تلك القاعة التى تنتظر ظلامها بفارغ الصبر لتجد نفسك وجها لوجه أمام عقلك، بمفردك أمام بطل الفيلم الذى تشاهده وتتوحد معه وتجد فيه صديقا قديما فرقتما الحياة لكنك لاتزال تحتفظ بين ضلوعك بذكراه، وطريقته الخاصة فى إعداد القهوة. أو ربما تكره البطل وتمقته وتتمنى من كل قلبك أن يُكتشف أمره وخدعته وتتمنى حتى أن تراه مصلوبا فى نهاية العرض فقط لأنه ذكرك بمديرك فى العمل، أو بحبيبة قديمة تخلت عنك لسبب تراه تافها، وتراه هى قدرا. لكل دوافعه فى حب السينما.
فى بعض الأحيان تجد بطل الفيلم بالقوة التى لا يمكن قهرها، فتتعاطف تلقائيا مع الآخرين الذين رغم مكانتهم يلعبون دور الكومبارس. فعندما تجد بطل الفيلم زلزال مدمر، بركان هائج، تسونامى ثائر، كويكب يتجه إلى الأرض، مرض وبائى يجتاح العالم، رغما عنك ستجلس على كرسيك متأملا راهبا متعاطفا مع كل الأبطال والكومبارس، ربما لشعورك المفاجئ بالدور الذى منحه لك المخرج، وانضمامك إلى هؤلاء الذين لايجدون مفرا أو مهربا. فتجد شابا وحبيبته على دراجة بخارية ينطلقون هربا من مصيرهم المحتوم، ورجل طاعن فى السن وزوجته _بعد أن قضيا سويا الخمسون عاما الأخيرة فى منزلهم_ يرفضون الخروج ويرحبون بمقابلة الموت على سريرهم متلامحى الأيادى مستعدين لرحلة جديدة. احيانا كثيرة تلعب السينما دور الجامع والكنيسة، تذكرك إنك فى النهاية ضئيل، والنهاية قادمة لا محالة.
ربما الحنين، وحاجة الإنسان الدائمة لإختراع آلة الزمن، دافع آخر من دوافع صمود السينما. رغبتك القاتلة فى مقابلة ومصافحة صلاح الدين الأيوبى، تصميم مخرج على إنجاح محاولة قتل هتلر، تلقين العالم الرأسمالى درسا من تعاليم السامورى، حلم فتاة رومانسية برؤية انطونيوس. تعايشك مع جدودك المصريين القدامى ورؤيتك للقاهرة قبل أن تصبح قاهرة.
الكلمات السابقة جاءت بعد سؤال صديقتى وزوجتى العزيزة عن ارتباط الأعياد _فى مصر والعالم كله_ بدار السينما، ولماذا يحب الناس الذهاب إليها؟ وكيف يجدونها ضمانة حقيقية لقضاء وقت يسعدهم، كل حسب رغبته وثقافته وميوله. وصمودها على مدار أجيال متعاقبة رأى فيها العالم من وسائل الترفيه ما كان يفوق العقل ويتجاوز فى الكثير من الأحيان الخيال، إليها وإليكم _وإلى من يحاول القول بأن السينما حرام_ الكلمات السابقة.
0 comments:
إرسال تعليق