختيار توديع الأشباح متي أراد‮.‬
‮"‬وأرجع وأقول لسه الطيور بتحن،‮ ‬والنحليات بتطن،‮ ‬والطفل ضحكة‮ ‬يرن‮. ‬مع إن مش كل البشر فرحانين‮".‬
                                                          (نُشر فى أخبار النجوم 1-12-2011)

0 comments:

إرسال تعليق

 
;